رئيس جديد لحزب النور يمهد لتقارب مع الحكومة المصرية

واقعية الحزب الإسلامي وتمايزه عن الإخوان يؤمنان استمراره سياسيا.
السبت 2022/04/02
حزب براغماتي لا تعاديه السلطات المصرية

استطاع حزب النور السلفي في مصر تأمين استمراره السياسي بفضل واقعيته وتمايزه عن جماعة الإخوان المسلمين والحركات الجهادية الحركية. وبانتخابه لرئيس جديد يدخل الحزب مرحلة تؤسس، حسب مراقبين، للتقارب مع الحكومة المصرية.

القاهرة – فشلت الدعوة السلفية في تمرير مرشحها لرئاسة حزب النور رجب أبوبسيسة في انتخابات جرت أخيرًا، وتم انتخاب الشخص الذي يُعد الرئيس الفعلي للحزب ويمسك بمعظم خيوطه وهو محمد إبراهيم منصور.

وجاء انتخاب منصور، الأمين العام السابق للحزب وكان عضوًا سابقا في البرلمان المصري، في السياق السياسي منطقيا، لأنه القائم الفعلي بدور الرئيس منذ فترة، ويُعد الرجل القوي داخله ويدير مجمل أنشطته السياسية والثقافية، وحلقات النقاش التي كان يترأسها والخاصة بالوقوف على أخطاء الحزب والدعوة السلفية عموما السنوات الماضية.

ويرى خبراء في شؤون الحركات الإسلامية أن انتخاب محمد منصور، وهو صيدلي، يمهد لتقارب جديد مع الحكومة المصرية، على الرغم من إطاحته بالقيادي جلال مرة المعروف بقربه من الجهات الرسمية.

وأشار الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي إلى أن الحزب السلفي نجح بهذه الخطوة في إظهار نفسه ديمقراطيًا ويقبل بتداول القيادة، مع أن ما جرى لا يُعد تداولًا بالمعنى المتعارف عليه لأن منصور الرئيس الفعلي للحزب ومن يتحكم في خيوطه ويدير غالبية أنشطته.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن منصور سيواصل نشاطه المعهود للحفاظ على وضع الحزب السلفي ومكتسباته، ويمثل استمراره في المشهد السياسي ضمانة للحفاظ على أفراده كي لا يتسربوا إلى جماعات أخرى، وعلى مساجده ونشاطه الدعوي ومراكزه الخيرية والاجتماعية المنتشرة بالبلاد.

محمد إبراهيم منصور: سنحافظ على هوية الدولة واستقرارها وبنائها وتطويرها

ولم ينطفئ حزب النور سياسيا مع وأد ظاهرة الأحزاب الإسلامية، وإن فقد الكثير من وزنه نتيجة للسمعة السيئة التي لحقت بعموم التيار الديني نتيجة ممارسات الإخوان وفصائل السلفية الحركية والجهادية.

وكان نجاح حزب النور السلفي الأهم في تاريخه منذ تأسيسه في مايو 2011 هو إفلاته من مصير غالبية الأحزاب الإسلامية التي اختفت تقريبا من الساحة المصرية عقب التخلص من حكم الإخوان.

وعمل الحزب بعد ذلك على خطوط متوازية كي لا تحدث انشقاقات داخله أو اختراقات لصفوفه من السلفية الحركية المتشددة ولا يفقد حضوره النسبي على الساحة المصرية، حيث قدم الحد المتاح من التنازلات سياسيًا فقط من خلال انحيازه إلى مسار الدولة والتبرؤ من أعضائه والقريبين منه الداعمين للإخوان والسلفية الحركية.

وقال محمد منصور رئيس حزب النور لـ”العرب” إنه سيكون معبرا عن أهداف الحزب التي ظهرت من خلال عمله السياسي، وفي مقدمتها الحفاظ على هوية الدولة واستقرارها وبنائها وتطويرها.

وأوضح أن الحزب يتبنى معارضة رشيدة وغير صدامية أو هدامة تقوم على دعم القرار الصائب والمساهمة في رفع المعاناة عن الشعب في هذه المرحلة الحرجة.

ويعكس استمرار حزب النور في المشهد السياسي إدراك قادته لطبيعة دورهم بعد ثورة يونيو 2013 وما نتج عنها من تداعيات، مؤداه التمركز على يمين الدولة كجزء من الحركة الإسلامية، ما يعني أن الحكومة المصرية لا تقصي هذا التيار تماما وتسمح له بهامش لينشط بحساب، ولا تقصي سوى من ينتهج العنف ويحمل السلاح.

