ذاكرة الإنسان تنشطها السينما في زمن كوفيد – 19

لا تزال جائحة كورونا تفرض نفسها وهيمنتها على الساحة الثقافية وخاصة السينمائية، ولا يزال تأثيرها السلبي مستمرا وخصوصا على المهرجانات السينمائية وقاعات العرض، و"مهرجان كرامة" لأفلام حقوق الإنسان واحد من المهرجانات التي تحولت للعرض على المنصات الافتراضية كوسيلة بديلة لإقامة المهرجان وإحيائه باعتبار ذلك نتيجة حتمية لتداعيات الوباء.
انتهت الخميس فعاليات الدورة الحادية عشرة من “مهرجان كرامة” لأفلام حقوق الإنسان، الذي أقيم في مدينة عمان والذي ينظمه معمل 612 للأفكار ويموله الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع وزارة الثقافة الأردنية وأمانة عمان الكبرى.
وكان مهرجان كرامة قد اتخذ لهذا العام شعارا بعنوان “ذاكرة الإنسان”، على اعتبار أن الانتشار المتزايد لوباء كوفيد – 19 قد أعاد للذاكرة التعقيدات والاختلالات التي تكمن داخل أنظمتنا، والتي تجعل من العنصرية وانعدام الأمن والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وأزمة المناخ، أكثر وضوحا من أي وقت مضى، ووفق ما قال المنظمون “لقد أصبحنا على وعي متزايد بمجتمعاتنا المهمشة والضعيفة ومرتبطين بكبار السن الذين هم الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفايروس، وهم الأجيال التي شهدت التحولات الاجتماعية والسياسية العملاقة التي خلقت العالم المعاصر الذي نعرفه اليوم، والذين يحتفظون في ذاكرتهم بأحداث كثيرة، من استعمار واحتلال وانقلابات وانتفاضات وحروب أهلية وتدمير وإعادة بناء للمدن وإعادة تعريف لدولنا وحدودها والانهيار الاقتصادي والانهيار البيئي عليها”.
تجربة مختلفة
كانت فعاليات المهرجان قد بدأت في الـ26 من ديسمبر الماضي، وعرضت ما يقارب 42 فيلما سينمائيا ما بين الروائي والتسجيلي الطويل والقصير بالإضافة إلى أفلام التحريك، من إنتاجات كل من 2018 و2019 و2020 في حين شاركت في المنافسة على ريشة كرامة الأفلام المنتجة بين عامي 2019 و2020.
وقدمت دورة هذا العام من المهرجان التي عقدت في ظروف استثنائية نتيجة لعودة انتشار كوفيد – 19، عددا من عروضها على جدران بعض الأبنية في العاصمة عمان كتجربة أولى وفريدة يتم فيها استخدام هذا الأسلوب من العروض.
وعن ذلك يقول إيهاب الخطيب المدير الفني للمهرجان لـ”العرب” “قدمنا أكثر من عرض جداري ولاقت نجاحا كبيرا جدا، وكانت في الحقيقة عروضا تجريبية قمنا بها نتيجة انتشار فايروس كورونا، واستطاع الجمهور متابعتها من خلال أسطح المنازل وعبر الشبابيك، لكن وللأسف لم نستطع تكرار التجربة في أماكن كثيرة رغم تفاعل الناس معها لأن ترتيبها وتجهيزها يحتاجان للكثير من الوقت”.
وتابع أن تلك العروض ستكون لاحقا تحت عنوان “سينما الحي”، قائلا “هذه المبادرة أطلقناها من المعمل 612 للأفكار، كما سبق أن أطلقنا ‘سفريات السينما’ والتي كانت تشرح الطريق الذي يربط بين بلاد الشام أي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، من خلال اليافطة أو اللوحة الموجودة على التاكسي والتي كانت تشير إلى خط سير ‘بيروت دمشق عمان القدس’ إلى أن تقطعت السبل بينها، أو كما أطلقنا ‘السينما اللاجئة’ أو السينما الهاربة التي أتت فكرتها في فترة النزوح واللجوء التي عمت العالم والمستمرة حتى اليوم”.
وأكد إيهاب الخطيب أن “سينما الحي” هي سينما صناعة الذاكرة الجديدة للحي بمعنى أن يتمكن أهالي الحي من الاشتراك بذاكرة بعيدة عن ذاكرة الموت والمرض التي تلف العالم كله الآن، وهذا المشروع لن يقتصر على الأردن وإنما سينتقل إلى خارجه، وهو مشروع له علاقة بطبيعة المدن وتركيبتها وتكوينها.
