رابح ماجر.. تهم مشينة تهدد نجومية أفسدها طموح الثراء

من خصه نادي بورتو البرتغالي بنصب تذكاري يخلد مروره في الفريق وتتويجه بدوري أبطال أوروبا العام 1987 ينتظر مثوله أمام القضاء يوم الثاني عشر من هذا الشهر بتهم خطيرة قد تزج به في السجن، وينهار بذلك مجد صنعه برجليه لكنه لم يحافظ عليه بعقله، فللنجومية حدود، وقد تنتهي به إلى الدرك الأسفل، كما انتهت نجومية العديد من وجوه العالم في الرياضات والفنون.
وقد وجه القضاء الجزائري استدعاء لنجم الكرة الجزائرية السابق رابح ماجر للمثول أمامه، بعدما وجهت له تهم وصفت بـ”الخطيرة”، على غرار النصب والاحتيال، وانتحال الصفة، والإقرار الكاذب، والتزوير واستعمال الوثائق المزورة، وذلك على خلفية امتلاكه رفقة شريك آخر لصحيفتين جهويتين، كانتا تصدران في مدينة وهران بغرب البلاد، وكانتا تستحوذان على مساحات إعلانية من الوكالة الوطنية للنشر والإشهار الحكومية.

وسبق لمدير سابق للمؤسسة المذكورة أن كشف عن وقوف العديد من الشخصيات النافذة في المجتمع كالوزراء والنواب ورجال الأعمال وضباط في الجيش وراء العديد من الصحف الورقية التي كانت تحصل على الإعلان الحكومي دون وجه حق، ومن بين هؤلاء ماجر الذي كان يملك صحيفتي “البلاغ” و”البلاغ الرياضي”، والاثنتان توقفتا عن الصدور وتم حل الشركة الناشرة لهما بعد انفجار الفضيحة في 2020.
وأعلن حينها مدير الوكالة العربي ونوغي أن المؤسسة أحالت الملف على الجهات الأمنية للتحقيق في ملابساتها، قبل النظر فيها من قبل القضاء، ليكون بذلك رابح ماجر أول شخصية تقدم للقضاء، ويجهل إلى حد الآن إن كان الوحيد أم هناك العديد من الشخصيات البارزة التي كشف عنها المدير السابق للوكالة.
مصير الأسطورة
أسطورة الكرة الجزائرية، هو العربي الأول الحائز على بطولة دوري أبطال أوروبا قبل أن يلحق به المصري محمد صلاح، لكن الشهرة والمجد اللذين صنعهما في ملاعب الكرة تنزلقان إلى منعطف قد يجعله أكبر الخاسرين لصورته وسمعته ومسيرته، بسبب ما ينسب إليه من أنانية أخرجته من حديقته الحقيقية إلى فضاء معروف بعفونته ونتانته، وفوق ذلك هو نجم رياضي لم تكن لديه أي علاقة في حياته بإنتاج ونشر الصحف.
السقوط الشعبي لماجر بدأ منذ سنوات حين ألّب الشارع الكروي ضده بعدما تولى مسؤولية الخضر بايعاز من دوائر سياسية فوقية كان على وفاق معها، وأجمع الجزائريون والمهتمون بشؤون كرة القدم ومنتخب محاربي الصحراء على أنه ليس كل لاعب موهوب وناجح هو مدرب ناجح ومبدع بالضرورة، وماجر الذي ألهب الميادين الجزائر وأوروبا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لم يكن هو المدرب أو ربان النجدة الذي بإمكانه إنقاذ قارب الخضر من الغرق.

