دور النشر الجزائرية.. عامان من المعاناة في غياب الدعم

نشر المؤلف على نفقته الخاصة لن ينقذ قطاع النشر.
الاثنين 2021/08/23
أوضاع الناشرين تزداد سوءا

فاقمت جائحة كوفيد - 19 التي ضربت الجزائر على غرار كل بلدان العالم، الوضعية الصعبة التي يعيشها قطاع النشر ما أدى إلى انخفاض في إصدارات العناوين الجديدة وتوقف للعديد من دور النشر والمطابع، وفقا لناشرين ومطبعيين جزائريين.

الجزائر - كانت مهنة النشر في الجزائر قبل ظهور وباء كورونا (كوفيد - 19)، تعاني من مشاكل مختلفة منها ما هو متعلّق بسوق الكتاب، وأسعار الورق التي تخضع لتقلُّبات السوق العالمية.

ومع ظهور وباء كورونا أواخر سنة 2019، واجتياحه مختلف أصقاع العالم، مع ما رافقه من آثار سلبية بسبب ظروف الإغلاق والحجر المنزلي، تضاعفت معاناة الناشرين، خاصة صغار الناشرين الذين دخلوا سوق الكتاب قبل سنوات قليلة.

كارثة شاملة

تراجعت المبيعات وتأجلت مواعيد النشر بسبب غياب التسويق والترويج، خصوصا في ظل توقف بعض الأطراف الفاعلة في صناعة الكتاب كالمكتبيين والموزعين تحت وطأة الخسائر المالية التي تكبدوها خلال الفترة الأخيرة، وكذا إلغاء المعارض الوطنية والدولية والتظاهرات الثقافية والمواعيد الترويجية للكتاب.

يرى أحمد ماضي، مدير دار “الحكمة” ورئيس النقابة الوطنية لناشري الكتب (سنال)، أن القطاع في وضعية “كارثية منذ سنوات” في ظل “غياب سياسة ثقافية” ما جعل “العديد من دور النشر والمطابع تختفي أو تتوقف ظرفيا عن العمل أو تغير نشاطها”، على حد قوله.

ويرجع المتحدث هذا الوضع لعدة عوامل بينها “تراجع دعم الدولة للقطاع بسبب سياسة ترشيد النفقات” و”تقلص” أعداد المكتبات وارتفاع تكاليف الطباعة بالإضافة إلى تراجع الكتاب الورقي أمام الوسائط الرقمية.

ويشدد ماضي على أن الجائحة وإجراءات الحجر “فاقما هذا الوضع الصعب وأصابا القطاع بالشلل” بتوقف حركة البيع وغلق المكتبات وإلغاء مختلف الفعاليات المتعلقة بالكتاب.

الجائحة كانت كارثية على الناشرين إذ عجزوا بفعل إلغاء الكثير من التظاهرات عن الاستمرار في نشر الكتاب

ويشير الناشر سفيان بن نعمان، صاحب دار النعمان للنشر، أنّ آثار هذه الجائحة كانت كارثية على الناشرين، بكلّ ما تحمل كلمة “كارثة” من معنى، إذ عجز الناشرون بفعل إلغاء الكثير من التظاهرات الوطنية والدولية عن الاستمرار في نشر الكتاب بالوتيرة نفسها التي كانوا يشتغلون بها قبل ظهور هذه الجائحة.

ويؤكد أنّ مؤسّسته لم تُقْدِمْ على إصدار ولا عنوان واحد على حسابها، بل اتّجهت إلى النشر على نفقة المؤلف، ومع ذلك لم يتجاوز عدد العناوين التي أصدرتها الدار 15 عنوانًا منذ بداية جائحة كورونا.

وأشار إلى أنّ الآثار السلبية على الناشرين لم تكن بالحجم نفسه، وإنّما كانت بأشكال متفاوتة، فالناشرون الذين يملكون مطابعهم الخاصّة تأثّروا بصورة أقلّ من نظرائهم الذين لا يملكون مطابع خاصة أو شبكات توزيع.

