دور النشر العربية تستعيد حيويتها في معرض العراق للكتاب

معرض العراق للكتاب يقدم في فعالياته 80 ندوة وجلسة نقاش وطاولة حوارية في مجالات الشعر والسينما والمسرح والنقد.
السبت 2020/12/12
إقبال كبير على المعرض

تسبب انتشار فايروس كورونا المستجد في تأجيل العديد من المحافل الثقافية والمعارض الدولية مثل معارض باريس ولندن وأبوظبي ولم يكن معرض بغداد ببعيد عن ذلك إذ تسببت إجراءات الغلق في تأجيله عديد المرات خلال العام الحالي، إلى أن استقر على تنظيمه هذه الأيام حيث يحقق المعرض في أيامه الأولى نجاحا لافتا.

بغداد- يحقق معرض العراق الدولي للكتاب، الذي افتتحه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأربعاء، نجاحا لافتا في دورته الجديدة التي حملت اسم الشاعر العراقي مظفر النواب.

وقال مراسل “العرب” في بغداد إن حجم المشاركة في هذه الدورة من المعرض كان استثنائيا، إذ احتضنت العاصمة العراقية نحو 440 دار نشر تمثل 20 بلدا عربيا.

نجاح كبير

منذ افتتاحه صباح الأربعاء غصت أجنحة المعرض بالآلاف من الزوار العراقيين الذين سجلوا إقبالا لافتا على شراء الكتب. وتوقع المنظمون مشاركة نحو 600 ألف شخص من داخل وخارج العراق ضمن فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب في دورته للعام 2020، وهو أمر غير مسبوق.

وقدمت العديد من دور النشر خصومات على الأسعار وصلت إلى 50 في المئة في بعض الأحيان لتشجيع القراء على اقتناء الكتب.

العاصمة العراقية بغداد احتضنت نحو 440 دار نشر تمثل 20 بلدا عربيا
العاصمة العراقية بغداد احتضنت نحو 440 دار نشر تمثل 20 بلدا عربيا

وقال منظمو المعرض إن دور النشر المختلفة نقلت نحو مليون كتاب إلى العراق للمشاركة في هذه الفعالية الضخمة التي أقيمت على أرض معرض بغداد الدولي في حي المنصور الراقي ببغداد.

ورفعت دورة العام الماضي سقف الطموحات بشأن معرض الكتاب السنوي في بغداد، حيث حققت نجاحا كبيرا على مستوى مساهمة دور النشر العربية المهمة والحضور الجماهيري الكبير والتغطية الإعلامية الواسعة. لكن الدورة الحالية لم تخيّب الآمال، وربما تميزت عن دورة العام الماضي من حيث دقة التنظيم والقدرة على استقبال عدد أكبر من دور النشر والزوار العراقيين والعرب.

ومن بين أبرز ضيوف الشرف في معرض العراق للكتاب، الكاتب المصري يوسف زيدان والإعلامي المصري إبراهيم عيسى ومواطنه الناقد جابر عصفور، ومن أبرز المشاركين من العراق نذكر الرسام فيصل لعيبي، الشاعر موفق محمد، والمطرب المخضرم ياس خضر.

ويقام المعرض في 5 صالات كبيرة، ويخصص الشارع الذي يفصل بين الصالات للكتبيين وباعة نوادر الكتب في شارع المتنبي وسط بغداد.

دور النشر المختلفة نقلت نحو مليون كتاب إلى العراق للمشاركة في هذه الفعالية الضخمة التي تشهد إقبالا واسعا

وقد اتخذت إدارة المعرض إجراءات احترازية مشددة للوقاية من جائحة كورونا، بتوفير كمامات إضافة إلى بوابات وأجهزة تعقيم ذكية في الصالات، مع المحافظة على التباعد الاجتماعي.

ويأتي افتتاح المعرض بعد تأجيله مرات عدة جراء أزمة جائحة كورونا التي تجتاح العالم، إذ كان من المقرر إقامته في مارس الماضي قبل أن يتم تأكيد موعده الجديد من 9 إلى 19 ديسمبر عبر بيان لاتحاد الناشرين العرب، برئاسة الناشر محمد رشاد.

أوكلت مهمة تنظيم المعرض هذا العام إلى مؤسسة “المدى” التي يديرها الصحافي فخري كريم. وتملك المدى خبرة واسعة في مجال تنظيم معارض الكتاب في بغداد وأربيل ودمشق، لذلك تميزت دورة معرض الكتاب الحالية بالبراعة الفائقة في التنظيم والترويج الواسع للفعالية قبل انطلاقها، ما وضعها في خانة متقدمة إعلاميا منذ أسابيع.

وقال الكاظمي خلال افتتاح المعرض، إن “الثقافة هي أساس التغيير في كل مجتمع، ويمثل الكتاب العنصر الرئيس في أي عملية إصلاح ثقافي، فقد بدأ الباري كتابه بالدعوة إلى القراءة، وأعلت الأديان من شأن الكتاب والقراءة، فمن هنا تبدأ رحلتنا ومن هنا نستمد قوّتنا”.

