رانيا الجبان لـ"العرب": ورشات الكتابة تفسح المجال أمام المواهب لدخول سوق الدراما

"خريف عمر" مسلسل سوري يراهن لنجاحه على ورشة للكتابة الجماعية.
الاثنين 2023/03/13
دراما اجتماعية

يحفل الموسم الدرامي السوري القادم بالعديد من الأعمال التي قاربت نبض المجتمع، فقدمت تشريحا وافيا له، من خلال رصد تغيرات وصراعات اجتماعية بعضها مألوف وبعضها الآخر أفرزته سنوات الحرب. من هذه الأعمال مسلسل “خريف عمر”، الذي كان ثمرة جهد جماعي، فهو من تأليف ورشة كتابة جماعية بإشراف المختصة رانيا الجبان، التي أكدت في حوار مع “العرب” أن الكتابة الجماعية ستكون مفتاح نجاح المسلسل.

في مسلسل “خريف عمر” استرجاع روحي لأزمنة ماضية تحمل في دواخلها تفاصيل حيوات شخوص تعيش نوازع إنسانية مختلفة، تتشابك مع رغبات وطموحات إنسانية تحوطها بالخطر.

تحضر في المسلسل شخصيات تحمل بذور الطيبة والعمل الصادق الذي سارت عليه سنوات من حياتها، لكنها تضطر في مرحلة ما، وبعد شعورها بالخطر، في مواجهة بعض الشخصيات الأخرى، إلى تخطي حاجز الهدوء والسكينة.

“خريف عمر” شعور بالإحباط من فقدان عدالة موجودة، رغم الكثير من الجهد المبذول من أجل تحقيقها عبر سنوات عمر مضى، ومن ثم رغبة بتحقيقها ولو بالقوة، وحتى لو لزم الأمر دخول دوائر العنف والفساد والمجابهة معها.

بوكس

تحضر في المسلسل شخصيات اجتماعية مألوفة، فهناك المحامي المتقاعد عمر (سلوم حداد) الذي تكون مسيرة حياته محور أحداث المسلسل، ويحضر رجال المال والسلطة الذين يكثرون في المجتمع السوري في الوقت الحاضر، كما تحضر شخصية الإعلامي الطموح مهند (معتصم النهار) الذي يستغل إلى أقصى درجة شبكة علاقاته وشهرته لكي يتقرب من جهات نافذة ويصنع لنفسه مجدا اجتماعيا، كما تحضر شخصيات تقدم مجموعة من الخطوط الدرامية التشويقية التي تدفع بالأحداث إلى المزيد من الإثارة.

يقدم المسلسل حكاياته وسط حالة إنتاجية وفنية تقوم على خبرة شركة “سما الفن” في تقديم إنتاجات متميزة عبر تاريخها في حركة الإنتاج الدرامي السوري، وكذلك من خلال تعاونها مع المخرج المثنى صبح الذي يحمل نجاحات في تقديمه عددا من الأعمال التلفزيونية السورية، منها “جلسات نسائية” و”ليس سرابا” و”على حافة الهاوية” و”مشاريع صغيرة” و”القعقاع بن عمرو التميمي” و”رفة عين” و”سكر وسط”.

وهو بعمله الحالي يعود إلى الدراما السورية بعد غياب سنوات، عمل خلالها في دراما عربية مختلفة في الخليج ومصر، منها مسلسلات “من شارع الهرم إلى” و”دانتيل” و”العاصوف”. ولا شك أن وجود فنانين كبار ضمن قائمة الممثلين في المسلسل سيكون له أثر حاسم في متابعة الجمهور له، فمن المشاركين بالعمل سلوم حداد وباسم ياخور وعبدالمنعم عمايري وقمر خلف ومعتصم النهار وعلاء قاسم ورامز أسود وكارمن لبس من لبنان وآخرون.

ورشة دراما

يقدم مسلسل “خريف عمر” تجربة درامية جديدة في ما يسمى بورشة الكتابة الدرامية، وهي التجربة التي حققت مكانة خاصة في الدراما السورية وباتت أحد ملامحها الناجحة. فقبل أعوام ظهر مسلسل “شارع شيكاغو” وهو من تأليف عدد من الكتاب جمعتهم ورشة كتابة لمؤلفه ومخرجه محمد عبدالعزيز مع علي ياغي ورزان السيد ويزن الداهوك، كذلك يقدم في هذا الموسم مسلسل “السراديب” وهو نتاج ورشة كتابة، ويتضمن تاريخ الدراما السورية العديد من الأعمال التي كانت نتاج ورشة كتابة درامية جماعية، أهمها “بقعة ضوء” المسلسل الكوميدي الشهير.

وترى الدكتورة رانيا الجبان، وهي أول من عمل على موضوع ورشة الكتابة في دراما التلفزيون والمشرفة على الورشة الكتابية التي أنتجت نص مسلسل “خريف عمر”، في حديثها لصحيفة “العرب” أن “تاريخ الدراما السورية نشأ على مبدأ وجود كاتب واحد للنص، ومعظم المسلسلات التي قدمت عبر تاريخ هذه الدراما كان من خلال هذه الصيغة، ما عدا بعض الاستثناءات القليلة، منها تجربة حسن سامي يوسف ونجيب نصير وكذلك دلع الرحبي وريم حنا… وموضوع الكتابة المشتركة لم يكن حاضرا بقوة رغم نجاح بعض المحاولات”.

