دعم المسنين في المغرب ضرورة اجتماعية

مبدأ الفردانية وتشكل الأسرة النووية ساهما في إبعاد المسنين عن خانة تسيير العائلة.
الاثنين 2022/05/16
كبار السن في حاجة إلى الرعاية

تعيش شريحة المسنين في المغرب نوعا من العزلة الاجتماعية ساهمت فيه التغيرات القيمية التي طرأت على المجتمع المغربي نتيجة انحسار دور الأسرة الموسعة مقابل توسع دور الأسرة النووية، ما أدى إلى استبعاد المسن من الحياة العامة وتغييب الاستفادة من تجاربه الخاصة، وأمام هذه الوضعية تصبح الدولة بكل مؤسساتها وهياكلها مطالبة بالتدخل لحماية هذه الفئة والعناية بها.

الرباط – أظهرت نتائج دراسة حول وضعية الأشخاص المسنين، أعدتها وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بالمغرب بشراكة مع المرصد الوطني للتنمية البشرية، أن هناك تحولات جذرية في البنية الاجتماعية، أصبحت تطغى فيها القيم الفردية على مفهوم الأسرة الموسعة.

كما أظهرت الدراسة تراجع دور الأسرة على مستوى رعاية كبار السن، مقابل تزايد أعباء الوسط الأسري، وبالتالي صعوبة الملاءمة بين رعاية الأبناء والآباء ومتطلبات الحياة اليومية.

ولأجل ذلك، تمت صياغة البرنامج الوطني المندمج للنهوض بأوضاع الأشخاص المسنين 2021 – 2030 الذي يهدف في مجمله إلى تثمين الرأسمال البشري بمختلف فئاته خاصة فئة المسنين، وإدماج حاجياتهم وأولوياتهم في مسار التنمية.

ويعرف المغرب تحولات مهمة على مستوى الهرم السكاني بسبب التغيرات الديموغرافية التي تسير نحو التشيخ، كما أن التحولات الداخلية التي عرفتها الأسرة المغربية أثرت على علاقة الأبناء بآبائهم، الشيء الذي يحتم على الدولة بكل مؤسساتها وهياكلها التدخل بشكل استباقي لمواجهة آثار هذا التغيير على المستوى الاجتماعي والمادي لحماية فئة المسنين والعناية بمتطلباتهم.

وأكدت ليلى الشرقاوي الأستاذة الباحثة في علم النفس والمعالجة النفسانية أن شريحة المسنين أصبحت تحس نوعا من العزلة بسبب التغيرات الاجتماعية والقيمية في المجتمع الحالي.

تراجع دور الأسرة على مستوى رعاية كبار السن مقابل تزايد أعباء الوسط الأسري صعب الملاءمة بين رعاية الأبناء والآباء

وأشارت إلى أن مبدأ الفردانية وتشكل الأسرة النووية ساهما في إبعاد هذه الفئة من خانة التسيير المرتبط بالأسرة، ناهيك عن التقدم التكنولوجي والانفتاح على العالم عبر الإنترنت الذي ساهم في تحول القيم، ما أدى إلى نوع من تصارع الأجيال أثر سلبا على وضع الشخص المسن الذي لم يعد منبع المعرفة والحكمة في عصر المعلوماتيات والموضة.

وقالت الشرقاوي لـ”العرب” “إننا أصبحنا نتعامل مع المسن كشخص هش يجب الاعتناء به ووضعناه محل الوصاية بدل اعتباره مرجعية للقيم والتجربة والحكمة كما كنا نمتثله في الماضي”.

وأضافت أن هذه الوضعية انعكست على نفسية المسن الذي أصبح يعيش أزمة هوية تدور حول مجموعة من الأسئلة الوجودية من قبيل: ماذا بقي لي من دور في هذه الحياة؟ وما مدى مصداقية تجاربي وأفكاري لدى الجيل الجديد؟وكيف أوفق بين قيمي وقيم العصر الذي أعيش فيه؟

وأكد لحسن دحماني الباحث في العلوم الاجتماعية أن المترصد للتغيرات القيمية على مستوى الأسرة، باعتبارها الخلية الأولى التي تضمن للمجتمع وحدته واستمراريته، والتي لا تزال تحافظ على مكانتها ومركزيتها بالمجتمع المغربي، سيلحظ بعض التغيرات القيمية على مستوى علاقة الأبناء بالآباء، والتي أثرت على وضعية الآباء المسنين داخل العائلة.

وأوضح دحماني، لـ”العرب”، أنه إذا كانت التناقضات بين الأجيال قانونا يحكم التغير الاجتماعي للمجتمعات، فإن هذا التناقض لم يكن في ما مضى صارخا ومنكشفا وصريحا كما هو الآن. فقد كانت العلاقة بين الأبناء والآباء علاقة التابع والخاضع لسلطة رب الأسرة، كما كانت الأسرة تعرف تراتبية احترامية بدءا بالجد وصولا إلى الأب والأم ثم الأخ الأكبر.

Thumbnail

وبيّنت إحصائيات لمركز الدراسات والأبحاث الديموغرافية بالمندوبية السامية للتخطيط، حول كبار السن في المغرب، أن هذه الفئة تبلغ اليوم 6 ملايين فرد، ومن المرتقب أن تصبح 12.9 مليون بحلول العام 2050، وتسجل ارتفاعا على مستوى حضورها بين الفئات في سن النشاط (21.9 في الوقت الحالي مقابل 36.1 في المئة في أفق 2050).

