دع القلق وانسَ الحياة

بغياب المجهول، يغيب القلق ويحلّ محلّه خوف آخر على الحياة ذاتها في زمن كورونا. وهكذا.
الجمعة 2022/02/11
الحقيقة أنك متروك وحيداً أمام مصيرك

العالم في لحظة تحوّل. قبلنا ذلك أم أنكرناه، تغلب فيه العلم الحديث والحكومات ما بعد الحداثية على حقبتنا الحالية أم تأقلما معها، نحن نعيش زمناً مختلفاً. ليس على مستوى التكنولوجيا والمناخ والعلاقات الاجتماعية وغير ذلك مما أثير الكثير من المخاوف حوله، إنما التغيير يشمل التصورات كلها.

أنت في هذا العالم، بالفعل جُرمٌ صغير، كما قال الشيخ الأكبر ابن عربي، مجرد ومضة، ملمح يكاد لا يُرى. وكما أنك تكاد لا تُرى فأنت أيضاً لا ترى جيدا.

المتغيرات من حولك كثيرة، وحين قالوا لك إن الفردية هي الخيار المستقبلي، لم تكن تصدّق. وكنت تعتقد أنها من خرابيط الأدب والفلسفة وفذلكاتها. لكن الحقيقة أنك متروك وحيداً أمام مصيرك، والفردية فيه ستكون في اختيارك مستقبلك، لأن ماضيك رسمه آخرون غيرك.

المستقبل لا يؤثث بسهولة، بل بالكثير من الوعي، ولم يعد يشفع لك تراخيك المعتاد وقيلولة ما بعد الغداء وشرب الشاي والاستماع إلى الأغاني الطويلة، ليتنا نستطيع العيش في ذلك العصر الآن، حين كنا نتهيأ لسهرة مع أم كلثوم وكأنها ما تزال حيّة بيننا، ومن كانوا قبلنا فعلوا أكثر من ذلك مع الراديو أو في حفلاتها الحية.

تغيّر السلطان، فتغيّر الزمان. هكذا قالت العرب. وحين قالت العرب ذلك كانت تعي أن القوة هي من يتحكم بالزمان، لكني كثيراً ما يطيب لي أن أعود إلى ابن المقفع المفكر العربي الكبير الذي قال للخليفة العباسي أبي جعفر المنصور في بغداد “أما سؤالك عن الزمان يا مولاي، فإن الزمانَ هو الناس”. وقد صدق مبكراً في ذلك، فالناس جوهر التحولات ومراياها، ولو تأملت حولك قليلاً لوجدتهم قد اختلفوا، لن أقول إلى الأسوأ، وقد لا يكون إلى الأفضل، لكنهم لم يعودوا أولئك الذين تعرفهم.

والسلطان الذي تغيّر دون أن تعي أنت بتغيّره هو سلطانك أنت على نفسك، وقدرتك على إدارة شأنك بحرية أكبر، حرية ستكون مسؤولاً عنها قبل بحثك عن البعد السياسي لمعنى الحرية، حرية إنشاء الوعي الخاص بك وحرية خلق الذات.

بقي من حديث المستقبل ضرورة أن تتخلى عن الخوف منه، وهي عادة إنسان الكهف، وسكان الصحارى والجزر البعيدة في البحار، فالغد لم يعد ذلك المجهول الذي تخاف منه إذا استعملت فقط أدوات القياس التي تستعملها لدراسة الخط البياني لدخلك المالي على شاشة الكومبيوتر، أو لو درست على هاتفك الذكي حالة الطقس خلال الأسبوع القادم لتعرف ما الذي يجب أن تجهزه لأطفالك من ملابس.

وبغياب المجهول، يغيب القلق ويحلّ محلّه خوف آخر على الحياة ذاتها في زمن كورونا. وهكذا

20