"ذاكرة جسد" فيلم مغربي يؤرخ لوشم المرأة الأمازيغية كذاكرة وثقافة عريقة

رحلة فنية ومجتمعية تكشف فيها النساء عن وجهة نظرهن حول الوشم.
الخميس 2023/07/27
الوشم جزء من التاريخ الأمازيغي

الوشم لدى القبائل الأمازيغية هو جزء لا يتجزأ من الهوية، تتميز به النساء والفتيات، وكن في ما مضى يسارعن لتزيين وجوههن وأجسادهن به لكنهن اليوم لا يقبلن عليه حتى كاد يندثر، وهو ما يحاول فيلم “ذاكرة جسد” البحث فيه من خلال حكايات وشهادات لنساء أمازيغيات من المغرب.

احتضنت سينما النهضة بالرباط الفيلم الوثائقي “ذاكرة جسد” الذي ينقل تجارب واقعية لنساء أمازيغيات مع الوشم، لمخرجه وكاتبه محمد زاغو الذي قاد رحلة استكشاف الهويات المغربية المتعددة في عدد من المناطق المغربية، قادته إلى قبائل آيت سغروشن، مرورا بالخميسات، وتيفلت، وخنيفرة، والحسيمة، وتنغير، ليحط الرحال في قلعة مكونة، ثم تارودانت، وهي مناطق يربطها “لوشام” (الوشم)، مؤكدا أن الفيلم يحكي التاريخ الأمازيغي المغربي الأصيل، أبطاله نساء أمازيغيات يحملن الوشم في تفاصيل أجسادهن، مبرزا أن الوشم يبقى تقليدا عندهن، وأن الشريط يرد الاعتبار للنساء اللواتي يحملن الذاكرة الثقافية الأمازيغية.

وينقل الوثائقي “ذاكرة جسد” للمنتج الحسين حنين قصص الجدات الأمازيغيات مع “لوشام”، كرمز يحمل تاريخا كاملا وثقافة متفردة امتدت لقرون، وهوية الرسومات على أجساد جيل من النساء أغلبهن غادرن الحياة قبل عرض الفيلم، حيث يؤكد منتج الفيلم أن “الوشم في معظم القبائل الأمازيغية بدأ يختفي تدريجيا، حسب المناطق؛ ومع رحيل الجدات يطمس جزء كبير من الهوية المغربية، وترحل معه حكاياتهن الشفوية ورموزهن”.

الحسين حنين: الفيلم يوثق الوجوه الجميلة التي بدأت تختفي ويتلاشى معها موروث ثقافي عريق
الحسين حنين: الفيلم يوثق الوجوه الجميلة التي بدأت تختفي ويتلاشى معها موروث ثقافي عريق

وفي حديثه لـ”العرب” أكد حنين أن “الفكرة جاءت بدون بذل أي مجهود ذهني صعب، حيث كنا جالسين في مقهى أنا والأصدقاء محمد زاغو وأيوب المحجوب، نناقش مواضيع عامة، قبل أن يتحدث إلينا محمد مخرج الفيلم عن قصة شقيقته والتحدي الذي تواجهه في التخلص من الوشم الذي تضعه على وجهها، حيث ترغب في الذهاب إلى الحج في الأيام القادمة ولا تود زيارة ذاك المقام وهي تضع الوشوم على وجهها لأن هذا حرام في نظرها”.

وأضاف حنين “هذا الموضوع أثار اهتمامنا لأنه منذ صغرنا كنا نرى هذه الوشوم على وجوه جداتنا وأمهاتنا، ولكن لم نسأل يومًا عن معاني تلك الرموز والغاية من وضعها على الوجوه. حالة شقيقة محمد كانت الدافع الذي جعلنا نبحث حول الموضوع ونحاول فهم معاني الرموز. لذلك قررنا تصوير فيلم وثائقي عالي الجودة ليوثق هذه الوجوه الجميلة التي بدأت تختفي ويتلاشى معها موروث ثقافي عريق، بالإضافة إلى كل هذا، أثر فينا الجانب الجمالي لتلك الوشوم على الوجوه، وجمالية الفن الذي يتجسد فيها”.

