"رحلة بحرية في الغابة" مغامرة في الأمازون بحثا عن عشبة الخلود السريّة

المغامرات الممزوجة بالفانتازيا كانت وما تزال من الأنواع السينمائية التي تحتل مساحة واسعة من الاهتمام والتفاعل من طرف جمهور السينما، وهو ما شجع شركات الإنتاج السينمائي للمضي في إنتاج هذا النوع من الأفلام، وخاصة ذلك النوع القائم على الإبهار البصري والإمكانات الإنتاجية العالية، على غرار فيلم “رحلة بحرية في الغابة”.
تمضي والت ديزني في تقديم أفلامها للجمهور العريض هذا العام، من خلال فيلمها “رحلة بحرية في الغابة” للمخرج جوام كوليت سيرا، وهو الفيلم الذي يكمّل ثمانية أفلام سبق وقدمتها هذه الشركة العملاقة ترواحت ما بين الفانتازيا والدراما الاجتماعية والنفسية وأفلام الحركة والإثارة.
في هذا الفيلم هنالك مساحات واسعة للمغامرة والفانتازيا، إذ تستند قصة الفيلم إلى أسطورة هي أقرب إلى الخرافة والمغامرة، بوجود نوع من الزهور أو النباتات في عمق غابات الأمازون لها القدرة على شفاء جميع الأمراض، وكأنها عشبة الخلود التي تستوجب تلك المغامرة.
المفاجآت والكوميديا

فيلم ترواح ما بين الفانتازيا والدراما الاجتماعية والنفسية وأفلام الحركة والإثارة
تقع أحداث الفيلم بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، وها هو جاك (الممثل مكروغر هوتون) وشقيقته الدكتورة ليلي (الممثلة إيميلي بلونت) يسعيان للحصول على أسرار المغامرين السابقين، الذين تظهر لقطات سريعة كيف انتهى بهم الأمر بعد المغامرة ومحاولتهم انتزاع السر من إحدى القبائل البدائية التي تعيش في الأمازون، وكيف انتهى الأمر بهذه الأخيرة إلى أن تحالفت مع كائنات الغابات وأجهزت على أولئك المغامرين.
تتجه ليلي وشقيقها للقيام بالمهمة، وخلال ذلك سوف نشهد العديد من مشاهد الحركة التي تظهر براعتها في انتزاع رأس السهم السحري من مالكيه، ومن ثم السفر إلى منطقة الأمازون وهناك تبدأ المغامرة.
يكمل شخصية ليلي بوصفها الشخصية الرئيسية الممثل الشهير مفتول العضلات دواين جونسون، وهو في هذا الفيلم يقوم بدور الكابتن فرانك الذي أمضى حياته مغامرا مكملا لدور والده وعارفا بأسرار غابات الأمازون، وهكذا يوافق على المضي في الرحلة بصحبة ليلي وشقيقها.
على صعيد المشاهد التأسيسية فقد حفل الفيلم بالكثير منها وهي العامرة بالتفاصيل التي تظهر جماليات البيئة الشائكة الطبيعية بأزهارها ونباتاتها القاتلة وطيورها وأفاعيها، وصولا إلى مشاهد النزال مع النمر الذي ينتهي بانتصار الكابتن فرانك.
اعتمد المخرج خلال ذلك وبكثافة على مشاهد الحركة وعلى المفاجآت غير المتوقعة مع مسحة ممتعة من الطرافة والكوميديا التي برعت فيها الممثلة البريطانية المخضرمة إيميلي بلونت، التي سبق وشاهدناها في العشرات من الأفلام الناجحة كان آخرها فيلم “مكان صامت” الذي يعرض حاليا عبر منصة نتفليكس، وقبلها أفلام مثل “فتاة في القطار” و”حافة الغد” و”الحلقي” و”فيكتوريا الصغيرة” و”الرجل الذئب” و”الهدف البرّي” وغيرها من الأفلام.
وسبق ورشحت للعديد من الجوائز في مسابقات البافتا والغولدن غلوب وفازت بجوائز عدة من العديد من المهرجانات، ولعل هذا الدور يبدو مختلفا تماما عن مجمل مسيرتها فهي لم تعرف بأدور الكوميديا والحركة، وظلت صورتها النمطية مرتبطة بالأدوار الإجتماعية ذات الطابع النفسي والإثارة والترقب.
غزارة الصورة
إذا نظرنا مليا في فكرة الأسطورة والخرافة التي بنيت عليها فكرة الفيلم، فإنها في الواقع كرست البطولة الفردية لكل من ليلي وفرانك في مقابل تردد شقيق ليلي الذي لم يكن قد تحسب لكل هذه المفاجآت المتتالية والخطر المحدق به في تلك الرحلة عبر غابات الأمازون.
في المقابل ومن أجل التوازن الدرامي فقد زج المخرج بشخصيات أخرى تكمل شخصية ليلي وفرانك المغامرتين، وهما الأمير جواكيم (الممثل جيس بليمونس) ونيلو (الممثل باول جياماتي) وكلاهما برعا في إثراء المشاهد التي تحقق ذلك التوازن وخاصة مع اندفاع جواكيم ونرجسيته ورعونته وملاحقته ليلي لاعتراض مهمتها والخوض معها في مشاهد مصنوعة بعناية فائقة ومليئة بالحركة.
يوجد توازن منطقي بين اندفاع الشخصيات لاستجلاء أسرار العشبة وما يحيط بها من مغامرات مميتة وبين الدراما المتصاعدة
من هنا سعى فريق كتابة القصة والسيناريو، المكون من سبعة أشخاص، إلى تكثيف تلك الدراما وبث الحبكات الثانوية بين حين وآخر وقد استند في ذلك إلى القصة الأصلية لوالت ديزني التي حملت ذات الاسم، ومن خلال ذلك كان هناك نوع من التوازن المنطقي بين اندفاع الشخصيات لإستجلاء أسرار تلك العشبة وما يحيط بها من مغامرات مميتة وبين الدراما المتصاعدة والتي يقودها الأمير جواكيم المتحير في قدرات ليلي وقيامها بكل تلك المغامرات والنجاة من العديد من المصاعب والعقبات ببراعة.
هنا كانت حركات الكاميرا وتنوع الزوايا ومستويات التصوير والخدع السينمائية علامات فارقة في هذا الفيلم، وحقق بذلك تكاملا بين ثيمته الأسطورية والفانتازية وبين الدراما الفيلمية.
من جهة أخرى فقد انطبعت العديد من صفات أفلام المغامرات التي ميزت مسيرة والت ديزني في هذا الفيلم مع أن العديد من النقاد ربطوا بين فكرة وموضوع ومعالجة الفيلم مع مثال مقابل وهو فيلم “قراصنة الكاريبي”، وأنه لم يرتق إلى مستوى ذلك الفيلم لجهة المغامرات البحرية مع أن الفيلم يبدو ذا سمات مختلفة، لأنه كما ذكرنا يحمل طابع والت ديزني المميز والإمعان في استخدام غزارة الصورة وإبراز جماليات المكان وخاصة البيئة الكثيفة بتفاصيلها فضلا عن تلك المشاهد المتميزة لشوارع لندن في عام 1917 وهو التاريخ الذي يفترض أن أحداث الفيلم وقعت فيه.