دور متقدم للديوان الملكي في رسم السياسات الحكومية في الأردن

يشهد الأردن تفكيك وإعادة تركيب في مواقع صنع القرار استعدادا لمجابهة تحديات كبرى في مقدمتها الملف الوبائي الذي بات يلقي بظلال قاتمة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في ظل تراجع الدعم الخارجي.
عمان - يشهد الأردن حراكا لافتا في علاقة بإعادة ترتيب بيته الداخلي الذي استوجبته المرحلة الحساسة التي تمر بها المملكة واضطرار عمان لاتخاذ قرارات حاسمة في الفترة المقبلة سواء في ما يتعلق بمواجهة جائحة فايروس كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية المكلفة، أو في ما يخص المشهد الإقليمي المتحول، لاسيما في ارتباط بإسرائيل.
وبالتوازي مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة المستشار السياسي السابق للعاهل الأردني بشر الخصاونة أعلن عن تركيبتها الاثنين، بدأ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حملة تغييرات على مستوى ديوانه، شملت بداية تعيين هيفاء تركي حديثة الخريشا، مستشارة له للسياسات برتبة وراتب وزير، وسط حديث عن المزيد من التغييرات ستطال الديوان في الأيام المقبلة.
وترجح أوساط سياسية أردنية أن يلعب الديوان الملكي مستقبلا دورا متقدما في ما يتعلق برسم السياسات الحكومية ومتابعتها في أدق تفاصيلها، وتذهب الأوساط حد تشبيهه بحكومة موازية، في ظل وعي بدقة المرحلة التي يمر بها الأردن، لاسيما مع تراجع الدعم المالي الأجنبي خصوصا من الدول الخليجية.
ولطالما كان للديوان الملكي بصمته في الحكومات المتعاقبة لاسيما في الملفات الاقتصادية، وكان خير معبر عن ذلك استقدام مستشار الملك للشؤون المالية محمد العسعس، خلال فترة الحكومة الأولى لعمر الرزاز والذي جرى الإبقاء عليه في منصبه مع حكومة الخصاونة، مع احتفاظه أيضا بمنصب نائب رئيس الوزراء.
وهناك توجه في الأردن لتقديم وجوه عملت على مدار السنوات الماضية في الظل، وهذا ظهر بشكل جلي من خلال تكليف بشر الخصاونة برئاسة الوزراء وأيضا بتعيين هيفاء تركي الخريشا (من مواليد 1980) التي تعمل في الديوان الملكي منذ عام 2007 وتقلدت مناصب عدة، لكن دون أن يسجل لها أي ظهور إعلامي يذكر.
وهذه المرة الأولى التي يتم فيها تعيين امرأة في دور متقدم في الديوان الملكي، وقد برز في الفترة الأخيرة توجه لتعزيز الحضور النسوي مع سعي واضح لتشبيب الطاقم العامل في الديوان.
وتقول الأوساط السياسية إن الأردن يشهد عملية تفكيك وإعادة تركيب للمشهد قبل الانتخابات التشريعية التي لم يعد يفصل عنها سوى أسابيع قليلة كسبا للوقت في الظل الملفات الضاغطة، وفي مقدمتها الملف الوبائي والإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي.
ولفتت الأوساط إلى أن رئيس الوزراء الجديد بشر الخصاونة سيظل ما بعد الاستحقاق ومن المتوقع أن يبقي على جزء مهم من طاقمه لاسيما الوزراء الجدد، وبعض الأسماء من حكومة عمر الرزاز على غرار وزير المالية محمد العسعس.
برز في الفترة الأخيرة توجه لتعزيز الحضور النسوي مع سعي واضح لتشبيب الطاقم العامل في الديوان الملكي
وأدت الحكومة الجديدة الاثنين اليمين الدستوري أمام الملك عبدالله الثاني باستثناء وزيرين يخضعان للحجر الصحي بسبب فايروس كورونا.
وكلف العاهل الأردني الدبلوماسي المخضرم الخصاونة (51 عاما) بتشكيل حكومة جديدة الأربعاء الماضي بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عمر الرزاز، في وقت يتزايد فيه الاستياء الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والقيود على الحريات العامة بموجب قوانين الطوارئ المفروضة لاحتواء الجائحة.
وأمضى رئيس الوزراء الجديد، الذي ينحدر من أسرة شغل أفرادها العديد من المناصب السياسية البارزة، أغلب حياته العامة في السلك الدبلوماسي وكمفاوض على السلام مع إسرائيل وعمل في الفترة الأخيرة مستشارا للقصر، لكن دون أن يكون له حضور إعلامي بارز.
وإلى جانب محمد العسعس المكلف بالإشراف على برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، احتفظ وزير الخارجية أيمن الصفدي بمنصبه، فيما جرى التخلي عن المخضرم سلامة حماد لفائدة توفيق يوسف الحلالمة في منصب وزير الداخلية.
وتضم الحكومة الجديدة 32 عضوا يهيمن عليهم خليط من الخبراء والساسة المحافظين الذين كان لهم نفوذ كبير في حكومات سابقة.
وأوضح الخصاونة في رد على كتاب التكليف أن حكومته ستركز على الملف الوبائي الذي يحتل أولوية ومعالجة تداعياته الاقتصادية والاجتماعية.
وقال إنه سيجري تشكيل فريق حكومي من الوزراء المختصين للعمل على سرعة إنجاز المهام والقرارات المتعلقة بمواجهة الوباء لرفع التنسيق والمتابعة بين الوزارات واللجان القطاعية المعنية، ولسد أي ثغرات حيثما وجدت، ولضمان متابعة تنفيذ القرارات بالنسبة لمواجهة الوباء وغيره من الملفات، وقد تضمنت التشكيلة الحكومية وزيرا يتولى شؤون التنسيق والمتابعة لمختلف الإجراءات والقرارات الحكومية المتخذة بهذا الشأن.
ولفت إلى أن الحكومة ستعمل على الإسراع بإنشاء المركز الوطني للسيطرة على الأوبئة والأمراض السارية ووضع الإطار القانوني والهيكلي لهذا المركز بما يلبي الأهداف المرجوة من إنشائه سواء في الجوانب العلاجية والوقائية والبحثية والرقابية، بحيث يكون قائما وعاملا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وتواجه الحكومة الجديدة مهمة شاقة لإنعاش النمو في اقتصاد من المتوقع أن ينكمش بنحو 6 في المئة هذا العام، حيث يشهد الأردن أسوأ أزمة اقتصادية منذ سنوات زاد فيها الفقر والبطالة بسبب الجائحة.
وشهد الأردن هذا الشهر ارتفاع عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا تقريبا إلى مثلي العدد منذ بداية ظهور الحالات في مارس مما أثار تحذيرات من انهيار القطاع الطبي إذا خرج التفشي عن نطاق السيطرة.
وأشار الخصاونة إلى أن “الحكومة ستضع نصب أعينها التحديات الداخلية والخارجية والوضع الإقليمي الصعب، لكن كل تلك التحديات لن تكون مشجبا للركون والتباطؤ، بل حافزا على العمل الموصول والمبادرة الجادة للإيفاء بأمانة المسؤولية التي أوكلتموها للحكومة، منطلقين في ذلك من مبدأ الاعتماد على الذات”.
وستشرف حكومة الخصاونة الجديدة على الانتخابات النيابية المقررة يوم العاشر من نوفمبر وسط ترجيحات بأن تحافظ القوى العشائرية على ثقلها، مقابل تراجع القوى الحزبية.