بوكس

وأضافت “ومنذ عام 2011 وبعد غياب أو انكفاء الكثير من الكتاب عن العمل، وجدت في سوريا مشكلة في إيجاد النصوص الدرامية التي تلبي حاجة سوق الدراما، فكان لابد من العمل على تلافي مخاطر هذا الأمر، فاتجهت لأسلوب جديد وهو ورشة كتابة دراما تلفزيونية تجمع عددا من الكتاب لإيجاد نص درامي نهائي واحد يحمل مقومات النجاح”.

أما عن خصوصية مسلسل “خريف عمر” الذي هو أحدث مشروعاتها في موضوع ورشة الكتابة، فتبيّن رانيا الجبان أن “خريف عمر نتج عن ورشة كتابة هي الأحدث زمنيا، كانت البداية مع الشابين يزن مرتجى وحسام شراباتي وكلاهما يكتب للمرة الأولى، لذلك بدأنا من المراحل التأسيسية، كنا نضع تصورات محددة لكل حلقة ويقوم كلاهما بالكتابة حتى النهاية، ثم تصلني الحلقة فأقوم بالقراءة ثم التعديل والتطوير، بعد ذلك نرسلها إلى المخرج الذي قدم الكثير من التعديلات الضرورية”.

وتتابع “كانت عملية شاقة وطويلة، لكنها أخيرا وصلت إلى حيز التنفيذ ووضعت صيغة النص النهائية. وبعد الوصول إلى تصور كامل أولي، قدم مخرج المسلسل مقترحات تعديل، فانضمت إلى ورشة الكتابة الجماعية لمى عبدالمجيد ويارا جروج، وظهرت النتيجة النهائية للنص بشكل مختلف عن الصيغة الأولية، وكان النص نهائيا تشاركيا وناتجا عن جهود مجموعة من الأشخاص الذين قدموا جهدا كبيرا منذ البدايات، وسيقدم وجهات نظرهم جميعا في عمل يحمل طموحات النجاح”.

تتابع الجبان عن عملها في موضوع ورشات العمل الدرامي “نتابع عملنا في رفد سوق الدراما بالمواهب الشابة التي تريد احتراف مهنة الكتابة، الشرط الإنتاجي الجديد الذي أوجدته الصناعة الراهنة للدراما وخاصة جرّاء انتشار منصات العرض الرقمي والتخلي عن شرطية الثلاثين حلقة أو ما يزيد، ونحن في ورشة ‘دراما رود’ نهتم بهذه المسألة، وبعد ثمانية مواسم أعتبر أننا قدمنا مساهمة جدية في هذا الأمر، إضافة إلى توسعنا إلى فعاليات موازية حديثا نقدم ما فيه خير الدراما السورية، ونقدم العون لمن يرغب في الكتابة ودخول سوق العمل والمواهب الشابة كثيرة”.

جرد تاريخي

في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية، تظهر ملامح التعاون لأكثر من كاتب واحد في العمل الواحد جلية، فبعد وجود التلفزيون السوري عام 1960، بدأ المبدعون بتقديم دراما تواكب عصر البث التلفزيوني، على التوازي مع دراما الإذاعة التي كانت شائعة.

وقدمت أول تجارب الدراما التلفزيونية السورية في عام 1960 بعنوان “الغريب” للمخرج سليم قطايا. على أن أول تجربة درامية حملت صيغة المشاركة في الكتابة كانت في العام التالي 1961، وكانت تمثيلية موسيقية بعنوان “الآنسة سعاد”، وهذا ما يفسر وجود الموسيقي سهيل عرفة مشاركا في تأليفها مع مروان عبدالحميد، ثم تتالت التجارب بإيقاع بطيء، فبعد اثني عشر عاما قدم نهاد قلعي ودريد لحام مسلسل “صح النوم” وفي ذات العام قدمت دراما من تأليف كل من ألفة الإدلبي وممدوح عدوان ولاحقا ظهر عملان بدويان شهيران عربيا هما “ساري” عام 1976 وتعاون في كتابته خالد حمدي وممدوح عدوان ثم “رأس غليص” وكتبه خالد حمدي ومريم المشيني.

تاريخ الدراما السورية يتضمن العديد من الأعمال والمسلسلات الشهيرة التي كانت نتاج ورشة كتابة درامية جماعية

وقدم محمد الماغوط ودريد لحام “وين الغلط” عام 1979، وبعده “تلفزيون المرح” للكاتبين أحمد قنوع وأحمد قبلاوي، ثم “الوحش والمصباح” للكاتبين خيري الذهبي وعبدالعزيز هلال، وصولا إلى المسلسل الشهير “دائرة النار” الذي كتبه هاني السعدي ووضع السيناريو الخاص به ممدوح عدوان.

وفي مرحلة لاحقة ظهرت ثنائيات في الكتابة مثل حسن سامي يوسف ونجيب نصير، وريم حنا ودلع الرحبي، الذين قدموا رصيدا هاما في تاريخ الدراما السورية الاجتماعية، وفي الوقت الحاضر تشكل ثنائية الكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي حالة ناجحة في المشهد الدرامي السوري، ومعا يقدمان في الموسم القادم مسلسل “مال القبان”.

14