ديوان المحاسبة جزء من الصراع على السلطة والنفوذ في ليبيا

مكتب رئاسة مجلس النواب الليبي أشرف على إلغاء تكليف عطية الله السعيطي بمنصب وكيل ديوان المحاسبة.
الخميس 2025/03/27
ترتيبات جديدة

أكدت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا في ليبيا، في بيان مشترك، دعمها الكامل لديوان المحاسبة الليبي وقيادته، مشددة على ضرورة احترام استقلاليته ونزاهته بعيدا عن أي تدخلات سياسية. وأوضح البيان أن ديوان المحاسبة يعد مؤسسة مهمة لضمان فعالية إدارة المالية العامة، كما يساهم في مكافحة الفساد وسرقة الموارد الليبية، مشيرا إلى أن عمله ضروري لتعزيز الثقة الدولية في ليبيا.

وأعربت السفارات عن دعمها المستمر لعمل الديوان، مؤكدة أنه جزء أساسي من الدولة الليبية، وشددت على أهمية الحفاظ على دوره الرقابي دون أي تأثير سياسي، لضمان الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العامة.

وكان القائم بالأعمال في السفارة الأميركية لدى ليبيا جيريمي برنت أعرب عن قلق بلاده بشأن الضغوط التي تُمارس ضد نزاهة واستقلال ديوان المحاسبة والمؤسسات التكنوقراطية الليبية الحيوية الأخرى، وشدد على تأييد واشنطن لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في دعوة جميع الأطراف المعنية إلى احترام ولاية ديوان المحاسبة وتجنب تسييس المؤسسات السيادية الأساسية لاستقرار ليبيا وحُكمها.

كما كان نائب السفير البريطاني في ليبيا توماس فيبس أعرب عن التأييد الكامل لديوان المحاسبة ضمن ما اعتبره “الدور الحاسم الذي يلعبه في حماية الشفافية والمساءلة”، داعيا إلى ضرورة “أن يظل الديوان بعيدا عن التدخل السياسي وأن يجرى الحفاظ على استقلاله.”

ويرى مراقبون أن المواقف الدولية المتعددة الداعية إلى عدم تسييس ديوان المحاسبة تأتي في ظل الصراع القائم بين رئيس الديوان منذ العام 2013 خالد شكشك ووكيله عطية الله السعيطي الذي سبق وأن عينه مجلس النواب قبل أن ينقلب عليه بعد أن تبين أن الديوان تحول إلى جزء من صراع السلطة والنفوذ بين البرلمان وحكومة الوحدة المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

وفي ديسمبر الماضي، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “عن قلقها البالغ إزاء تفاقم الوضع المتعلق بديوان المحاسبة”، معتبرة أنه “يشكل تهديدا حرجا لسلامة هذه المؤسسة السيادية”. وقالت البعثة “لا بد من الحفاظ على استقلالية ديوان المحاسبة في عمله، باعتباره المؤسسة المكلفة بحماية الشفافية والمساءلة والحوكمة الرشيدة”، وحثت “جميع الأطراف ذات الصلة على احترام ولاية المؤسسة وتجنب تسييس الهيئات السيادية الحيوية لاستقرار ليبيا والحوكمة فيها”.

◙ المواقف الدولية المتعددة الداعية إلى عدم تسييس ديوان المحاسبة تأتي في ظل الصراع القائم بين رئيس الديوان خالد شكشك ووكيله عطية الله السعيطي

وفي الثالث من سبتمبر الماضي، تسلم السعيطي مهام وكيل ديوان المحاسبة الجديد من وكيل الديوان علاء المسلاتي، بتكليف من قبل مجلس النواب تنفيذا للقرار الصادر في مايو 2024 وباشر مهامه بمقر الديوان بطرابلس، وبعد خمسة أيام ألغى مكتب رئاسة مجلس النواب قرار تعيين عطية السعيطي وكيلا لديوان المحاسبة بعد أسبوعين من تكليفه، مشيرا إلى أن تكليف وكلاء الهيئات يتم بقرار من مجلس النواب في جلسة رسمية.

وفي أكتوبر 2024، خاطب مجلس النواب رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك ووكيل الديوان علاء المسلاتي في مراسلتين منفصلتين، بسحب القرار القاضي بتعيين عطية الله السعيطي وكيلا لديوان المحاسبة، ودعا إلى اعتبار قرار التعيين السابق كأن لم يكن، واتخاذ ما يلزم لوضع قرار السحب موضع التنفيذ.

ورغم ذلك، سعى السعيطي إلى تفعيل قرار تعيينه معتمدا على حكم قضائي ينص على إيقاف رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، لزوال صفته المبنية على قرار مجلس النواب رقم 2014/30، ووجه رئيس فرع إدارة القضايا بطرابلس خطابا بهذا المعنى إلى عدد من الإدارات القانونية بالمؤسسات الاقتصادية، من بينها المصرف المركزي ومؤسسة النفط، بتاريخ الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، دعا من خلاله إلى وقف التعامل مع شكشك أو تنفيذ القرارات الصادرة عنه، بناء على الأمر القضائي رقم 2024/529.

وخاطب السعيطي الإدارات المعنية في الديوان بصفته رئيسا بالإنابة بناء على الحكم القضائي، معتبرا أن “امتناع أي موظف أو جهة عامة عن تنفيذ أي حكم قضائي أو أمر ولائي يعد انتهاكا صريحا لسلطة القضاء”، وطلب من إدارات ديوان المحاسبة توجيه الموظفين لـ”عدم تنفيذ أي تعليمات أو قرارات تصدر عن خالد شكشك”، مهددا باتخاذ “إجراءات تأديبية وقانونية حيال أي مسؤول أو موظف يخالف هذه التعليمات.”

وفي الثلاثين من ديسمبر، أعلن المستشار القانوني لمكتب رئاسة مجلس النواب الليبي أشرف المبروك الدوس عن إخطار 5 جهات عامة بإلغاء تكليف عطية الله السعيطي، بمنصب وكيل ديوان المحاسبة. وأرفق المجلس مع رسالته صورة من الحكم الصادر عن الدائرة المدنية الثانية بمحكمة استئناف طرابلس، الذي يقضي منطوقه بإلغاء الأمر الولائي بشأن تنصيب السعيطي في منصب وكيل دیوان المحاسبة، مع إلزامه بالمصاريف عن الدرجتين، مطالبا الجهات المعنية بضرورة العمل بها، وهو ما يتناقض مع الحكم السابق الصادر عن محكمة جنوب طرابلس.

ويرى مراقبون أن شكشك يحظى بدعم ومساندة من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذي استقبله السبت الماضي وبحث معه آليات عمل الديوان، والتحديات التي تواجهه وسبل تذليلها، بما يسهم في الارتقاء بالأداء الرقابي، وكفاءة إدارة المال العام، وتناولا “أهمية التقارير الرسمية الصادرة عن الديوان، ودورها في تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة، إلى جانب بحث سبل تطوير العمل الرقابي بما يتماشى مع أعلى المعايير المهنية، وبما يخدم الصالح العام، ويضمن تعزيز النزاهة المالية في موارد الدولة”، وكلفه بالاستمرار رئيسا لديوان المحاسبة في المنطقة الغربية إلى حين التوافق على تسمية المناصب السيادية، وفق بيان لمجلس النواب.

4