رامز جلال ينقل مقالبه من التلفزيون إلى السينما

فيلم "أحمد نوتردام" نجح في إلقاء الضوء على تردّي أوضاع الصحافة واللهث خلف الإثارة دون مراعاة للقيم المهنية والأخلاقية.
الجمعة 2021/05/21
مشاهد غير منطقية تبالغ في تقديم الرعب والعنف

استطاع الفنان المصري رامز جلال أن يتصدّر شباك الإيرادات في موسم عيد الفطر بفيلمه الجديد “أحمد نوتردام” الذي لم يشهد منافسة قوية من قِبل فيلمين آخرين لنجوم غير متمرسين في الكوميديا، ما جعل مهمته في الصدارة أيسر، بعد نجاح “ظاهرة رامز” التجارية تلفزيونيا، واللجوء إلى “أفلمة” تلك الظاهرة ونقلها إلى شاشة السينما، وهي محملة بأوجه عديدة من الخلل على المستويين القيمي والفني.

القاهرة- نقل فيلم “أحمد نوتردام” أسلوب رامز جلال، الذي يقدّمه كل عام عبر الشاشات التلفزيونية من خلال برنامج رمضاني يجمع فيه بين الرعب والعنف والإثارة والتنمر من جهة والضحك من جهة أخرى، إلى السينما.

وفي وقت بدأت فيه ظاهرة رامز تشهد أفولا نسبيا في التلفزيون، حيث يعدّ الموسم الماضي هو الأضعف بين كافة المواسم السابقة، جاء نقلها إلى السينما كمحاولة لترسيخها أو إنقاذها، وهو ما حدث بالفعل في ظل تصدر الفيلم للإيرادات، ما يجعل استنساخها وتكرارها وانتشارها أمرا غير مستبعد، مع مراعاة أن مؤشر الإيرادات ليس كافيا للجزم بجودة الفيلم فنيا.

الفيلم تدور أحداثه حول سفاح يختطف السيدات، ويقوم بقتلهنّ وتصوير جريمته وبثها على مواقع التواصل

مشاهدة فيلم “أحمد نوتردام” على أنه أحد مقالب رامز جلال ليس مبالغة، فقد صُنع من العناصر ذاتها، سيناريو ساذج وقصة جاءت محملة بالكثير من الثغرات، وإفراط في الشخصيات والأحداث، فضلا عن التوابل التي كلما زادت ضَمن العمل النجاح، وتتعلق بالتجميل أو المكياج في وجوه مقزّزة أو تغيير الشكل، مع المزيد من الضجيج والعنف والدماء والضحكات المصطنعة.

ويدور الفيلم حول صحافي شاب يلاحق القصص المميزة أينما كانت بروح المغامرة، ويرغب في التفرّد للفوز بالمزيد من المشاهدات على الموقع الإلكتروني وتصدّر الترند، ورغم المبالغات التي اعترت الدور نجح في إلقاء الضوء على تردّي أوضاع الصحافة واللهث خلف الإثارة دون مراعاة للقيم المهنية والأخلاقية.

مغامرات خيالية

ربما يُخيّل للمشاهد أن شخصية “أحمد” التي جسّدها رامز جلال في الفيلم حقيقية من لحم ودم، لكن ما قدّمه الفيلم من رسم لشخصية الصحافي وما يستطيع أن يفعله غير واقعي إطلاقا؛ ليس لأن الصحافيين يفتقدون إلى حس الاستقصاء والرغبة في ملاحقة الأحداث، وإنما لأن ثمة دائما سلطة وشرطة تترصّدان الصحافي وتوقفانه قبل أن يؤدّي دوره التقليدي، فضلا عن المغامرات المفرطة في الفيلم.

