دوافع أمنية وحسابات سياسية خلف تقييد دخول السوريين إلى مصر

التعامل المصري مع السوريين القادمين إليها يرتبط بموقفها من الإدارة السورية الجديدة.
الأربعاء 2025/01/08
الوضع اختلف بالنسبة إلى السوريين في مصر

القاهرة - كشف توسع السلطات المصرية في إصدار قرارات تقيد دخول السوريين إلى أراضيها عن رغبة في إرسال إشارة للإدارة الجديدة في دمشق، مفادها أن التحريض الذي صدر عن محسوبين عليها أو قريبين منها ضد القاهرة لن يتم تجاهله، وأن الإسراف في منح الجنسية السورية لمطلوبين أمنيا لدى مصر سيقابل بإجراءات قد تقلص أعداد السوريين في البلاد.

وأصدرت وزارة الطيران المدني بمصر قبل أيام قرارا لجميع شركات الطيران بعدم السماح بقبول الركاب السوريين القادمين للبلاد من مختلف دول العالم إلا بعد الحصول على موافقات من الجهات (الأمنية) المعنية، عدا حاملي الإقامة المؤقتة لغير السياحة.

وجاء القرار بعد أن عممت مصر في ديسمبر الماضي وقف دخول السوريين من حاملي الإقامة الأوروبية والأميركية والكندية دون الحصول على موافقة أمنية.

ويرتبط التعامل المصري مع السوريين القادمين إليها بموقفها من الإدارة السورية الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام، وهي تنظيم إسلامي كان ينتمي في السابق لتنظيم القاعدة.

نصر سالم: الحذر المصري مطلوب لحين اتضاح الرؤية
نصر سالم: الحذر المصري مطلوب لحين اتضاح الرؤية

وظهر قلق القاهرة عبر الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد الماضي، وطالب عبره أن “تكون عملية الانتقال السياسي في سوريا شاملة، وتتم بملكية وطنية بعيدا عن أية إملاءات خارجية، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا.”

وانتقد الإعلامي أحمد موسي، وهو قريب من الحكومة المصرية، عبر برنامجه “على مسؤوليتي” على فضائية “صدى البلد”، مساء السبت، صدور خطابات تحريضية ضد الدولة المصرية من منابر سورية الأيام الماضية، قائلاً “عندما نجد خطابات تحريضية ضد الدولة لازم ننتبه ونعرف أنه في أصوات لا تمثل أبدًا الشعب السوري.”

ونوه إلى حق أي دولة اتخاذ قرارات تحافظ على شعبها وأمنها القومي، حيث تم منح الجنسية السورية للآلاف من العناصر والميليشيات الإرهابية في غضون أيام قليلة.

وأثار الناشط المصري الحاصل على الجنسية التركية عبدالرحمن يوسف القرضاوي جدلا بعد أن بث فيديو من ساحة المسجد الأموي في دمشق تضمن عبارات مسيئة لعدد من الدول العربية، بينها مصر، وتم توقيفه بعدها في مطار رفيق الحريري ببيروت بناء على مذكرة توقيف صادرة عن الإنتربول الدولي، واستناداً إلى حكم أصدره القضاء المصري بجرائم ارتكبها تتعلق بالتحريض على العنف والإرهاب.

وأكد الخبير في شؤون الأمن القومي محمد عبدالواحد أن وجود تنظيمات جهادية على رأس السلطة في سوريا أحدث ارتباكا لدى مصر، التي عانت من موجات إرهاب منذ سبعينيات القرن الماضي، وصولا إلى ما بعد يونيو 2013، وتجد مصر نفسها مجبرة على اتخاذ إجراءات مشددة لحماية أمنها القومي، فهي تدرك أنه بات من السهل على عناصر تنظيم الإخوان وغيره من التنظيمات الإرهابية الحصول على أوراق ثبوتية سورية وجوازات سفر تمكنهم من التسلل إلى الداخل المصري.

محمد عبدالواحد: مصر ليست مرتاحة لما يحدث في المنطقة
محمد عبدالواحد: مصر ليست مرتاحة لما يحدث في المنطقة

وأشار عبدالواحد في تصريح لـ”العرب” إلى أن مصر لاحظت أن بعض الدول الكبرى وتلك التي تتنافس على النفوذ الإقليمي تشجع التنظيمات الجهادية، وتدعم تواجدها على رأس السلطة في دمشق، ما يشي بازدواجية للمعايير، في وقت يتشكل فيه تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، وأن الزيارات الأخيرة لمسؤولين أوروبيين لدمشق زادت من قلق القاهرة، حيث تمنح تلك الدول مشروعية لمن وصلوا للسلطة من خلال العنف.

وذكر عبدالواحد أن القاهرة طرحت تساؤلات حول ما يحدث الآن وهل هو ترسيخ للجهادية في سوريا أم هناك رغبة دولية لتوظيف هذا التيار في دول أخرى؟

وألمح إلى أن قرارات مصر بشأن تحجيم دخول السوريين رسالة تؤكد أنها ليست مرتاحة لما يحدث في المنطقة، وغير موافقة على قرارات المجتمع الدولي والداعمين للإدارة الجديدة في دمشق ممن يضرون بالمصالح المصرية والعربية أيضا، فتوظيف الإسلام السياسي السني، كما الميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران، تؤثر سلبا على أمن مصر ودول الخليج، مع تحفيز جماعة الإخوان عناصرها في دول عدة.

وبدت إجراءات القاهرة الصارمة في التعامل مع دخول السوريين مرتبطة برؤيتها بأن إدارة هيئة تحرير الشام سوف تمضي في تنفيذ أجندة تحاول من خلالها تكريس وصولها إلى السلطة عبر اللجوء لمنهج “التقية.”

ذكر الخبير العسكري اللواء نصر سالم أن مصر أمام نظام لم تظهر معالمه بشكل كامل، وهناك أكثر من عشر تنظيمات إرهابية على الأقل تتواجد في صدارة المشهد الحالي، معظمها ينحدر من جماعات الإسلام السياسي، ولها أجندات أجنبية لا علاقة لها بالأمن القومي العربي، وأن جزءا كبيرا ممن تواجدوا في سوريا باتوا يشكلون تهديدا محتملا لمصر بعد أن تم نقل بعضهم إلى الأراضي الليبية بواسطة تركيا.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحذر المصري مطلوب لحين اتضاح الرؤية، وأن القاهرة لن تتخذ قرارات من شأنها منع دخول السوريين بشكل مستدام وتنتظر كي تكشف معالم الرؤية وتكون لديها معلومات دقيقة حول من يريدون دخول مصر، ومن المهم التحوط لبوادر صراع في سوريا قد يتمدد إقليميا.

وقال نصر سالم إن تعامل مصر مع السوريين الذين فروا وقت اندلاع الحرب منذ سنوات يختلف عن التعامل مع تنظيمات إرهابية اعتادت تدبير مخططات معادية، وهناك أشخاص ضالعون في جرائم ضد الأمن القومي المصري، وأن الإجراءات الأخيرة هدفها إحكام السيطرة، بقطع النظر عن كونها تقيد حركة السوريين لمصر.

2