دَارَ الفلكْ في مَغزلكْ

الأمم المثابرة على العمل ستجد ثمرة عملها، حتى وإن كانت تصبّه في اتجاهات شتى، والأمم التي تترفّع عن العمل ستجد نفسها في ذيل القائمة كل مرّة.
الجمعة 2022/10/28
غاندي اليوم هو من يدخل 10 داوننغ ستريت

اعتقد العالم أن ريشي سوناك كان يقوم بتبخير ورقية باب 10 داوننغ ستريت، مقر رئيس الحكومة البريطاني التاريخي، والعنوان الأكثر شهرة بين عناوين البريد في العالم. والحقيقة أنه فعل، لكن أمام مكتب وزير المال حين كان يتولى هذا المنصب، ولن يتردّد في تكرار الأمر ثانية في الباب المجاور والأهم.

لم يكن سوناك مستحياً بثقافته الهندوسية، ولم يرد أن يبعث برسالة إلى الغرب أنه بات ”غربياً تماماً“ فليس هذا المطلوب في هذا العصر.

وفور وصوله إلى موقعه زعيماً لحزب المحافظين ورئيساً للوزراء، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر ارتباط سوناك، مع زوجته أكشاتا مورثي، بطقوس العبادة الهندوسية، واعتداده بالزي الهندي الملون وهما يؤديان شعائر «البوجا»، وقبل ذلك، إصراره على أداء اليمين كعضو في البرلمان البريطاني على ”البهاغافاد غيتا” الكتاب المقدّس الهندوسي.

ماذا نفهم من ذلك؟ أنك كلما كنتَ مُستضعِفاً لنفسك في تعبيرك عن ذاتك منكراً لهويتك، كلما تجاهلك العالم، لكنك إن كنت تقدّم لهم ثقافتك على أنها بضاعة جديدة قد تكون منقذة لهم، بما معك من معرفة وكفاءة، فسيختلف الوضع عند ذاك.

انظر إلى الأمر من زاوية أخرى، أنت مضطرٌ إلى مماشاة القوي والامتثال الكامل لما يناسبه هو، لا لما يناسبك أنت، بينما يتعمّد هذا الشاب الأسمر قول العكس.

في الهند احتفل الهندوس بوصول سوناك إلى منصبه، بعد تاريخ طويل يعرفه الجميع من الاحتلال والصراع ومسيرة الملح، وشركة الهند الشرقية. نجاح متزامن مع عيد ”ديوالي“ وهو عيد ”انتصار النور على الظلام، والخير على الشر، والمعرفة على الجهل“.

الأمم المثابرة على العمل ستجد ثمرة عملها، حتى وإن كانت تصبّه في اتجاهات شتى، والأمم التي تترفّع عن العمل ستجد نفسها في ذيل القائمة كل مرّة.

لم نتعلّم من الهنود شيئاً، رغم أننا عايشناهم وشاهدنا أفلامهم وحفظنا أغانيهم، وتناولنا المأكولات في مطاعمهم وشربنا شايهم. وبينما كانوا يجتهدون، كنّا نغنّي ”ظلموه“ ونتأوه من هيمنة الشرق والغرب.

كانت في غرفتي صورة علّقتها للمهاتما غاندي، والآن في مكتبي تمثال صغير له اشترتيه من سوق الخردة ببضعة سنتات، وقرأت مبكراً سيرته وكل ما قال وفعل، وكان يحزنني أن غاندي لم ينتصر، وأن الهند التي حلم بها تقسّمت بين هندوسي ومسلم، وأن قاتله كان هندوسياً متعصباً غبياً لم يدرك قيمة ذلك الرجل الذي دافع عن حريته وثقافته.

لكن غاندي اليوم هو من يدخل 10 داوننغ ستريت. كما دخلها من قبل بثيابه التي صنعها بنفسه على مغزله، وبقينا نغني له ”دار الفلك في مغزلك“ ونحن نعتقد أنه شهيد وأضحية، بينما كانت روحه تشتغل وتؤثر.

20