دعوة أممية لمسؤولي ليبيا إلى انتقاء عباراتهم تكشف غياب سياسة اتصالية

الدبيبة يصف الانتقادات الحقوقية والشعبية لفرض الحجاب بالزوبعة الفارغة.
الأربعاء 2024/11/27
تصريحات كثيرة.. زوبعة فارغة

لفتت البعثة الأممية إلى ليبيا انتباه السياسيين في البلاد إلى خطورة الخطابات التي يدلون بها بشأن قضايا جدلية تؤثر على الرأي العام مثل قضية فرض الحجاب التي أثارت انتقادات شعبية وحقوقية، وكشفت غياب سياسة اتصالية للحكومة في التعامل مع مثل هذه القضايا.

دعت سميرة بوسلامة عضو فريق حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا، أصحاب المناصب في البلاد الى اختيار كلماتهم بعناية، لأن الاختيار الخاطئ لمفردات اللغة يمكن أن يتسبب في عواقب وخيمة، وذلك عقب تصريحات مثيرة للجدل أطلقها مسؤولون كشفت عن ضعف السياسة الاتصالية للحكومة وعدم وجود فريق قادر على التعامل مع قضايا الرأي العام.

وذكر بيان صحفي للبعثة الأممية، أن دعوة بوسلامة كانت ضمن ورشة عمل عبر الإنترنت عقدت ضمن برنامج “الشباب يشارك”، التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وهي المرة الأولى التي تطلق فيها مسؤولة أممية دعوة للسلطات الليبية وأصحاب القرار في البلاد، بانتقاء مفرداتهم وتلطيف عباراتهم، واختيار كلماتهم حتى لا تأتي بنتائج عكسية قد تزيد من تعقيد الوضع وتأبيد الأزمات.

وجاء الموقف الأممي في سياق احتدام الجدل في الشارع الليبي بخصوص قرار حكومي أعلنه وزير الداخلية عماد الطرابلسي، وهو يستهدف التضييق على النساء وقمع الحريات العامة والخاصة .

◙ الاستقطاب الحاد في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لعب دوراً كبيراً في تفاقم خطاب الكراهية في ليبيا

وفي محاولة لتهدئة المؤسسات الحقوقية والأطراف الدولية التي انتقدت القرار، قال رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة “أعطينا رتبا لأبنائنا من قادة الميليشيات لكي يتم تأطيرهم، بعد أن وجدنا أن هدفهم الدفاع عن البلاد، ومكافحة الجريمة، ونحتاج إلى عشر سنوات لكي تعود هذه القوات إلى قواعدها.”

وأضاف الدبيبة أن “وزير الداخلية عماد الطرابلسي، كان زعيم ميليشيا واليوم هو وزير الداخلية، وله مزايا أخرى في الحفاظ على الأمن” مشيرا الى أنه “وزير الداخلية أسرف في الحديث بخصوص الآداب العامة، وهذا الأمر أثار زوبعة فارغة.”

وحاول الدبيبة أن يمسك بالعصا من النصف حتى لا يثير غضب تيار الإسلام السياسي ولا انتقادات المؤسسات الحقوقية والبعثات الدبلوماسية، معتبرا أن قرار تأسيس “إدارة للآداب العامة” بوزارة الداخلية، “لا يمس الحريات وإنما يستهدف محاربة من يفسد الأخلاق والآداب العامة.”

وقال في كلمة له بملتقى شباب ليبيا الجامع بمصراتة “لن نكّون هيئة أمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من يجلدون الناس، فهذا لا يمشي مع الليبيين الذين هم أكثر شعب ملتزم دينيا.” مردفا “جميع الطالبات في مدارس ليبيا محجبات، وهذا لم يأت بالقوة وإنما بسبب تربية الأمهات في البيوت،” مشددا على ضرورة “محاربة من يمارسون أعمال السحر والشعوذة والمنكرات.”

وبحسب أوساط مطلعة، فإن مكتب الدبيبة تلقى مؤخرا الكبير من ردود الفعل السلبية بخصوص انتهاك حرية المرأة ومحاولة فرض قوانين متشددة على المجتمع الليبي، باقتراح فرض الحجاب الالزامي على النساء، الذي أثار موجة جدل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، وجاء في تغريدة:

وقال ناشط:

وجاء في تعليق:

IdreesAdel80970@
قرار فرض الحجاب اغرب قرار سمعته في حياتي، وبنظري قرار غير منطقي، وفيه تقييد لحرية البعض

كما أن هناك قوى دولية أعربت عن استيائها من اتجاه سلطات طرابلس لتبني سياسات مناقضة لقيم الحرية والمساواة، انطلاقا من مرجعيات دينية واجتماعية لم تعد تنسجم مع تطلعات المجتمع الليبي الى التحرر والتطور والرقي.
وقالت منظمة العفو الدولية أن “تهديدات وزير الداخلية بقمع الحريات الأساسية باسم الاخلاق تعد تصعيدا خطيرا في مستويات القمع الخانقة أصلًا في ليبيا بوجه الذين لا يمتثلون للمعايير الاجتماعية السائدة. إن اقتراحات فرض الحجاب الإلزامي على النساء والفتيات من عمر تسع سنوات، وتقييد الاختلاط بين الرجال والنساء، ومراقبة اختيارات الشباب الشخصية فيما يتعلق بقصات الشعر والملابس، ليست فقط مثيرة للقلق، بل تشكل أيضًا انتهاكًا لالتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي.”