ولفت دحماني إلى أن الأبناء أصبحوا يفرضون على الآباء خصوصا المسنين اختياراتهم سواء الخاصة بهم أو الخاصة بالآباء أيضا، وهذا الأمر يشير إلى تحول في علاقة الطاعة والولاء والخضوع لسلطة الأب التي كانت سائدة في ما مضى، ما يؤزم وضع المسن ويهمش موقعه داخل العائلة سواء كان الأب أو الجد، خصوصا إذا لم يكن له دخل قار يساهم به في مستلزمات الأسرة.

ومن ناحية الدعم المادي لهذه الفئة من المجتمع المغربي، يرى أحمد رضا الشامي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن القانون الإطار المتعلق بورش الحماية الاجتماعية حدد حدا أدنى لتعويض المعوزين وذوي الإعاقة، دون أن يشمل ذلك المسنين، داعيا إلى أن يشمل الدعم أيضا هذه الفئة.

11.7

في المئة نسبة البالغين 60 سنة فأكثر من مجموع السكان

وأبرز الشامي أن تخصيص مبلغ كبير يساوي 51 مليار درهم كل سنة لورش الحماية الاجتماعية، يُعبر عن الرؤية السياسية والتضامنية بشراكة بين القطاعين العام والخاص، مشددا على ضرورة تقوية الاقتصاد قصد رصد مبالغ أكبر للحماية الاجتماعية تمَكِّن من إدخال فئات أخرى كالمسنين.

ولحماية كبار السن من تقلبات الحياة وضمانا لكرامتهم، التزمت الحكومة بإحداث “مدخول الكرامة” الذي يرتقب أن يستفيد منه المغاربة، رجالا ونساء، ممن تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق والذين يعيشون ظروف هشاشة، بتمويل من صندوق التماسك الاجتماعي.

ووعدت الحكومة في برنامجها الذي استرشدت به في الولاية الحكومية الحالية 2021 – 2026، أن الأمر يتعلق بتحويل نقدي تدريجي، يمول من صندوق التماسك الاجتماعي، غايته أن يُضمن لجميع كبار السن دخل حده الأدنى بحلول سنة 2026، حيث سيشهد المبلغ زيادة تدريجية سنتي 2023 و2024، قبل أن يصل إلى 1000 درهم في عام 2026. وتأخر الحكومة في التأشير على تنزيل المخطط المذكور دفع مجموعة حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب إلى مساءلة الحكومة عن الإجراءات المتخذة من أجل تنزيل الالتزام الحكومي القاضي بتخصيص مدخول الكرامة لفائدة المسنين، خصوصا المتعلق منها بتخصيص 400 درهم خلال سنة 2022.

وفي دراسة أنجزها المرصد المغربي للمشاركة السياسية بعنوان ”البرنامج الوطني المندمج للنهوض بأوضاع الأشخاص المسنين 2021 – 2030“، أكد أن ورش إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب وإرساء نظام جديد للحماية الاجتماعية بدل شبكات الأمان الحالية، دعامة أساسية لا محيد عنها في بناء نموذج تنموي جديد ضامن للتماسك الاجتماعي وقادر على إدماج جميع الشرائح الاجتماعية في عملية خلق واقتسام الثروة، ومن بينها الأشخاص المسنون.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد كشفت أن عدد البالغين 60 سنة فأكثر وصل في العام الحالي بالمملكة إلى ما يقرب من 4.3 مليون نسمة، وهو ما يمثل 11.7 في المئة من مجموع السكان، مقابل 2.4 مليون نسمة سنة 2004 أي ما يمثل 8 في المئة من مجموع سكان المغرب.

وتفيد الإسقاطات الديموغرافية، المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط، أن عدد الأشخاص المسنين سيزيد بقليل عن 6 ملايين نسمة في أفق سنة 2030، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 42 في المئة، مقارنة بسنة 2021، وسوف تمثل هذه الفئة 15.4 في المئة من مجموع السكان.

Thumbnail

وحول موضوع إدماج المسنين، أوصى العربي الجعيدي الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، في إحدى الندوات، بالتفكير في سياسة دعم هذه الشريحة من المجتمع، لاسيما على مستوى الحماية الاجتماعية، واستعادة مفهوم “الاقتصاد الفضي” وتكييفه مع الواقع.

وبحسب التقرير الوطني السنوي الأول للمسنين والذي أصدره المرصد الوطني للمسنين سنة 2018، فإن نسبة المسنين المستفيدين من معاشات النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وخدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2016 لا يتجاوز 13.8 في المئة، وأنّ 1 من أصل 5 فقط من الأشخاص المسنين يستفيدون من تغطية اجتماعية وطبية، وأنّ معظمهم يتعذّر عليهم الولوج إلى العلاجات، إضافة إلى تزايد تبعيتهم البدنية والمالية.

وهنا تطرح إشكالية تشغيل المسنين القادرين على العمل كي يساهموا في تدبير شؤون العائلة ويمرروا معارفهم وخبرتهم للأجيال المقبلة، وبالنسبة إلى أستاذة قانون الشغل بجامعة محمد الخامس بالرباط أميمة عاشور، فإن العديد من الشركات قررت إعادة تشغيل المتقاعدين السابقين، وإرساء برامج لإعادة إدماج فئة المسنين، كون هذه الاستراتيجية تتيح لهم الاستفادة من الخبرة الثرية والمعارف العديدة للمسنين في العمل.

ولهذا دعا عدد من علماء الاجتماع إلى ضرورة تثمين إمكانات المعرفة لدى كبار السن الذين بإمكانهم المساهمة بفعالية في التنمية ونقل معارفهم إلى الأجيال الصاعدة، وبتسليط الضوء على الدور الاقتصادي المهم للمسنين، ليس كمستهلكين ولكن كذلك كمنتجين للثروة المادية واللامادية.

17