ويُضيف بأنّ أوضاع الناشرين ازدادت سوءًا بسبب غياب كلّ أشكال الدعم وتوقُّف حركة توزيع الكتاب، وحرمان دور النشر من التظاهرات الدولية والوطنية الخاصة بالكتاب، والتي أُلغيت طيلة عامين كاملين، خاصة تظاهرة صالون الجزائر الدولي للكتاب.

ولم يستبعد سفيان بن نعمان أن تؤجّل الدورة المقبلة من صالون الجزائر الدولي للكتاب، أو أن يقتصر تنظيمها على الناشرين المحليّين وممثّلي عدد من دور النشر الأجنبية بفعل توقّف حركة الملاحة البحرية والجوية.

إمكانية إنقاذ القطاع

قطاع يعاني الكثير من الصعوبات
قطاع يعاني الكثير من الصعوبات

ولا تختلف الوضعية كثيرًا بالنسبة إلى دار نسيب للنشر، وهي واحدة من دور النشر الصغيرة التي انطلقت في العمل قبل سنوات قليلة، حيث لم يتجاوز عدد إصدارات الدار خلال هذا العام بحسب مديرها نورالدين نسيب، عنوانين فقط، بفعل الوضعية المالية الصّعبة التي تمرُّ بها هذه المؤسّسة.

من جانب آخر، يؤكد ميلود كراشني (دار الماهر للنشر) أنّ إلغاء عملية تنظيم صالون الجزائر الدولي للكتاب، لعامين متتاليين، دفع الكثير من الناشرين الجزائريين إلى الانكفاء على الذات، والعمل في الحدود الدنيا، حيث لم يتعدّ عدد العناوين، التي أصدرتها دار الماهر للنشر، أصابع اليد الواحدة منذ بداية جائحة كورونا.

ويرى عبدالحكيم بحري، مدير دار بهاء الدين للنشر والتوزيع، أنّ جائحة كورونا أثّرت في الكثير من النشاطات التجارية التي كانت ترفد الناشرين بمصادر دخل إضافية، خاصة تلك التي كانوا يُحصّلونها من تصدير الكتاب والمشاركة في معارض الكتاب العربية والدولية، والتي تعطّلت بدورها بفعل تداعيات هذه الجائحة.

ويُضيف صاحب دار بهاء الدين للنشر والتوزيع أنّه من حسن حظ مؤسّسته، خلال جائحة كورونا، حصولها على مشروع حكوميٍّ تمثل في إصدار موسوعة علميّة جعلها تتنفّس الصعداء من الناحية المادية، في انتظار أن تنقشع هذه الجائحة بكلّ ما رافقها من آثار سلبية على دور النشر الجزائرية.

الأزمة مثلت فرصة لإعادة النظر في طريقة العمل فيما يدعو الناشرون وزارة الثقافة والفنون لدعم القطاع

ولكن لم يتوقف تأثير الجائحة على دور انشر الخاصة بل طال حتى مؤسسات النشر الحكومية، فقد تقلص أيضا النشر بالمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (إيناق) بسبب الجائحة ما اضطرها للعمل فقط على “الكتاب الطبي وشبه المدرسي” وفقا للملحق الصحفي بالمؤسسة فاضل زاكور الذي يضيف أن “إيناق” كانت تصدر سابقا “من 60 الى 70 عنوانا سنويا غير أنه انخفض هذا العام لحوالي 20 فقط”.

لكن الجائحة مثلت أيضا فرصة لإعادة النظر في طريقة العمل بالاعتماد أكثر على التسويق الرقمي وتطبيق سياسة التخفيضات الدورية وكذا السعي لفتح مكتبات جديدة عبر المحافظات كمكتبة عنابة.

ودعا الناشرون لتجاوز الأزمة وزارة الثقافة والفنون لتفعيل ميكانيزمات لدعم الناشرين وكذا “تفعيل المركز الوطني للكتاب” الذي من المفروض أن يقدم تقارير رسمية حول هذا القطاع وينهض بمجال صناعة الكتاب والترجمة.

وكان تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) قد كشف في وقت سابق أن قطاع النشر في العالم من المتوقع أن يتقلص بـ 7.5 بالمائة بسبب الجائحة، ورغم ذلك يظل الناشرون وحتى المكتبيون مستبشرين بإمكانية إصلاح الوضع رغم كارثيته.

14