◙ سيرة ماجر هي نموذج حي لسير قطاع عريض من النخب الجزائرية، وهي جزء من ثقافة تهيمن على رموز ونجوم المجتمع
وتشكل حالة ماجر إحدى الإشكاليات الشخصية لكل ناجح ارتقى في مجاله إلى القمة، لأن الوصول إلى الذروة ليس هو المهم في تسيير المسيرة الذاتية، بل البقاء والاستمرار في القمة هما التحدي الأكبر لهؤلاء، فليس من الهين أن يكون ماجر أو غيره، في مرتبة معشوق الجماهير، ويصبح بين ليلة وضحاها المنبوذ الأول عندهم، وحتى المطلوب لقضاء بلاده بتهم خطيرة ومشينة.
ماجر الذي ورد اسمه في قضية عقار بالعاصمة خلال نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة يبدو أنه اختار القرب والود مع السلطة والخوض في عالم الأعمال، وإذا كان آنذاك يحظى بحماية مصادر القرار في السلطة، فإن دوران اللعبة قد يجعله أول الساقطين، رغم أنه ليس الوحيد في فضيحة الفساد الذي يخيم على الإعلان الحكومي، إلا إذا حدث العكس ووضع جميع المتورطين في كفة واحدة.
وقد أثبتت تجربة النجم الجزائري أن تسيير السيرة الذاتية للفرد هو أولى من الجري وراء الأمجاد والأضواء، وأن العدو الأول لها هو سوء فهم اللعبة والافتقاد إلى المسافات المتساوية بين الأطراف الفاعلة، فانحياز ماجر إلى جهات وتوجهات سياسية معينة في البلاد، هو ما جنى عليه هذه النهاية المأساوية، لأنه اعتقد أن المنصب الشعبي هو نفسه المنصب الرسمي في الدولة، وأن سيرته كلاعب موهوب، هي سجل تجاري صالح لكل الصفقات.
العديد من نجوم الجزائر اختاروا التواري عن الأنظار، أو البقاء على مسافة واحدة بين الجميع، إلا أن نرجسية ماجر أسقطته في الانحياز لصالح نظام سياسي ثار ضده الجزائريون بالملايين في 2019، فكان في كل استحقاق داعما صريحا لبوتفليقة، بينما كانت شعبيته تتراجع في الشارع، ورغم ذلك فإنه لا يراد له أي نهاية مدوية تقضي عليه تماما بسبب سلوكات مشينة، خاصة وأن المأثور الجزائري يقول “الطمع يفسد الطبع”.
دوائر خفية
![]() |
![]() |
كرة القدم الجزائرية وملفاتها والمنتخب تحديدا تبقى من الآليات التي تديرها الدوائر الخفية، وما الهيئات الرسمية إلا مجرد واجهات، وكما جاء ماجر إلى بيت محاربي الصحراء في ظروف استثنائية، وكان يدرك منذ البداية أنه عيّن بقرار فوقي يكرس الانقلاب الذي وقع في عرين الخضر، فلطالما أدى المنتخب مهمة أكثر من كروية ووظف كورقة لشراء السلم والاستقرار الاجتماعيين من طرف السلطة، جاء أيضا إلى عالم الإعلام فأطلق صحيفتين ليس لرسالة إعلامية يريد تبليغها، وإنما منصة للاستحواذ على أموال الخزينة العمومية، كما يفعل عشرات من الناشرين النافذين في الجزائر.
لم يتوان ماجر عن انتقاد كل شيء يتعلق بالمنتخب خلال شغله في البلاتوهات التلفزيونية طيلة السنوات الماضية كمحلل رياضي، وكان يترصد فرصة رد الجميل له، لا كلاعب موهوب أو مدرب سابق للخضر في منتصف التسعينات وبداية الألفية، بل كذراع مؤيدة للسلطة، حيث أشرف على لجان دعم وتأييد لبوتفليقة خلال الاستحقاقات الانتخابية، ولم يوجه ولا ملاحظة بسيطة لهؤلاء في منبريه الإعلاميين، وأما الانتقاد فكان آخر شيء تفكر فيه إدارة تحرير الجريدتين.

