ربى زعرور فنانة لبنانية تقتحم الدراما السورية من بوابة السينما

تدور عجلة كاميرا المؤسسة العامة للسينما السورية في دمشق حاليا لتصوير أحدث إنتاجاتها “يحدث في غيابك” عن نص كتبه سامر محمد إسماعيل، ويخرجه الفنان سيف الدين سبيعي، وهو الفيلم الذي يقوم بتجسيد شخصياته ممثلان فقط لا ثالث لهما، الممثل السوري يزن خليل والممثلة اللبنانية الشابة ربى زعرور التي التقتها “العرب” أثناء تصوير الفيلم بدمشق، فكان معها هذا الحوار.
دمشق- في طرح سينمائي نادر وصعب، يحيلنا صناع فيلم “يحدث في غيابك” وهو من أحدث إنتاجات المؤسسة العامة للسينما بسوريا، الذي يصوّر الآن في دمشق، إلى الولوج معهم في تجربة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مغامرة، تحفها المخاطر الفنية من كل جانب، ففي قصة الفيلم هناك منطلق تبدأ به يحمل عاطفة إنسانية حادة، لا تلبث أن تهدأ، فتتحول إلى نقيضها مع تسلسل الأحداث، كذلك في مكان وقوع الحدث الذي هو بيت واحد تجري فيه معظم أحداث الفيلم، وثالث التحديات، أن ممثلين اثنين، سيقدمان معظم تفاصيل العمل، وعليهما تقع مسؤولية تقديم مقولة الفيلم بشكل شبه كامل.
سابقا، قدمت السينما السورية حالة مشابهة لمثل هذا العمل، من خلال فيلم “الكومبارس” الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام 1993 وكان من إخراج الراحل نبيل المالح وبطولة بسام كوسا وسمر سامي، ويعد الفيلم أحد أنجح الأفلام في تاريخ المؤسسة العامة للسينما.
في الفيلم الجديد “يحدث في غيابك” تشارك الفنانة اللبنانية الشابة ربى زعرور التي درست فن السينما والمسرح في لبنان وأميركا، وبعد اختبارات عدة جمعتها مع مخرج العمل وبالتنافس مع العديد من فنانات سوريا ولبنان، اعتمدها المخرج سيف الدين سبيعي لما وجد فيها من تمكن في إظهار ملامح الشخصية النفسية بشكل احترافي كبير، حيث وصلت لحالات عميقة في داخل شخصية نسائية مركبة وصعبة.
عن تجربتها في العمل ودخولها الفن السوري من خلال بوابة السينما، تقول ربى زعرور “أحب السينما، وأفضل العمل فيها، اعتذرت عن فرصتي عمل في التلفزيون في لبنان لكي آتي إلى سوريا لتصوير هذا الفيلم السينمائي الذي أتمنى أن أقدم فيه ما أطمح إليه”.
وتقر الفنانة اللبنانية الشابة “السينما عالم آخر، فيه الكثير من التكثيف وقوة اللحظة الإبداعية، وهو بذلك يختلف عن التلفزيون الذي شاركت فيه من قبل عبر الدراما اللبنانية، لكنني سعيدة بأني سأقدم هذه التجربة في السينما الآن ولديّ ما أقوله فيها”.
بعد دراستها السينما في لوس أنجلس لمدة خمس سنوات، عادت ربى إلى بلدها، لبنان، وبداخلها مطامح فنية كثيرة، “لكن ظروف العمل فرضت عليّ أن أقبل العمل في التلفزيون، فشاركت في أول عمل تلفزيوني وكان في أبوظبي بعنوان ‘حب بلا حدود’ واستفدت منه كثيرا، فقد شاركت فيه طاقات فنية من أكثر من بلد عربي، ثم قدمت بعض الأعمال في الدراما السورية- اللبنانية المشتركة مثل مسلسلي ‘الهيبة’ و’الطريق’، وكان ظهوري فيهما قليلا نسبيا، لكنه هام بالنسبة لي، حيث جعلاني أحتك بالكثير من قامات الفن الكبيرة في البلدين”.
هاجس العمل في السينما لم يتوقف عند زعرور، حيث شاركت إثر المسلسلين آنفي الذكر، في الجزء الثاني من فيلم “كاش فلو” ثم فيلم “اسمعي” الذي عادت من أميركا من أجله، لتقرّر إثره الاستقرار في لبنان والعمل في السينما.
