دع السوق يحل مشكلة تغير المناخ

الثورة الصناعية وانتصار الرأسمالية المتعطشة للموارد هما سبب مواجهتنا لتحديات المناخ وبدلا من تغيير النظام القائم نحتاج إلى تبني آلية الرأسمالية لتعزيز التغيير الحقيقي والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
الخميس 2021/11/04
مخطط سعودي واعد في إنتظار تحقيقه

يعتبر النهج المتبع لتغير المناخ والحد من انبعاثات الكربون معيبا. حيث فشلت الحكومات والمنظمات الدولية في تغيير مسار كوكبنا الذي يزداد احترارا. وليس هذا بسبب قلة المحاولات، ولكن الحقيقة المحزنة تكمن في أن الحكومات والمنظمات الدولية لم تكن قادرة على كبح شهية السوق العالمية للوقود الأحفوري. لكن هناك طريقة واضحة ومربحة للخروج من هذه الفوضى. فإن مفتاح تغيير هذا الخلل يبقى هو السوق نفسه. التكنولوجيا التي تقوم عليها الطاقة النظيفة والمتجددة تتسارع بشكل كبير، مع انخفاض تكاليفها، لتصبح الطاقة النظيفة نتيجة لهذه التطورات أرخص على جميع المستويات من الوقود الأحفوري التقليدي. ونظرا لأن قوى السوق تتبع هذه الاتجاهات، فإن أفضل ما يمكن أن تفعله الحكومات هو الاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المناخ والشركات المرتبطة بشكل هادف.

ويعدّ قرار المملكة العربية السعودية للحد من انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول سنة 2060 خبرا مرحبا به. ومع ذلك، فإن الفرصة الحقيقية لتعهد المملكة لم تتحقق بعد. نظريا، تتمتع السعودية، بصفتها أحد منتجي الهيدروكربونات الرواد في العالم، بتأثير كبير على كبح انبعاثات الكربون العالمية من خلال قدرتها على الحد من إنتاج النفط. لكن التحول الدراماتيكي في إنتاج النفط ليس واقعيا لأن العالم لا يزال يعتمد على الوقود الأحفوري. ولن تسمح السوق بذلك في هذه المرحلة لكن الأمور تتغير بسرعة. وعندما يكون الحصول على الكهرباء من الطاقة الشمسية وقيادة السيارة الكهربائية أرخص وأسهل، فلن يبقى مجال كبير للوقود الأحفوري. وتتمتع السعودية، مثل الدول الرائدة الأخرى في الخليج، بفرصة فريدة للاستثمار في مستقبل الطاقة هذا مع تحويل اقتصاد المعرفة الإقليمي من خلال متابعة هذه التطورات التاريخية باستثمارات كبيرة في تكنولوجيا المناخ.

ولا يقتصر المسار إلى الأمام على خفض الانبعاثات أو غرس الأشجار فقط، بل بالاستثمار الملتزم في تكنولوجيا المناخ. وقال لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الاستثمار بلاك روك، مؤخرا إن ألف شركة صاعدة يتخطى رأسمالها مليار دولار ستشارك في تكنولوجيا المناخ. وتحتاج المنظمات الدولية إلى ضمان استثمار رأس المال في تكنولوجيا المناخ في الدول النامية. ويوجد مجال كبير للحكومات للمساعدة في توجيه الطاقة إلى الدول الناشئة والنامية. وتصبح دول الخليج في وضع مثالي لتكون مُصدِّرة لتكنولوجيا المناخ بفضل علاقاتها القوية مع دول الأسواق الناشئة في أفريقيا وشبه القارة الهندية وآسيا.

وستحتل الطاقة النظيفة مرتبة عالمية في المستقبل القريب، وهذا أحد أسباب تفاؤل فينك. وتشير اتجاهات السوق والتكنولوجيا الحالية إلى أن هذا يمكن أن يتشكل في وقت أقرب بكثير مما نعتقد. خاصة إذا وضعنا في الاعتبار سعر الطاقة الشمسية كمثال على مدى سرعة تغير السوق. حيث انخفض سعر الكهرباء من مشاريع الطاقة الشمسية على نطاق المرافق بمقدار خمسة أضعاف على مدى العقد الماضي، وهذا يعادل انخفاضا في الأسعار بنسبة 80 في المئة. ويعني هذا الانخفاض الملحوظ أن بناء محطة جديدة للطاقة الشمسية يعد منافسا من حيث التكلفة مع محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم أو الغاز. ويكمن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب في أن التكاليف تنخفض بسرعة كبيرة بحيث تفوق التوقعات. وتقارب كلفة الكهرباء الشمسية في 2020 ربع السعر الذي توقعته وكالة الطاقة الدولية في 2010.

وسيجعلنا هذا نترك سوق الوقود الأحفوري وراءنا. لكن السؤال هو كم من الوقت سيستغرق هذا التحول وما إذا كان لدينا الوقت للانتظار. وتتشكل القوى بالفعل حيث يعمل السوق على تصحيح المسار من خلال اعتماد أعمق للطاقة المتجددة. ويكفي إلقاء نظرة على ارتفاع سعر سهم شركة تسلا موتورز والانفجار في مبيعات السيارات الكهربائية العالمية. وهناك أمثلة على التحول في كل مكان. ويمكن للحكومات تسريعه من خلال الاستثمار السياسي الذكي في تكنولوجيا المناخ و(كما نأمل) تجنب التنبؤات المفزعة المرتبطة بتغير المناخ.

ويمكن أن تتدخل منطقة الخليج هنا. حيث وضعت دوله الرائدة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالفعل أهدافا طموحة للطاقة الخضراء. وتخطط السعودية لبناء أكبر محطة هيدروجين خضراء في العالم تعمل بطاقة الرياح والطاقة الشمسية في مدينة نيوم. وتعد المشاريع طويلة الأمد أهدافا جيدة، لكن الاستثمارات الصغيرة في الشركات الناشئة الآن يمكن أن تكون حافزا للتغيير الحقيقي.

وتبقى دول الخليج في وضع يمكنها من دعم الجيل القادم من الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ مع قدرتها على الاستثمار والظروف المثالية للبحث والتطوير. ولا يقتصر هذا على مشاريع الطاقة المتجددة ولكن يمكنها التركيز على التكنولوجيا الزراعية وتطوير المدن الذكية وطاقة الهيدروجين الخضراء. ولا تعتبر هذه الاستثمارات ذات قيمة في المعركة العالمية ضد تغير المناخ فقط، بل هي ضرورية لبناء قوة اقتصاد المعرفة في المنطقة. ويمكن للخليج تصدير هذه التكنولوجيا إلى دول الأسواق الناشئة حول العالم. فعندما نفدت جل المياه في كيب تاون بجنوب أفريقيا في 2018، كانت الإمارات العربية المتحدة مستعدة لتصدير تكنولوجيا تحلية المياه لتخفيف الأزمة. وهذا مثال محدد على كيفية نشر منطقة الخليج صناعتها المتعلقة بالمناخ في جميع أنحاء العالم.

تعتبر تعهدات الحكومات الحد من انبعاثات الكربون كبيرة، لكنها ليست كافية. وتعد الثورة الصناعية وانتصار الرأسمالية المتعطشة للموارد سببا كبيرا في مواجهتنا لتحديات المناخ. وبدلا من تغيير النظام القائم، نحتاج إلى تبني آلية الرأسمالية لتعزيز التغيير الحقيقي في صناعة الهيدروكربونات والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.

9