دمشق تستنجد بالقطاع الخاص لإدارة المشاريع الحكومية المتوقفة

اضطرت الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوة وصفها الخبراء بـ”الكارثية” تتمثل في إلقاء حمل المشاريع الحكومية المتعثرة على شركات القطاع الخاص المتأثرة أصلا من أزمات مالية لا حصر لها بسبب الحرب، في محاولة يائسة على ما يبدو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل اشتداد عقوبات “قيصر”.
دمشق - أعلنت وزارة الصناعة السورية عن خطة لتحقيق الاستثمار الأمثل للإمكانيات والموارد المتاحة تتضمن إجراء ترميم جزئي لخطوط إنتاج ومنشآت لرفد الخزينة العامة بموارد إضافية مع الاستنجاد بالقطاع الخاص لإدارة المشروعات المتوقفة.
ويرى محللون أن الخطوة تكشف حالة الاختناق المالي، التي بلغها النظام السوري بعد الانتكاسات العسكرية وتراجع سعر صرف الليرة إلى أدنى مستوياته منذ اندلاع الثورة قبل أكثر من تسعة أعوام.
كما يكشف تراجع الدعم المالي، الذي كانت تتلقاه دمشق من حليفتيها إيران وروسيا، بسبب المتاعب الاقتصادية التي تواجهها تانك الدولتان نتيجة تراجع أسعار النفط والعقوبات الغربية.
وتتضمن الخطوة الاعتماد على القطاع الخاص بحيث تدخل في شراكات لتنفيذ المشاريع المتوقفة مع شركات القطاع العام، التي لم يعد بمقدورها النشاط بسبب الأزمة المالية مع اختناق مفاصل الاقتصاد السوري المنهار.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية إن وزارة الصناعة شكلت لجنة مركزية لدراسة واقع العقارات التابعة لها واستثمارها بما يحقق المنفعة الاقتصادية وتصنيفها وفق عدة محددات.
وتشمل الخطة إعداد خارطة عقارية لكل مؤسسة عامة صناعية مع العمل على استثمار العقارات، التي تخرج عن العملية الإنتاجية إضافة إلى إعادة التوازن السعري لبعض بدلات الإيجار وفق أسس اقتصادية وقانونية بما يضمن المصلحة العامة.
وتكافح السلطات من أجل الواقع القانوني لعقارات الحكومة وتثبيت ملكية المستملكة منها والمؤممة لدى المصالح العقارية والتنسيق مع وزارة العدل لاتخاذ الإجراءات المناسبة لإزالة التعديات الحاصلة ومنع أي تعديات جديدة.
كما أشارت إلى بدء إعداد مشاريع الصكوك التشريعية لحل الشركات “المدمرة كليا” والمتوقفة عن العمل، والتي لا تحقق الريعية الاقتصادية والجدوى المطلوبة عبر اللجنة المشكلة لهذه الغاية في الشهر الخامس من العام الجاري.
ويرجح محللون عدم نجاح الخطة لأن متاعب الشركات السورية تتفاقم يوما بعد يوم وهي تترنح بسبب مشاكلها المالية العميقة منذ بداية الحرب في سوريا وقد زادت من تضييق الخناق عليها مسألة انسداد آفاق الحصول على التمويلات اللازمة لاستمرار نشاطها بفعل اشتداد الحظر الأميركي وانهيار الليرة.
وتقول وزارة الصناعة إنها أعدت قائمة بالمشروعات الاستثمارية التي يمكن طرحها للشراكة مع القطاع الخاص.
ومن بين المشروعات إنتاج القوارير الزجاجية والدوائية في معمل زجاج حلب وإعادة تأهيل واستثمار شركة سكر مسكنة وشركة سكر الرقة وإعادة تأهيل معمل خميرة شبعا.
وتريد دمشق إعادة بناء وتأهيل واستثمار كل من الشركة العربية لصناعة الإسمنت ومواد البناء وشركة الشهباء لصناعة الإسمنت وشركة حلب لصناعة منتجات الإسمنت الإميانتي وتطوير معمل إسمنت الرستن وإعادة تأهيل وتطوير واستثمار خطوط الإنتاج في الشركة العربية لصناعة البورسلان وإنشاء معمل لتعبئة وتصنيع البيرة والعصائر والمياه الغازية.
وتواجه الشركات الخاضعة لسيطرة النظام السوري أزمة غير مسبوقة تهدد بقاءها بسبب نقص التمويلات التي تساعدها في استدامة أنشطتها.
ويغذي هذه المشكلةَ، التي يبدو أن حلها صعب في الوقت الراهن، الكثيرُ من العوامل من بينها العقوبات الأميركية، التي زادت من شدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب مع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ قبل أسابيع.
ويؤكد الصناعيون أنهم يواجهون تحديات شاقة، أبرزها نقص إمدادات الكهرباء وقلة العمال والعقوبات الدولية، إضافة إلى صعوبة التواصل مع الزبائن، كما أن تحويل الأموال صعب وكذلك الحصول على قطع الغيار.
وما يزيد من الأزمة هو تراجع قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية أمام الدولار، والمستقر سعرها عند 2500 ليرة للدولار الواحد في السوق السوداء، مقارنة مع 990 أو ألف ليرة على أقصى تقدير مقابل الدولار في نهاية العام الماضي.
وفي محاولة لمنح القطاع الصناعي جرعة أوكسجين، بحث مصرف سوريا المركزي في يوليو الماضي، مع اتحاد غرف الصناعة السورية سبل تذليل العقبات المزمنة التي يواجهها الصناعيون في معاملاتهم المصرفية في ظل تشديد الإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب المفروضة على دمشق.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد أصدر في مايو 2015 مرسوما يقضي بالسماح بإنشاء شركات قابضة لإدارة مناطق البلاد، التي لا تزال تابعة لحكومة دمشق بشكل كامل.
وتضمن المرسوم حينها “جواز إحداث شركات سورية قابضة مساهمة خاصة، بناء على دراسات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية بهدف إدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية أو جزء منها”.
ويرى مراقبون أن ذلك الإجراء غير مسبوق في تاريخ سيادة الدول، حيث عطل ما تبقى من إدارة الدولة لصالح شركات خاصة تهدف إلى تحقيق أقصى العوائد، كما أنه يتضارب ذلك مع مصالح السكان.
وقدّر صندوق النقد الدولي العام الماضي، انكماش الاقتصاد السوري بشكل عام بنحو 57 في المئة أثناء الحرب، وأن انكماش قطاع الصناعة وحده بلغ 77 في المئة، بيد أن الأمر سيزداد صعوبة مع القيود الأميركية وأزمة كورونا، والتي أرخت بظلال قاتمة على الاقتصاد السوري.