الأمن أو السلطة، ذلك هو العنصر الغائب تماما في خلطة رامز داخل فيلم “أحمد نوتردام”، ما أضفى على الفيلم سطحية شديدة لا يغفرها الطابع الخيالي للعمل. فالأحداث التي تدور على مدار ساعتين يلعب فيها الجميع أدوار المحقّقين، الصحافي والطبيبة المشرّحة وأستاذ علم النفس، الجميع يمثلون شرطة، والشرطة الوحيدة هي العنصر غير الموجود والمهمش على نحو ساذج.

وتدور أحداث الفيلم حول سفاح يختطف السيدات من المترو، ويقوم بقتلهنّ وتصوير جريمته وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي كل مرة يحتفظ بجزء من جثة الضحية قبل التخلّص منها، فتعثر الشرطة على جثة مرة دون قدم وأخرى دون قفص صدري… وهكذا.

يقرّر الصحافي الشاب وزميله الذي يؤدي دوره الفنان حمدي المرغني تتبّع القصة لمعرفة ما يتم قطعه من الجثة بعدما خضع الأمر لسرية التحقيقات، ويتسلّل إلى المشرحة ويصل إلى الجثة، ويخرج في “فيديو لايف” من داخلها، لأنها تمثل مسرحا مثاليا لخلطة رامز.

وعجّ الفيلم بمشاهد غير منطقية تصوّر الأطباء الشرعيين على أنهم جزارون، وتبالغ في عرض الدماء المتناثرة وطريقة تعامل الطبيبة الشرعية مع الجثة، وتتدعّم خلطة رامز المعروفة من خلال الصدمة التي تسبّب له حالة من فقدان الوعي يرى خلالها كابوسا من الجثث المحيطة تتحرّك حوله.

قصة حب مفتعلة بين صحافي وطبيبة شرعية

المكياج نجم الفيلم

الجميع يجسّدون دور المحقّق في غياب تام للشرطة

وأتى تصنيف الفيلم (+ 12) ما يعني أن العمل يمكن أن تشاهده شريحة من الأطفال أيضا، وتقديم تلك المشاهد بكثافة في فيلم يفترض أنه كوميدي أمر جديد على السينما المصرية.

غلبت أجواء الرعب على الفيلم من حيث تصوير غالبية الأحداث في الإضاءة المنخفضة، وصورة القمر الكامل، والمشهد الواسع للمنزل المهجور، مع الفلاش أو البرق الذي يحضر دائما في تلك المشاهد لتعزيز الرعب، في كليشيهات متواصلة، بما في ذلك قصة الحب المصطنعة بين الصحافي والطبيبة الشرعية، والتي تعدّ تطوّرا قد لا تخطئه الأفلام عادة.

أما على مستوى الأداء التمثيلي فقد اتسم بالمبالغة، خصوصا شخصية السفاح التي يؤدّيها خالد الصاوي، في أداء لا يختلف عن آخر دور جسّده في مسلسله الرمضاني “القاهرة – كابول”، فحتى وهو في الأول يؤدي دور ضابط وفي الأخير دور السفاح نجد نفس ردود الفعل حاضرة، نفس نبرة الصوت وطريقة الضحك، بل تكاد تكون نفس القبعة التي ظهرت في “القاهرة – كابول”. وجاءت شخصية السفاح سطحية للغاية على مستوى الكتابة، وكشفت عن وجود مشكلة في البناء الدرامي للشخصيات والأحداث ككل.

ربط فني متعسف

ربط الفيلم برواية “أحدب نوتردام” للكاتب العالمي فيكتور هيغو هو من نوع التضليل الفاضح، فالرواية تدور حول شخصية “كوازيمودو” وهو أحدب لقيط يعاني الدمامة الشديدة وسخرية الجماهير وعنفها، إلى أن يعتزل في الكنيسة قبل أن يهرب منها بعد وقوعه في حب الجميلة “إزميرالدا”، وبعد أحداث كثيرة تنتصر فيها القيمة على المظهر، والجمال والحب داخل الأحدب على القبح خارجه، فتمجّده الجماهير وتحبه، في عمل رفيع يدافع عن قيم الحب والجمال والخير.