وأضاف “إننا نجتمع اليوم للاحتفاء بروح العراق، روح هذا البلد الذي قاوم لآلاف السنين كل أنواع التقسيم والتهميش والاحتلال، لكنّه قاومها بالثقافة، التي هي صنعة العراقيين وهي جوهر احتفاء الإنسانية بهم”، مشيرا إلى أن “هذا المعرض يأتي في سياق فهم العراقيين للفن والثقافة والإبداع، وأن الأمم تبنى بمفكريها ومبدعيها وعلمائها، وتتوحد بهم، وتكبر بهم وهم وسيلتها لحفظ إرثها عبر التأريخ”.

وقال المنظمون إن حجم الإقبال الكبير على اقتناء الكتب خلال هذه الدورة كان استثنائيا، مستذكرين المقولة الشهيرة التي تشير إلى أن الكتب تُكتب في القاهرة وتطبع في بيروت وتُقرأ في بغداد.

وتحدث مدونون عراقيون عن “أجواء العرس الثقافي” في بغداد داخل أروقة معرض الكتاب الذي استقطب جمهورا من مختلف المحافظات العراقية.

وتميزت الدورة الحالية من المعرض بسلاسة التنظيم داخل أروقة المعرض وخارجها، إذ عبر كثيرون عن ارتياحهم لسهولة الوصول إلى أجنحة العرض في مدينة عُرفت بالتشدد الأمني الذي يقيد الحركة إلى حد بعيد خلال أي مناسبة عامة تشهد تجمعا كبيرا للجمهور.

فعاليات ثقافية

ملتقى كل الأعمار
ملتقى كل الأعمار

يفتح المعرض أبوابه أمام الزوار على الساعة العاشرة صباحا وحتى العاشرة مساء، ويشمل فعاليات فنية وثقافية وإعلامية، منها أمسيات رقص شعبي وغناء وشعر إضافة إلى ندوات متنوعة بمشاركة شخصيات عراقية وعربية.

وتتضمن فعاليات المعرض 80 ندوة وجلسة نقاش وطاولة حوارية في مجالات الشعر والسينما والمسرح والنقد، يشارك فيها مثقفون وباحثون عراقيون وعرب، ويسجل الجمهور خلالها مداخلات مثيرة.

وتتوزع الفعاليات الثقافية التي تصاحب أيام معرض على أوقات مختلفة من الصباح إلى المساء. ووفقا للجدول المقرر من قبل إدارة المعرض، فقد وضعت الفعاليات الثقافية لغرض تعزيز العامل الحيوي، لاسيما في اختيار الموضوعات والشخصيات التي تتم استضافتها، فضلا عن حفلات توقيع الكتب وعرض الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة.

ولاقت الندوات خلال اليومين الأولين من المعرض استحسان الحاضرين، وشهدت تفاعلا عاليا على صفحات مؤسسة المدى على منصات مواقع التواصل الاجتماعي خلال بثها بشكل مباشر، وهو ما يضع العديد ممن تعذّر حضورهم من القرّاء والمتابعين المهتمين على تماس مباشر مع فعاليات المعرض.

الحرف والفنون الشعبية حاضرة في أكثر من جناح بالمعرض
الحرف والفنون الشعبية حاضرة في أكثر من جناح بالمعرض

ونذكر من بين هذه الندوات الندوة التي التأمت في ثاني أيام المعرض للاحتفاء بسيرة الكاتب العراقي غائب طعمة فرمان، والتي تحدث خلالها الناقد والباحث شكيب كاظم عن حياة الكاتب والمثقف، معتبرا أن العقد الثالث من القرن العشرين أنجب مبدعين عراقيين على مستوى الشعر والقصة والرواية والخط والرسم النحت وشخصيات ثقافية لن تتكرّر، منها بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وجواد سليم وعبدالوهاب البياتي وعبدالملك نوري ونزار سليم وسعاد سليم وآخرون والناقد غائب طعمة فرمان منهم.

ومن جهته يقول مدير منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق الشاعر عمر السراي، إن “ما يعزز العمل الثقافي ومعارض الكتاب عادة بوصفها ليست أماكن لبيع الثقافة، هو تواجد نشاط ثقافي مرافق للجهد التنظيمي في عرض الكتاب، نلاحظ في معرض العراق الدولي ومن خلال يوميه الأول والثاني تصاعد نشاط ثقافي متميز يوازي وجود الدور العربية والعراقية والعالمية”.

وأشار السراي في تصريحات صحافية إلى أن “النجاح الثقافي لم يقتصر على افتتاح المعرض فقط والفعاليات الثقافة، بل شهد افتتاحا مهيبا بتواجد أسماء أدبية رائعة مع لحظة قص شريط الافتتاح”. ويستمر المعرض لمدة 11 يوما، وسط توقعات مبكرة بتمديد غير رسمي، فيما لو استمر الإقبال بهذا الشكل اللافت.

ويتفق الكثيرون في بغداد على أن الصورة داخل وفي محيط معرض الكتاب، لا تشبه الصورة العامة للعاصمة العراقية ولا للبلاد بشكل عام، حيث تتلاشى الآمال بإمكانية تحقيق تغيير سياسي يسهم في محاربة الفساد الذي أنهك مؤسسات الدولة وتسبب في حرمان المواطن من أبسط حقوقه على مستوى الخدمات.

13