ديمة أبوغوش مخرجة فلسطينية تعود إلى عمواس وتستعيدها سينمائيا

تواصل المخرجة الفلسطينية ديمة أبوغوش تجربتها السينمائية التي نذرتها للقضية الفلسطينية، من خلال أعمال تسجيلية لاقت نجاحا باهرا، منذ فيلمها الأول “صباح الخير قلقيلية”، سنة 2004، وصولا إلى فيلمها الأخير “عمواس” الذي تستعيد فيه ذاكرة واحدة من القرى التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي في حرب 67، بينما تعيد كاميرا ديمة أبوغوش ترميم هذه القرية واستعادتها من تحت أنقاض الدمار والنسيان، هنا حيث تغدو السينما فعل مقاومة، وممارسة نضالية وجمالية، سواء بسواء.
تعود بنا المخرجة الفلسطينية ديمة أبوغوش إلى قريتها عمواس، وذكريات طفولتها الأولى، قبل أن يدمرها الاحتلال الإسرائيلي في حرب 67، إلى جانب قريتي يالو وبيت نوبا.
وكما فعل أبطال فيلمها، حينما قاموا ببناء مجسم للقرية، والاستعانة بذاكرة النازحين منها، لإعادة تعيين معالمها ودورها وأشجارها ومنابع الحياة فيها، تقوم المخرجة والسينمائية الفلسطينية بإعادة ترميم ذكرياتها، وهي تحكي في هذا اللقاء الخاص مع “العرب” عن فلسطين والسينما الفلسطينية، وعن فيلمها “عمواس” وقريتها عمواس التي كانت تقع في مفترق الطرق نحو كل من رام الله ويافا والقدس وغزة، بينما “ضاعت عمواس وضاعت معها الطريق”، كما تقول المخرجة.
سينما فلسطين
تقر المخرجة الفلسطينية ديمة أبوغوش بأنه “لا وجود لصناعة سينمائية في فلسطين”، وأن الفلسطينيين لا يزالون يؤسسون لهذه الصناعة الفنية، ذلك أن “مقومات صناعة الفيلم لا تزال متعذرة، وغير متوفرة عندنا، بدءا بالمعدات من كاميرات وغيرها، والأجهزة المتصلة بإعداد المونتاج، كما أن المهنيين والتقنيين ليسوا بالخبرة التي نطمح إليها”، فضلا عما تسميه الغياب المهول لدور العرض الكافية والمناسبة.
ومن جهة أخرى، كما تؤكد أبوغوش “ليس هناك من دعم حكومي خاص بالسينما، وهكذا، فإن الأعمال السينمائية التي أخرجت للناس إلى حدود اليوم إنما تقع على عاتق أفراد يناضلون بسبب حبهم للسينما”، وتدعو المخرجة إلى واجب القيام بـ”تفكير جماعي وعمل جماعي من أجل صناعة سينمائية فلسطينية في المستقبل”.
وعن تجربة الإنتاج السينمائي المشترك، في غياب صناعة سينمائية وطنية، تذهب صاحبة فيلم “عمواس” إلى أن معظم الأفلام الروائية الفلسطينية قد تأسست على الإنتاج المشترك، وهو أمر “يساعد في جودة الفيلم مع ضمان توزيعه على نطاق واسع، سوى أنه، ومن جهة أخرى، نجده يؤثر على إيقاع عمل الفيلم، ويستدعي وقتا أطول للانتهاء منه، كما أنه يتطلب ميزانية أكبر، وتلك مفارقة أخرى” تسجلها محدثتنا.
وتشرح “أي أن مسألة الإنتاج المشترك لها إيجابياتها وسلبياتها في آن واحد، والحال أن هذا الإنتاج المشترك هو ما يكشف لنا بالملموس غياب صناعة سينمائية فلسطينية صرفة، حيث تستعين السينما عندنا بمهنيين أجانب، خاصة في المجالات التقنية والفنية، من التصوير إلى المونتاج، ومن الصوت إلى الإنتاج”. وتأمل المخرجة “أن نصل إلى إنتاج عربي مشترك في مجال السينما، على أساس أننا حين نصل إلى مثل هذه المرحلة يمكن الحديث عن صناعة سينمائية فلسطينية، وعن سينما عربية”.
وعن البرامج والمبادرات الخاصة بالسينما الفلسطينية، إلى جانب حضور هذه السينما في ملتقيات ومهرجانات، ترى أبوغوش أنها مبادرات محمودة، لكنها غير كافية لضمان حضور فاعل ومؤثر للسينما الفلسطينية في المشهد السينمائي العربي والدولي.
