دعوات مكثفة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية الإيرانية

استنكار واسع لإقصاء المرشحين المعتدلين بتحريض من الأصوليين.
الخميس 2020/02/20
استياء كبير

مع اقتراب فتح مكاتب الاقتراع أبوابها أمام الناخبين في إيران تتواصل حالة انعدام الثقة بين الناخبين والسلطات وسط دعوات إلى مقاطعة هذا الاستحقاق وعدم “إضفاء شرعية” على النظام الإسلامي المتشدّد.

طهران – يتواصل السجال المحتدم بين المعارضة الإيرانية الداعية لمقاطعة الانتخابات التشريعية التي من المقرر إجراؤها الجمعة والنظام الذي يحاول مواصلة ترسيخ نفوذه بعد أن هدّدته الاحتجاجات التي اجتاحت الشوارع الإيرانية في العام الماضي.

وتراهن المعارضة في طهران على مقاطعة واسعة لهذا الاستحقاق التشريعي لمنع إضفاء المزيد من الشرعية على النظام الإسلامي المهتز.

وينتقد العديد من المعارضين لاسيما في الخارج غياب التعددية في هذه الانتخابات بعد إقصاء 7 آلاف مرشح ينبثق معظمهم من التيار المعتدل والإصلاحي بتحريض من الأصوليين.

واستبعد مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون المتشددون نصف المرشحين لمجلس الشورى الذي يضم 290 مقعداً. ويضم التيار الإصلاحي مجموعة من الأحزاب والقوى والتجمعات السياسية التي تقول إنها تسعى للإصلاح من داخل منظومة الحكم، وتتبنى بشكل عام التوجه نحو التجديد والتحديث الديني المرتكز على الممارسة الديمقراطية.

وتأتي هذه القرارات في سياق متوتر أصلاً بعد موجة احتجاجات اندلعت في نوفمبر اعتراضاً على رفع كبير في أسعار البنزين، وتعرضت لقمع أوقع ما لا يقل عن 200 قتيل حسب تقارير منظمات حقوقية.

ومن السجون الإيرانية إلى الخارج، تتوالى دعوات مقاطعة الانتخابات والامتناع عن إضفاء الشرعية على “نظام إسلامي متشدد”. ومن زنزانتها حيث تقضي عقوبة بالسجن 10 سنوات لاتهامها بـ”قيادة مجموعة مخالفة للقانون”، كتبت الناشطة في حقوق الإنسان نرجس محمدي “علينا أن ننتفض، ونطلق حملة مقاطعة كبيرة ضد السياسة القمعية للحكومة”.

وخارج إيران، يتخذ ناشطون معارضون للنظام مواقف مماثلة، فبالنسبة لهم المشاركة في التصويت مرادفة لإعطاء تفويض للنظام. وتتبنى هذا الموقف الصحافية السابقة مسيح علي نجاد التي تكافح من المهجر خصوصاً ضد الارتداء الإلزامي للحجاب.

المشاركة في التصويت مرادفة لإعطاء تفويض للنظام
المشاركة في التصويت مرادفة لإعطاء تفويض للنظام

وفي مقطع فيديو تم تناقله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو مسيح علي نجاد أيضاً إلى مقاطعة الانتخابات وتعتبر أن التصويت هو بمثابة غض الطرف عن قتلى القمع.

وأضافت نجاد خلال تصريحات إعلامية تعقيبا على الفيديو “في اليوم التالي للانتخابات، سيعود كل شيء كما كان: الأصوات ستعطي شرعية للنظام الإسلامي وكل الوعود بالحريات سوف تذهب طيّ النسيان”.

وأشارت من نيويورك إلى أن “تنظيم الجمهورية الإسلامية هذه الانتخابات الزائفة يأتي لدعم شرعيتها الدولية، لكن يجري اختيار المرشحين مسبقاً، ولا تسامح مع أي صوت معارض، وحتى نسبة المشاركة يجري التلاعب بها”.

وترى أن على الإيرانيين أن يطلبوا من الأمم المتحدة فتح تحقيق حيال قمع التظاهرات في نوفمبر الماضي. وأكدت منظمة العفو الدولية أن 300 شخص قضوا خلال موجة الاحتجاجات، لكن يمكن أن يكون هذا العدد أعلى بكثير. وقدّرت الحكومة الأميركية عدد قتلى القمع بنحو 1500 شخص.

