دوشان الذي انتصر

كانت الدادائية تدعو إلى هدم المتاحف وإنهاء صنمية الأشكال الفنية. من رحم الدادائية ولدت السوريالية التي لا تزال حتى اللحظة تشد الكثيرين إليها.
الاثنين 2020/11/16
عبث دوشان لا يزال حيا إلى اليوم

تعود محاولات الفرنسي مارسيل دوشان في الفن الجاهز إلى العقد الثاني من القرن العشرين. كان ذلك القرن سيئا بعكس ما يظنه الكثيرون.

لم يتطور فيه الفن التشكيلي بل تغير بطريقة جعلته ينحرف عن الطريق ويقع خارج السكة. وهو ما جعل بابلو بيكاسو مضطرا إلى أن لا يُخفي سروره حين سمع بوفاة دوشان.

كان ذلك هو الخطأ. دوشان كان خطأً. ولكنه خطأ فتح الباب على جحيم فن مختلف. كانت هناك حركة فنية اسمها “الدادائية” قد ظهرت في زيورخ عام 1912 ثم انتقلت إلى باريس غير أنها لم تعش طويلا. كانت الدادائية تدعو إلى هدم المتاحف وإنهاء صنمية الأشكال الفنية. من رحم الدادائية ولدت السوريالية التي لا تزال حتى اللحظة تشد الكثيرين إليها.

لا تزال السوريالية تيارا فنيا حيا. هناك سورياليون مصريون تزعمهم جورج حنين ورمسيس يونان ظهروا في نهاية ثلاثينات القرن العشرين كانوا على اتصال بـ”بابا” السوريالية أندريه بريتون. كانت حركة عالمية ولا تزال.

غير أن ما حدث في ستينات القرن العشرين كان مزعجا بطريقة لافتة. لقد ظهرت في ألمانيا حركة فنية اسمها “فلوكسس” عاد أفرادها إلى المبادئ التي طرحها دوشان. وهي مبادئ لا تعترف بالرسم الذي نعرفه ولا بالنحت الذي نعرفه. هناك فنون جديدة سيطلق عليها “فن الحدث” و”فن الأرض” و”فن المفاهيم” و”فن الفيديو” و”فن الأداء الجسدي” و”فن التجهيز والتركيب”.

وكلها فنون سبق لدوشان أن مارسها وتبعه بعد ذلك الألماني يوزف بويز الذي فُصل من جامعة دسلدورف بسبب تخريبه لمناهج التعليم. بعد أكثر من قرن علينا أن نعترف بأن الخطأ الذي ارتكبه دوشان من وجهة نظر بيكاسو صار واقعا. هناك مَن يفكّر في الفن بطريقة دوشان.

ذهبت ذات مرة إلى قاعة في أمستردام فرأيت شابا يقرأ في كتاب وهو يمشي. سألت صاحبة القاعة “أين هو المعرض؟”، قالت “ذلك هو المعرض”.

في السابق كنت أميل إلى نظرية المؤامرة، ولكنها فكرة يسيرة يمكن أن تكون خاطئة. لقد عاش عبث دوشان. ما معنى ذلك؟ أعتقد أن المسألة تنطوي على الكثير ممّا يتعلق بجوهر الفن. كان دوشان صادقا وعميقا في علاقته بالفن ولذلك لم يختف. ويمكن أن يقال إنه أخيرا قد انتصر.    

16