رؤساء أقسام بمرتبة وزير في الأردن

لا يوجد ملمح للحياة السياسية في الأردن أكثر ظهورا من تغيير الحكومات والوزراء في ظل حالة الضعف أو الإضعاف التي يعيشها البرلمان والغياب شبه التام للأحزاب عن المشهد العام.
السبت 2021/03/13
الطريق مرسوم على نحو مسبق

تضيء موجة التغييرات الوزارية الأخيرة في الأردن على المدى الذي وصل إليه تشكيل الحكومات في هذا البلد، حيث أقيل ثلاثة وزراء من بينهم وزيران للداخلية في أقل من خمسة أشهر فقط شهدت أيضا تعديلا حكوميا واستقالة وزير بعد أداء القسم الدستورية بساعات.

رغم أن كثرة تشكيل الحكومات وتعديلها باتت عرفا راسخا للنظام السياسي الأردني، إلا أن التغييرات الوزارية الأخيرة في حكومة بشر الخصاونة والجدل والاستعراض الذي رافقها، ربما تكشف عن جوانب من الطريقة التي تُشكل بها الحكومات في المملكة والمهام المطلوبة منها وما هو مسموح لها التدخل فيه أو ممنوع عليها الاقتراب منه.

تتحدد مهام الحكومة بتكليف من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي يرأس السلطة التنفيذية. تحصل الحكومات دائما على ثقة البرلمان. تستمر الحكومة بالعمل سنة أو سنتين ثم تتشكل حكومة أخرى. وهكذا لا أحد يلمس تغييرا على السياسات ولا بصمة واضحة تتركها أي حكومة على الصعيد الداخلي أو في مجالات السياسة الخارجية.

مفهوم أن من الممكن بسهولة إقالة أو استقالة أي وزير بصرف النظر عما كُلّف به أو ما لديه من خطط أو ما اتفق عليه مع رئيس الحكومة عند تشكيلها أو الاعتبارات التي نال ثقة البرلمان بناء عليها. كما أن من الممكن سرعة تغيير الوزراء وبصفة فردية ولو كانت الحكومة بصدد إجراء تعديل وزاري وشيك.

مر على الأردنيين وزراء لم يستمروا في مناصبهم سوى أشهر قليلة أو أسابيع أو حتى أيام، لكن لم يحدث من قبل أن تولى وزير منصبه لساعات معدودة. والآن، أين ذهبت رؤيته وبرنامجه؟

السجال العلني بين الخصاونة ووزير العمل السابق الذي أقسم اليمين الدستورية أمام الملك عبدالله الثاني ظهرا واستقال في المساء، يفتح نافذة على أهمية الوزير الفعلية في إحداث فرق والمحددات التي تقيد قدرته على التحرك.

الخلاف بين الخصاونة ووزير العمل السابق يتصل بشؤون التشغيل والاستثمار المفترض أن تكون ضمن الأولويات القصوى للحكومة خصوصا في ظل أزمة كورونا وارتفاع معدلات البطالة وتراجع فرص الاستثمار.

Thumbnail

ومع ذلك أعيد ترتيب هذا كله بين عشية وضحاها وتبددت رؤية الوزير وبرنامجه ووعوده وتسلم الأمر وزير آخر. سبق أن أقيل وزراء أو استقالوا أو أزيحوا في تعديلات حكومية بعد مدة وجيزة من تعيينهم، لكن وزير العمل السابق، الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي، اختار الاستعراض الذي تجلّت من خلاله هامشية منصب الوزير في عيون الأردنيين وفي إستراتيجيات الحكومة أيضا.

أعلن الوزير السابق استقالته على فيسبوك ونشر صورة عن رسالة الاستقالة التي قالت الحكومة إنها علمت بها من وسائل التواصل الاجتماعي. في اليوم التالي نشر الوزير السابق أيضا مقطع فيديو تمتزج فيه أسباب الاستقالة مع عبارات الولاء للملك عبدالله الثاني ومقاطع أغنية وطنية وأبيات من الشعر النبطي.

الاستعراضات مهمة للوزير الذي يحظى بمتابعة واسعة على مواقع التواصل وربما تبادر إلى ذهنه أن الوزراء يأتون ويذهبون في ما يشبه الاستعراضات أيضا. فليكن ذلك.

الوزير الذي قال إن سبب استقالته هو إبعاده عن ملف الاستثمار وتقليص موازنة وزارة العمل، ألم يكن قادرا على كظم غيظه لفترة أطول من ساعات أو أيام وإيجاد طرق بديلة ومعقولة لتحقيق ما يريد؟ أليس من الأَولى التركيز على الاستقرار الحكومي والبلد تواجه أزمة صحية نالت من الاقتصاد الهش وأثارت توترات اجتماعية؟

بصرف النظر عن طبيعة الخلاف نفسه، إلا أن ما أحيط به وما انطوى عليه يؤكد أن كل الحكومات تعمل بشكل متشابه وتلقائي وضمن مسار مرسوم ولا توجد نكهة مميزة لحكومة دون أخرى.

السياسة الخارجية يحددها العاهل الأردني وليست ضمن المهام التقليدية للحكومات في العقود الأخيرة على الأقل. المالية العامة التي تماشي مطالب المقرضين والمانحين مرهقة بالعجز المزمن ومثقلة بالمديونية الكبيرة، وتقوم أساسا على القروض والمساعدات الخارجية والضرائب والرسوم.

من المفترض أن ينعكس الخلاف بين الوزير السابق ورئيس الحكومة على خطط وزارة العمل. وهذا ما لن يحدث سواء مع هذه الوزارة أو مع حقيبة الداخلية التي تعاقب عليها أربعة وزراء في الأشهر القليلة الماضية.

لا يوجد ملمح للحياة السياسية في الأردن أكثر ظهورا من تغيير الحكومات والوزراء في ظل حالة الضعف أو الإضعاف التي يعيشها البرلمان والغياب شبه التام للأحزاب عن المشهد العام.

موجة التغييرات الوزارية الأخيرة توحي بالصرامة والحزم خصوصا في ما يرتبط بإدارة ملف الوباء، وقد تعطي دفعة لمن يأملون بأن تمثل سابقة أو تحريكا للمياه الراكدة أو علاجا لكثرة تغيير الحكومات، إلا أن أوضح ما فيها شاهده الأردنيون على الشاشات.

ما دام الطريق مرسوما على نحو مسبق لكل الحكومات وهذا من الخصوصيات الأردنية، فما الذي يمنع من تغيير الوزراء في أي وقت ولأي سبب، مثلما يحدث مع رؤساء الأقسام التنفيذيين في شركة مثلا؟

8