ولم يُقدم الحزب تنازلات فكرية أو يقوم بمراجعات لمناهجه التي يتهمها عدد من المثقفين المصريين بأنها تغذي الفكر المتشدد وتمد جماعات السلفية الجهادية بالمجندين.

ولم يقطع الحزب السلفي في الوقت نفسه شعرة معاوية مع الحكومة المصرية لأنه قريب في كل لحظة من مصير غيره من فصائل وأحزاب الحركة الإسلامية لاتهام مناهجه بالتطرف، وتحولت مواقفه الداعمة للحكومة في العموم والمنتقدة لها في بعض التفاصيل الصغيرة إلى وسيلة لحفظ ماء الوجه أمام الجمهور الإسلامي دون أن ينكشف الغطاء ويصبح بلا سند في مواجهة غير مأمونة العواقب مع التيار المدني الليبرالي، علاوة على أنه يستفيد من هذا الحضور من خلال تمرير وسن قوانين تتوافق مع تصوراته للحفاظ على كيان الدعوة السلفية في مسارها.

وعملت الحكومة المصرية حسابا لجماهيرية التيار السلفي الذي يمثله حزب النور وقدرته على الحشد والتأثير في قاعدة شعبية واسعة اكتسبها بجهود دعاة هذا التيار وتتركز في الأرياف وبعض المدن الساحلية.

وتجد أن استمرار حضوره في الساحة أهون الشرّين حتى لا يتحول العدد الكبير من أتباعه حال تجميده أو خروجه من المشهد إلى استقطاب مفترض لجماعة الإخوان وفصائل سلفية متحالفة معها قد تعلن عن مواجهة شاملة مع الحكومة وتحرض عليها بسلاح التكفير.

ماهر فرغلي: الحزب السلفي نجح في إظهار نفسه ديمقراطيًا

ويحافظ حزب النور على شعرة معاوية التي أبقته في المشهد طوال السنوات الماضية، حيث تموضع في مسافة رمادية بينه وبين التنظيمات الأكثر تطرفًا من خلال إقناع أتباعه بأن ما حصل عليه من مكاسب هو القدر المقبول والعادل لتمثيل الإسلاميين، والشعور بالتضخم والغرور بعد نتائج الانتخابات التي أعقبت صعود الإسلاميين الأول عام 2012 في مصر من دون خبرات هو ما تسبب في سقوطهم السريع.

واكتسب الحزب الخبرة اللازمة التي تجعله يحافظ على استمراره وسط هذه التحديات من خارجه وداخله مع تحليه بالواقعية ومعرفة حجمه الطبيعي على الساحة السياسية.

فلا هو اللاعب الأول الذي يصر على الحصول على الأغلبية البرلمانية كما جرى في انتخابات 2012، ولا يملك رفاهية الخروج من المشهد وفقدان الغطاء الذي يقيه شظايا استقطاب يدور في العادة حول قضايا دينية يدخل عموم السلفيين طرفًا إشكاليا فيها.

وعوض الحزب ما خسره نتيجة خروج غالبية الإسلاميين من المشهد بالحفاظ على الكتلة الأكبر من قاعدته من خلال إقناعهم بأنه من حافظ بمواقفه المتوازنة على القدر المتاح من الحضور الإسلامي ولولا ذلك لحورب كل الملتحين والمنتقبات.

وحافظ على حضوره في المشهد ولم يقترف ما يجعله يلتحق بمصير غيره من الفصائل الإسلامية التي استفاد من هجومها المتواصل عليه ووصفه بأنه جزء من النظام المحارب للإسلام ومجرد ديكور وقادته عملاء ومنافقون وخونة، حيث روج من هذا المنطلق أنه البديل الواقعي والعملي لجناح أكثر تشددًا في الحالة الإسلامية، وهو ما يعفيه من إجراء مراجعات لمناهجه قد تتسبب في انشقاقات واسعة في صفوفه.

وتواجه القيادة الجديدة لحزب النور تحديًا بشأن الكيفية التي تحدث بها فارقًا في العلاقة مع الحكومة ومجمل المشهد السياسي مع الحرص على نفس تصوراته ومناهجه كما هي.

وتُعد المناهج السلفية التقليدية التي تمثل جسرًا بين السلفية الدعوية والجماعات الأصولية الأخرى عائقًا أمام أي تطوير حقيقي، ما يدفع رئيس الحزب المنتخب إلى الحفاظ على الوضع القائم ولا يعبث بتعديل هياكله جذريا.

2