وعن علاقتها بفن السينما عموما وكيف تعلقت به ودرسته، تقول ربى زعرور “نشأت في بيت يتكون من 6 أبناء، كان عددنا كبيرا وأفكارنا كثيرة، فترعرعت في بيئة تحمل الكثير من الغنى والتنوع وتحب الفن، وكنا نقوم بتقديم مسرحيات منزلية طرحنا فيها أفكارا بسيطة، وهذا ما زرع فيّ حب الفن، ثم نشطت في المرحلة الدراسية المبكرة في الفن، فقدمت مسرحية مع زملائي، أذكر أني قلت مرة لوالدتي إنني أريد أن أصبح حين أكبر صحافية وطبيبة ومحققة وغير ذلك.. فكيف لي أن أكون كل هذا؟ فقالت لي: كوني ممثلة”.
وعن خصوصية فيلم “يحدث في غيابك” ودورها فيه وحالة التحدي الفني، قالت ربى زعرور “عندما قرأت النص لأول مرة، أحببته، وشعرت فيه بحجم المسؤولية كوني سأقدم فيلما مدته تقارب الساعة ونصف الساعة مع شريك فني واحد وبمكان واحد، وما يزيد من التحدي أنه فيلم لا يحتوي على مشاهد غناء أو رقص أو ما يمكن أن يرفه عن المتفرج، بل على العكس من ذلك هو فيلم فيه حزن وألم شديدين، وما يصعب الحالة أكثر أنه يجري في مكان واحد، بحيث لا وجود للتنوع البصري”.
كل هذا جعل زعرور تقبل التحدي والمجازفة، وتسترسل “استشعرت قوة الشخصية ومكامن القوة التي تحملها والإمكانات النفسية الكبيرة التي تقدمها، وكونها ستكون معنية بتقديم العديد من الحالات الإنسانية العميقة في علاقتها بمحيطها والرجل الذي وجدت نفسها قريبة منه إلى درجة كبيرة بحكم الظروف التي أحاطت بهما، البعض من محيطي تخوّف من التجربة، لكنني كنت مصرة على أن أتابعها حتى نهايتها، رغم كل التحديات، لأنني أريد أن اكتسب الخبرة اللازمة من العمل السينمائي المختلف”.
واعتبرت ربى أن أول تحد واجهها كونها ستلعب دور سيدة سورية، وبالتالي وجب عليها إتقان اللهجة السورية، فعملت على النص بدقة كبيرة، كما سألت الكثيرين حولها عن اللهجة وإيقاعها، وساعدها في ذلك شريكها في العمل الممثل السوري يزن خليل، الذي كان يرسل لها تسجيلات صوتية لكي تتعلم تماما اللهجة الدقيقة.
وعن المحاذير التي واجهتها عند قرأتها سيناريو الفيلم، تقول “كان هناك حذر من مشهد تؤديه الشخصية في الفيلم، وهو عبارة عن مشهد حب، الأمر الذي قد ترفضه بعض الممثلات الأخريات، ولكنني كممثلة محترفة لا أمانع في تقديم مثل هذه المشاهد، على أن تكون ضمن سياقها الدرامي المنطقي، وبعد نقاش مع المخرج اتفقنا على أن يؤدى المشهد بالطريقة السهلة وفي الحد الأدنى الذي يضمن وصول الفكرة بشكل خلاق وموحي، دون إثارة غير مبررة”.
وعن كيفية تقديمها عملا بيئيا يتحدث عن خصوصية مكانية وزمانية، وهي غريبة كليا عنها، قالت “لا مشكلة لديّ في دخولي مناطق أجهلها، بل أتقصد فعل ذلك، كوني أعتبره نوعا من المغامرة، ومن ثم التعرف على عوالم جديدة، عندما قررت العمل، جئت إلى دمشق دون أن أعرف عنها شيئا، لا أجواءها ولا ناسها.. فقمت برفقة المخرج بعدة جولات فيها للتعرف على طبيعتها، خاصة دمشق القديمة، فدخلت في المزاج العام للمدينة سريعا واندمجت معها، ولم يكن صعبا لاحقا أداء العمل
كوني أعرف تماما الشخصية التي أجسدها وقمت بالتعاون مع الزملاء بالتحضير لها جيدا”.
وربى زعرور التي درست فن السينما بأميركا، ترى أن السينما اللبنانية تمتلك حضورا قويا على الساحة العربية، ومستقبلها سيكون أفضل عالميا، وتقول في ذلك “السينما اللبنانية تمتلك طاقات كبيرة، ولكنها لا تجد الإمكانات الإنتاجية الداعمة، وفيها من المواهب من أثبت مكانة كبيرة حتى على صعيد السينما العالمية التي حازت فيها أخيرا على جوائز عديدة، أعتز بعدد من السينمائيين اللبنانيين كنادين لبكي وفيليب عرقتنجي وزياد دويري، نستطيع بهؤلاء وسواهم أن نصل إلى السينما العالمية التي نطمح أن ندخلها من أوسع أبوابها”.