سيرة ماجر هي نموذج حي لسير قطاع عريض من النخب الجزائرية، وهي جزء من ثقافة تهيمن على رموز ونجوم المجتمع، ففيما يتوجه هؤلاء للاستشارة والتأليف وتقديم خبراتهم للأجيال الصاعدة في المجتمعات الغربية خصوصا، يعكف رموز الجزائر على تكوين الثروات والعقارات واحتكار نشاطات غيرهم، فماجر الذي انسحب من شبكة “بي.إن سبورت” القطرية في بدايات تأسيسها لخلاف مالي مع إدارتها، تحول إلى نجم الإعلان والإعلام والأعمال.
شعارات حب الوطن
وكغيره من الوجوه التي ترفع شعارات حب الوطن والشعب، فإن العارفين بشؤون الرجل يقولون إنه ظل يتجاهل حادثة مقايضته للسلطات العليا للبلاد للسماح بدخول سيارته الشخصية الفارهة إلى التراب الوطني دون رسوم جمركية، أو عدم المشاركة في كأس أفريقيا 1988 التي جرت بالمغرب، وهو ما تم فعلا، فلا السيارة دخلت ولا ماجر التحق برفاقه في “الكان”.
وإذ تذرّع حينها بالإصابة، فإن الاستفهام الآخر المطروح هو دوره في التأثير على المدرب والزملاء لإقصاء النجم لخضر بلومي من المشاركة في المنتخب الذي لعب نهائيات كأس أفريقيا 1990 وتوج بها لخلافات شخصية بين اللاعبين، وحتى خشية أن ينتزع منه لقب أحسن لاعب في الدورة.
هذه الذهنية التي تداخلت فيها قيم تسيير مسيرة المجد مع المصالح الضيقة، هي التي جنت على ماجر وجرته إلى القضاء بتهم مشينة، فلولا الاستقواء بدوائر القرار لما تمكن من إطلاق صحيفتين بعائدات إعلانية ضخمة لم يحققها كبار الصحافيين المخضرمين طيلة مسارهم المهني.
على صعيد مهني يرى مختصون في شؤون الكرة المحلية بأن أخطاء ماجر ونرجسيته دمرتا رصيده الشخصي، فهو علاوة على انقطاعه عن الميادين سنوات طويلة، واكتفائه بشغل التحليل على البلاتوهات التلفزيونية، وعدم اقتناعه بخيار التكوين، بدعوى حيازته على رصيد كبير كلاعب موهوب في النوادي والمنتخب، وانخراطه في جدل عقيم حول صراع الأجيال، فإن عدم تمكنه من فنون التواصل مع الإعلام واللاعبين والمحيط، عجّل ببروز عيوبه الفنية في العارضة الفنية.
وعلى الصعيد الشخصي، يرى هؤلاء أن الطموح في التربح والثراء أمر مشروع، لكن أن يخرج عن سياقاته المشروعة، فقد يجر صاحبه إلى ما لا تحمد عقباه، خاصة إذا كان الأمر على خيوط وامتدادات تفضي إلى فساد كبّد البلاد خسائر ضخمة وصورة مشوهة في المحافل الدولية.
وإذا كانت المسألة المهنية محل تسليط الأضواء من طرف المختصين والمحللين، وبإمكان هؤلاء الخوض فيها، فإن وصول ملف الرجل إلى أروقة القضاء، أبعد حتى النقاد عنه ما دام الأمر يتصل بحق عام، لا أحد يمكن الوقوف مكانه أو الرد على أسئلة القاضي.

وقد سبق للقانوني والإعلامي والنائب البرلماني السابق مراد بوطاجين أن صرح بالقول “ماجر لم يستوعب دروس الماضي، والتكوين هو سبب فشل الرجل، فكما مزق عقد العمل المبرم مع الاتحاد في منتصف التسعينات على شاشة التلفزيون وأمام الملايين من المشاهدين، كرر نفس الخطأ في مطلع الألفية حين أطلق تصريحات منتقدة لهيئة الاتحاد لصحيفة بلجيكية وهو على رأس المنتخب، وأعادها عندما انتقد كل شيء جزائري أمام الإعلام البرتغالي قبيل المباراة الودية أمام المنتخب المحلي، واتهم المسؤولين والشارع الرياضي بإدارة حملة منظمة ضده”.
وفيما أضاف بوطاجين قوله “لا يختلف اثنان على أن ماجر لاعب كبير وموهوب، لكن ذلك غير كاف للنجاح في عالم التدريب، وجرّه فتحُ جبهات الخصومة مع المحيط والإعلام وحتى مع اللاعبين، والاستقواء بمواقف سياسية إلى هذا المصير المثير للشفقة”، فقد التزم الجميع الصمت إلى حد الآن حول مسار القضية الجديدة، وباستثناء تداول مقتضب للخبر في بعض الصحف والمواقع المحلية، فإنه لا أحد من الفاعلين في المشهد الكروي نطق بأي تعليق، ولو أن أحدهم عبر عن صدمته مما أسماه “الحقيقة البائسة” لنجم يفترض فيه أن يكون قدوة للأجيال، وكان جديرا به التفكير في الحفاظ على اسمه وسمعته بدل الجري وراء التربح والثراء بأي وسيلة.

◙ من نصب التخليد في البرتغال إلى أروقة القضاء في الجزائر