كثيرون من المعارضين في الخارج ينتقدون غياب التعدّدية في الانتخابات البرلمانية بعد إقصاء 7 آلاف مرشح معتدل

ورغم أنه يرفض هذه الأرقام، لم يقدم النظام الإيراني حصيلة رسمية. وعند سؤاله الأحد خلال مؤتمر صحافي عن هذه النقطة، تفادى الرئيس حسن روحاني الإجابة مشيرا إلى أن السلطات الصحية وحدها المخولة للقيام بذلك.

وخرجت تظاهرات جديدة في إيران في يناير بعد اعتراف الجيش الإيراني بإسقاط طائرة أوكرانية مدنية عن طريق الخطأ، ما أودى بحياة 176 مدنياً. ووقع هذا الحادث في وقت كانت تحاول فيه السلطات تهيئة الشعب الإيراني لاحتمال نشوب حرب مع الولايات المتحدة بعد قتل الأميركيين قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني بضربة صاروخية في العاصمة العراقية بغداد.

ويأمل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي أن تبث مشاركة كثيفة في الانتخابات روحاً جديدة في النظام الإيراني الذي بات يرزح تحت وطأة العزلة الدولية والغليان المحلي. وقال في خطاب في الخامس من فبراير “الأعداء الذين يهددون بلدنا يخشون الدعم الشعبي أكثر من السلاح، المشاركة تعكس دعم الشعب للنظام”.

ورغم أن نسبة المشاركة تختلف في إيران بحسب الاستحقاق الانتخابي، لكن معدلها يبلغ نحو 50 في المائة، ويتخطى أحياناً 60 في المائة وهو معدل تأمل السلطات تحقيقه الجمعة. ويتوقع أن يشارك الناخبون في الأرياف المحافظة تقليدياً بكثافة.

ولكن في المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان وشيراز، “فالأمر ليس واضحاً”، كما تعتبر المحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية إيلي غيرانماييه. وتضيف إيلي غيرانماييه “يرى كثر أن إقصاء عدد كبير من المرشحين يعني غياباً للمنافسة، ويمكن لذلك أن يؤثر على معدل المشاركة في المدن”.

الإيرانيون ضاقوا ذرعا من هذا النظام 
الإيرانيون ضاقوا ذرعا من هذا النظام 

وتوضح “نتوقع أن يدلي مؤيّدو المحافظين المتشددين بأصواتهم. لا يجدر بنا الاستخفاف بأعدادهم لاسيما وأن الأحداث الأخيرة مثل مقتل سليماني ستشكل دافعاً كبيراً لهم”.

ودعا روحاني، الذي ينتقد في الداخل لاعتماده سياسة انفتاح نحو الغرب، الإيرانيين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع. ويتوقع العديد من المحللين أن يخسر تحالفه الحكومي المؤلف من الإصلاحيين والمعتدلين في الانتخابات.

وبدوره اعتبر السياسي الإصلاحي سيد مصطفى تاجزاده، أن استبعاد معظم المرشحين المحسوبين على تياره من الانتخابات يجعل الاقتراع شكليا بنتائج محسومة سلفا.

وتاجزاده سبق له أن تولى لفترة وجيزة منصب وزير الداخلية في إيران في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي (2005-1997)، ويعتبر أحد أهم السياسيين المنتمين للجناح الإصلاحي.

واعتبر أن “المرشحين الإصلاحيين يتعرضون لحملة رفض من قبل مجلس صيانة الدستور، في حين أنهم الوحيدون المدافعون عن حقوق المواطنين”.

ولكن تاجزاده يرى أنه لم يسبق لإيران أن “شهدت منذ ثورتها عام 1979 أية استحقاقات انتخابية جرت في ظل أجواء تنافسية ديمقراطية”، مشيرًا إلى أن تلك الأجواء كانت “أفضل” في الفترات السابقة، حتى ولو كان ذلك جزئيًا.

وكان المرشد الأعلى قد وجه سهام نقده للغاضبين من إقصاء المعتدلين. وقال خامنئي “لا مكان للخائفين من مواجهة أعداء إيران الخارجيين في البرلمان المقبل”.

إقرأ أيضا: إيرانيّون على تويتر: لن نضع أصابعنا في الدم

5