وتقول “صراحة، لقد ساعدت مثل هذه المبادرات في الترويج للفيلم الفلسطيني، وهي تعدت البلدان العربية لتسجل الحضور الفلسطيني في فرنسا مثلا، التي احتضنت أسبوعا للفيلم الفلسطيني، وبرامج خاصة بالسينما الفلسطينية في باريس وتولوز، وقد تم عرض فيلمي “عمواس” في باريس ونانت، في مبادرات من هذا القبيل”.
السينما والاحتلال
عن حضور موضوع الاحتلال في السينما وهيمنته على عمل المخرجين وأفق المتلقين، ترى المخرجة الفلسطينية ديمة أبوغوش أن “موضوع الاحتلال يتسرب إلى الفيلم الفلسطيني حتى لو كان يحكي قصة حب خالصة”، على أساس أن الاحتلال إنما “ينفذ إلى تفاصيل الحياة اليومية من حيث لا نحتسب”.
وتستطرد ديمة أبوغوش “هنا، يقع التحدي أمام السينما الفلسطينية، وذلك بأن تواجه الموضوع مباشرة أو بشكل فني، وهذا هو الفرق، والفيلم ينجح حين يخاطب الإنسان بغض النظر عن السياق الذي ظهر وتشكل فيه، ثم هناك أفق انتظار المشاهد من الفيلم الفلسطيني، حيث يطالبنا المتلقي بأن نقدم إجابات وأن نشتغل وأن نعمل على مواجهة الاحتلال، حتى من خلال السينما، وهنا تصير التوقعات أكبر من إمكانيات الفيلم الواحد”، بمعنى آخر، تضيف المخرجة الفلسطينية، “يحمّل المتلقي العربي والعالمي السينما الفلسطينية ما لا طاقة لها به”.
وعن تجربتها في الفيلم التسجيلي الأخير “عمواس: ترميم الذكريات”، وهل كان مطلوبا منها أن تكتب سيرة سينمائية لها ولقرية عمواس، ولفلسطين؟ وعما إذا كانت تلك هي مهمة التسجيلي الفلسطيني؟ تقر المخرجة بأن فيلم “عمواس” الذي أخرجته، مؤخرا، “هو سيرتي وهو ذاكرتي أيضا، فقد خرجت من عمواس في حرب 67، وعمري سنتان، وحدث ذلك في يوم صادف عيد ميلادي، لكنني عشت حياتي كلها بقصص عمواس التي لم تغادرنا ولم نغادرها، ولما كنا أطفالا أخذونا إليها وقد تحولت إلى منتزه، وهنالك كانوا يحكون لنا عن عمواس وأيامها، وناسها ومعالمها..”.
ومن هنا، استيقظت في المخرجة رغبة في أن تحكي عن عمواس، وما جرى معها، كما أحست بمسؤولية وضرورة أن تحكي للأجيال اللاحقة، لكي تتعرف إلى عمواس من خلال فيلمها، في حين أرادت قوات الاحتلال الإسرائيلي محو ذاكرة المكان واسمه وهويته.
أما عن مشروعها السينمائي الجديد، فهو مشروع فيلم يختمر منذ سنتين تقريبا، وهو “يبحث عن الوطن، ويحكي عن فلسطين، وكيف يختلف أي فلسطيني عن الآخر، فلسطيني غزة في مقابل فلسطيني الشتات، وفلسطيني القدس أو فلسطيني الداخل، وذلك الفلسطيني الذي يقيم في أوروبا مثلا، وكيف يجمع هؤلاء وهؤلاء حلم واحد، وقضية واحدة، وفلسطين واحدة في النهاية”.
هي في النهاية حكاية مرتبطة ببطاقة الهوية، التي تختلف من أهل غزة إلى أهل رام الله إلى الضفة إلى أهل القدس، وهم يعتبرون مقيمين وليسوا مواطنين، ويحملون وثيقة سفر أردنية أو إسرائيلية، بينما يمكن أن تسحب منهم وثائقهم تلك في أي لحظة. ولنقل مع هذه المخرجة الفلسطينية الاستثنائية إنها “رحلة للبحث عن الفلسطينيين، وللبحث عن الوطن الفلسطيني”.
وإذا كنا نعرف أن موضوع الفيلم القادم ينطبق على حياة المخرجة نفسها، والتي تحمل هوية القدس، بخلاف أبنائها وزوجها، فإن هذه التفصيلة تؤكد، مرة أخرى، أن ديمة أبوغوش إنما تواصل كتابة سيرة سينمائية وسيرة لفلسطين.