ويرى مراقبون أن وزير الداخلية المكلف في حكومة الدبيبة أساء التقدير وفشل في التعبير عن أهداف حملته وفسح المجال أمام مظاهر التنكيل بالمرأة، وخاصة الناشطات الليبيراليات والرافضات لسياسة القطيع التي يجري تفعيلها من قبل سلطات طرابلس والميلشيات الموالية لها.

وأضافوا أن الطرابلسي لا يخفي رغبته في كسب نقاط مهمة في سياق صراعه من أجل دور سياسي مستقبلي، وذلك عبر العمل على كسب ثقة ودعم رئيس دار الافتاء الصادق الغرياني والقيادات الاسلامية المتشددة وكذلك الزعامات القبلية الداعمة لهذا الخيار. وبحسب اللجبة الدولية للحقوقيين “تواجه النساء والفتيات في ليبيا بالفعل التمييز على أساس الجنس والعنف والاحتجاز والقتل، ويتم دفعهن خارج الحياة العامة، بما في ذلك المساحات عبر الإنترنت، لمجرد ممارسة حقوقهن الإنسانية.”

◙ وزير الداخلية المكلف في حكومة الدبيبة أساء التقدير وفشل في التعبير عن أهداف حملته وفسح المجال أمام مظاهر التنكيل بالمرأة

وأضافت “إن نظام الوصاية الذكورية في ليبيا يلزم النساء بالفعل بالحصول على موافقة ولي أمرهن (المحرم)، أو الأب أو الأخ أو الابن، على سبيل المثال، للزواج أو السفر. وقد فرضت السلطات مرارًا وتكرارًا قيودًا على سفر النساء بمفردهن. ففي مايو 2023، قدم جهاز الأمن الداخلي، الذي يعمل تحت حكومة الوحدة الوطنية، استبيانًا إلزاميًا يطلب من جميع المسافرات غير المصحوبات من مطار معيتيقة في طرابلس تبرير سفرهن بدون محرم. تم سحب الاستبيان لاحقًا لكن جهاز الأمن الداخلي لا يزال يستجوب النساء المسافرات بمفردهن. ونتيجة لذلك، قد تقرر النساء عدم السفر لتجنب المضايقات والترهيب الذي قد يواجهنه في المطار.”

وناقش نحو 24 مشاركا ومشاركة من جميع أنحاء ليبيا سبل مكافحة خطاب الكراهية السائد في ليبيا، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وسلطوا الضوء على مدى كون خطاب الكراهية عاملا من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي، مع وجود خلط واسع النطاق بين ما يعدّ انتقاداً مشروعاً وما يمكن وصفه بخطاب كراهية.

وأكد المشاركون في ورشة العمل الأممية أن الاستقطاب الحاد في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لعب دوراً كبيراً في تفاقم خطاب الكراهية، وانتشار المعلومات المضللة بالبلاد. وأوصوا في ورشة العمل بمعالجة خطاب الكراهية في مراحل مبكرة، وذلك من خلال التثقيف في المدارس بشأن التنمر والجرائم الإلكترونية وإلحاق الأذى بالآخرين، وكذلك دعم السلطات مكافحة خطاب الكراهية، وزيادة الوعي بالمخاطر المحيطة بخطاب الكراهية بين الشباب من خلال مراكز الشباب والمجالس الشبابية.

وحثت الورشة على تنظيم حملات مناصرة دعم تغيير القوانين الليبية، بهدف التعريف بخطاب الكراهية، وضمان احترام هذه القوانين، ودعم المجتمع المدني واتحادات الطلبة ومنظمات تقصي الحقائق إعداد حملات المناصرة.

ودعا المجتمعون إلى دعم ضحايا خطاب الكراهية، وجمع مختلف المجتمعات المحلية معا للتغلب على الحواجز وإزالة الانقسامات الاجتماعية، ودعم استقلال وحرية وسائل الإعلام، بحيث لا يجرى تضخيم وجهات النظر المستقطبة، وإطلاق مبادرات إعلامية تعزز تجارب التعايش السلمي في جميع أنحاء ليبيا.
كما اقترحوا وضع دليل مهني شامل ومدونة قواعد سلوك لوسائل الإعلام، للحد من الخطاب التحريضي والمعلومات المضللة في التقارير الإعلامية.

5