أما عروض المهرجان فقد تضمنت ثلاث مسابقات رئيسية أشرفت عليها ثلاث لجان تحكيم، بالإضافة إلى مسابقة الجمهور ومسابقة أنهار، وكانت جائزة الجمهور قد أعيدت برمجتها في دورة هذا العام وخاصة بعد أن أتيحت للجمهور مشاهدة الأفلام في كل أنحاء العالم بشكل مجاني ومتزامن مع المهرجان عبر تطبيق خاص، الأمر الذي ساعد على إحياء تلك المسابقة بكل شفافية وصدق.
وعن تلك الجائزة يقول الخطيب “ليست المرة الأولى التي يبرمج فيها المهرجان جائزة للجمهور، فقد كانت تلك الجائزة موجودة منذ السنوات الأولى من مهرجان كرامة، وأردنا هذا العام من باب الذاكرة والاستذكار أن نجعل من منصة كرامة الافتراضية وسيلة يستطيع من خلالها الجمهور التصويت بشكل أكثر دقة واحترافية، وطبعا هذه المنصة وبطريقة عرضها المجانية، سمحت للجمهور الواسع بالمشاهدة، وأعطت فرصة لصناع الأفلام لمشاهدة أفلامهم من قبل أكبر عدد ممكن من المشاهدين”.
كما أن جائزة شبكة أنهار (الشبكة العربية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان) تم تأسيسها كأحد مشاريع معمل 612 للأفكار، وهي تضم مجموعة من أعضاء مهرجانات أفلام كرامة لحقوق الإنسان في كل من لبنان وموريتانيا وتونس وفلسطين، إلى جانب بعض المؤسسات التي تقدم عروضا سينمائية في العالم العربي، حيث يتم اختيار وترشيح مجموعة من الأفلام لا تتجاوز الخمسة أو الستة في كل دورة بغض النظر عن تصنيفها روائية كانت أو تسجيلية، فالمهم فقط أن تكون هذه الأفلام عربية بشكل أساسي ومواضيعها حقوقية أو ترى فيها شبكة أنهار أنها أفلام قد تركت أثرها في العالم بشكل عام.
ذاكرة سينمائية
حصل الفيلم اللبناني “جدار الصوت” للمخرج أحمد غصين على جائزة ريشة كرامة لأفضل فيلم روائي طويل على اعتباره عملا بحسب لجنة التحكيم ينسجم ويستجيب لشعار دورة هذا العام من مهرجان كرامة “ذاكرة الإنسان”، كما أكدت اللجنة على المعالجة الفنية والذكية والملفتة والمثمرة في بناء الفيلم.
وتدور أحداث فيلم “جدار الصوت” حول مجموعة من الأشخاص الذين حاصرتهم ظروف الحرب في مكان ضيق وعن علاقتهم بالداخل والخارج.
أما جائزة ريشة كرامة لأفضل فيلم روائي قصير فكانت لفيلم “جبريل” للمخرج يوسف كاراغار، وتدور أحداثه حول أزمة عائلية تحصل بين أب وابنه، حاول المخرج من خلالها الغوص في تفاصيل الحياة لتلك العائلة.
وجاءت جائزة ريشة كرامة لأفضل فيلم تحريك للمخرجة ماهمسا سامانس عن فيلمها “هبوب”، وكان الفيلم الوثائقي “فن المعارضة” الأميركي للمخرج جيمس دين لوسويور قد حصل على ريشة كرامة كأفضل فيلم وثائقي وذلك بسبب طريقته المثيرة في عمل مواجهة بين سياسة المثالية ممثلة بفاسلاف هافال وسياسة القوة.
العروض الجدارية للدورة الـ11 ستكون لاحقا تحت عنوان "سينما الحي"
أما جائزة الجمهور فقد حصل عليها الفيلم المصري “زي ما أنت شايفة” للمخرجة غادة فكري، وحصل على جائزة أنهار التي أعلن عنها هيثم شمص مدير مهرجان كرامة بيروت للفيلم الفلسطيني 200 متر، للمخرج أمين نايفة ومن إنتاج مي عودة، نظرا لأنه يدور حول قضية إنسانية حقوقية، ألا وهي قضية الفلسطينيين في مواجهة الظلم والعنف المطبقين عليهم من قبل المحتل.
وكما تشير رئيسة المهرجان سوسن دروزة، فقد اختتم مهرجان كرامة بتكريم المخرج الإيطالي جيوزبي تورنتوري، الذي جسد من خلال أفلامه ذاكرة السينما والإنسان، وخاصة في فيلمه “سينما براديسيو”، وتم إرسال رسالة وداع لكل من روح المخرج السوري حاتم علي والكاتب والسيناريست المصري وحيد حامد ولروح الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، الذين غادرونا مؤخرا تاركين في ذاكرتنا أثرا حيا لا ينسى، واستذكار خاص لتوديع المخرج ألبير حداد. وختم إيهاب الخطيب دورة المهرجان معبرا عن أمله الكبير في عودة المهرجان إلى قاعات السينما وألا يبقى افتراضيا.