على النقيض من ذلك نجد شخصية السفاح في الفيلم تعاني عقدة النقص جراء إصابتها بمرض نادر يصيب شخصا من بين كل مليون شخص، ويتمثل في غزارة الشعر مثل الغوريلا، ودون توضيح لخلفيات أو معاناة السفاح، ليكون في النهاية شخصا غير متزن نفسيا يرغب في الانتقام ويتلذّذ بالقتل.

أقحم الفيلم الرواية العالمية في سياق مختلف لمجرد أن رواية “أحدب نوتردام” كانت تدور حول شخصية دميمة الخلقة، في تشويه لقيم ومعنى الرواية، فمن لم يقرأها سيتوقّع من مشاهدة الفيلم أنها إحدى روايات الرعب أو الانتقام وليس الانتصار للقيم النبيلة.

وحاول الفيلم القيام بـ”تلبيس” مضلل للرواية، وكان يمكن أن يذهب بها إلى ما هو أعمق من ذلك لو لم يقع السيناريو في تصوير الأحدب على أنه سفاح، وتصوير السفاح ذاته على أنه النسخة الجديدة من الأحدب التي تفضل الانتقام على التسامح والعزلة، أي أن ينقم السفاح على الأحدب ويقرّر الانتقام لكليهما وليس اتخاذه قدوة، ويسلك طريقا مغايرا.

وأصرّ المخرج محمود كريم على تقديم صورة المختلف على أنه متوحش، وحين رغب في الإيقاع بالسفاح ارتدى الصحافي زيا وهميا ووجها جرت المبالغة في قبحه، وبات مفتعلا للغاية، وجعله يجوب المترو للإيقاع بالسفاح الذي ينخدع بالفعل ويلحق بالأحدب ويخبره باسمه الحقيقي بسهولة، ودون تقديم أي خلفية توحي بالتحوّلات أو الأحداث التي أوصلت السفاح إلى تلك اللحظة من التلذّذ في الانتقام من المرأة.

مشاهدة فيلم “أحمد نوتردام” على أنه أحد مقالب رامز جلال ليس مبالغة، فقد صُنع من العناصر ذاتها، سيناريو ساذج وقصة جاءت محملة بالكثير من الثغرات

وكما هي العادة في الأفلام يجب أن تصل الشرطة التي كانت غائبة طوال الفيلم في اللحظة الأخيرة لإنقاذ البطل والبطلة اللذين يتزوجان وينعمان بالعيش قبل أن يكتشفا هروب السفاح، في إشارة تمهّد لإمكانية تقديم جزء ثان من الفيلم.

لا يعني ذلك أن الفيلم يفتقد إلى الإضحاك أو أن الجمهور، خصوصا جمهور رامز جلال من المراهقين، سيقف متسائلا ومدقّقا في تلك الثغرات، فلقد حقّق له الفيلم الإرضاء والإشباع المطلوب، واحتوى على الكثير من مشاهد العنف ومكياج الرعب، وعلى بعض النكات التي لا تفشل في الإضحاك أحيانا، والتنمر على الأحدب وضربه في المترو من قبل المارة والفزع منه، أو بمعنى أدق الفزع من المختلف الدميم.

وتبرز كعنصر إيجابي في الفيلم كيمياء لافتة بين حمدي المرغني وبيومي فؤاد، وكانت المشاهد التي جمعت بينهما هي الأكثر جلبا للضحك.

قد تُغري تلك التجربة المنتجين بتكرارها وإنتاج المزيد من الأفلام التي تصنف على أنها تنتمي إلى “الكوميديا السوداء”، لكنه تصنيف يبتعد عن الدقة لأنه يضحك على أزمات البشر لا البشر أنفسهم، لكن كما هي العادة في سلسلة رامز يجب أن يكون الضحك أو السخرية من البشر أنفسهم.

16