وركز المخرج زاغو على أنه بفضل هؤلاء النساء، سيتم الحفاظ على الهوية والذاكرة الثقافية، وبدونهن لا يمكن ذلك، متسائلا عن كيفية إدخال الوشم في الهوية البصرية، خاصة في مجال الصناعة التقليدية والتعريف بها لدى أجيال المستقبل، مبرزا أن الفكرة وإن كانت شخصية ومن المحيط، فإنها تعبير عن حس جماعي، خاصة أن كل أسرة قد توجد فيها أم أو جدة لديها وشم، وبالتالي فإن الفيلم هو تأريخ لهذه الظاهرة وهذا الموروث والهوية العريقة.

هذه الرحلة في ذاكرة رموز الوشم على أجساد الجدات لم تكن سهلة حسب حنين، والتي بدأت قبل انتشار الوباء وانتهت قبل بضعة أشهر فقط، متأسفا على وفاة بعض السيدات اللاتي يتضمن الوثائقي قصتهن، قائلا “ربما يحمل الوثائقي آخر ملامح ذاكرة ‘لوشام’ في المغرب، من خلال حكايات الجدات الدافئة وذاكرة وثقافة امتدت لقرون وبدأت تختفي برحيلهن”.

بوكس

وأكد المنتج حنين أنه من البديهي أن فيلما وثائقيا بهذا الشكل لا يحتاج إلى ثلاث سنوات لإنجازه، لكن “ذاكرة جسد” حالة خاصة “نظرًا إلى تسابقنا مع الزمن بعد سماعنا أن هذا الموروث الثقافي بدأ في الاختفاء بسبب أن النساء اللواتي يضعن الوشم في الغالب يكنّ متقدمات في العمر، وهذا ما دفعنا إلى تصوير هذا الفيلم بتمويل ذاتي، لأن إجراءات الحصول على الدعم المادي ستأخذ وقتا طويلا”، مضيفا أنه من بين سلبيات الإنتاج الذاتي أن مرحلة التصوير تكون متقطعة مما يجعلها تستغرق وقتًا أطول من المعتاد. وتابع “لقد قمنا بتصوير المشاهد بشكل متقطع وكذلك مرحلة المونتاج، وهذا ما جعل إخراج الفيلم قبل هذا التاريخ أمرًا غاية في الصعوبة”.

وبخصوص جدل الحرام والحلال في هذا الموضوع صرحت إحدى النساء في الفيلم “لم نكن نعي أنه حرام”، مضيفة أن المال ووضْعَ جلد الجسد من أسباب الخوف من إزالة الوشوم، بل هناك من نُصحت بنزع هذه الرموز بـ”الماء القاطع”، الحمض الذي يستطيع إذابة الحديد والحجر، في حين هناك من تمسكن بالوشم كاختيار لأنه تعبير عن ثقافة وتقاليد وموروث لا يمكن التخلي عنه بسهولة.

وقبل أن يصبحن جدات اختارت النساء الأمازيغيات الوشم عنوانا للزينة أو للتميز بين النساء البالغات والمتزوجات، وأخريات ارتبط عندهن الوشم بثقافة شفهية قديمة تربطه بالشفاء من الأمراض وإبعاد العين والحسد، وهنا يورد المنتج المغربي الذي قارب عن كثب هذه الثقافة، أنه مهما اختلفت حكايات الجدات واعتقاداتهن المرتبطة بدلالاته، يبقى الوشم تلك اللغة المرهفة التي تعبر عن رغبات الجسد، وذلك الجمال الذي لم تنل منه السنوات ولا يغيبه سوى الموت، وزينة جاورت التجاعيد لتعطي إشعاعا للجسد النسائي.

المشرفون على الفيلم يعتبرونه رحلة فنية ومجتمعية تكشف فيها كل امرأة عن وجهة نظرها حول الوشم ومناقشتها، فكان حكيهن جميلا، وسرد ذكرياتهن أجمل، ومن ثمة جاء الفيلم ليكشف عن كثير من المعطيات والأسرار والحكايات.

وفي هذا الصدد أكد منتج الفيلم أن هذا الوثائقي يثري المشهد الثقافي والسينمائي المغربي من خلال تسليط الضوء على تراث وثقافة المملكة وتعزيز التواصل الثقافي والفني مع الجمهور، كما يمكن أن يكون مصدر إلهام لمنتجي السينما لاستكشاف المزيد من مواضيع التراث الثقافي الغني في البلاد.

 

14