دعاية مسلسلات رمضان بدأت سباق كسب المشاهدين مبكرا

لا تقتصر الدعاية للمسلسلات الرمضانية على الفيديوهات والتصريحات الإعلانية وإنما تبدأ أساسا مع البوستر (المعلقة) الخاص بالعمل، الذي يتم تصميمه بدقة واحترافية كي يكون الواجهة الأولى التي تجذب المشاهد، وهذا العام بدأت الدعاية لمسلسلات رمضان بمجموعة من البوسترات التي تقدم لمحة عامة عن توجه الجمهور.
القاهرة - أثار إعلان وبوستر مسلسل “قلبي ومفتاحه” تفاعلا في مصر، ما جعل كثيرين ينتظرون بشغف عرضه في رمضان، وهو نجاح قد يكون مهما في ظل وجود العشرات من الأعمال الدرامية ويجد المشاهدون صعوبة في متابعتها كلها، كما يعد تألق البوستر انعكاسا لتفوق فريق عمل المسلسل في السيطرة على تفاصيله بما يضمن النجاح، بينما حذر البعض من أن جاذبية البوستر قد تكون وبالا على العمل نفسه بعدما رفع توقعات المشاهدين، ويزيد انتقاداتهم للعمل إذا جاء أقل من المأمول.
وقبيل انطلاق السباق المحموم بين العشرات من المسلسلات الدرامية لجذب انتباه مشاهدي الفضائيات العربية والمصرية في شهر رمضان، شهدت شوارع القاهرة اندلاع معركة بين الشركات المنتجة، تنافست فيها بوسترات المسلسلات التي تتوزع على الآلاف من اللوحات الإعلانية المنتشرة في أرجاء القاهرة على خطف أعين المارة أملا في دفعهم إلى وضع هذا المسلسل أو ذاك على خارطة اهتماماتهم في رمضان.
ووفقا للتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي استطاع بوستر مسلسل “قلبي ومفتاحه” الذي استمد اسمه من الأغنية الشهيرة للمطرب الراحل فريد الأطرش خطف انتباه الكثير من المصريين بفضل بساطة تكوينه والمعنى الرومانسي الذي يحمله، في وقت يحتاج فيه الناس إلى جرعة رومانسية يواجهون بها ظروف الحياة التي تشتد قسوتها.
المسلسل الذي كتبه وأخرجه تامر محسن، يتضمن البوستر الخاص به صورة لبطليه آسر ياسين ومي عزالدين، يسيران في أحد شوارع وسط القاهرة وهما متشابكا الأيدي وينظران إلى بعضهما بنظرات مغلفة بالحنان، بينما تظهر في الخلفية مبان تاريخية.
عنوان للعمل الفني
باتت البوسترات الدعائية تمثل أهمية كبيرة في تسويق العمل الفني مؤخرا، وتساهم بدرجة ما في نجاح العمل من عدمه، مثلما يقول الناقد الفني طارق الشناوي لـ”العرب”، لكن الأمر لا يخلو من خطورة لأن الحكمة الإعلامية تقول “لا تستطيع أن تضحك على الناس طوال الوقت”، فإذا لم يتوافق التشويق الذي صنعه البوستر مع محتوى العمل الفني فالنتيجة ستكون عكسية.
وأوضح الشناوي أن كلما ارتفع سقف توقعات المشاهدين من العمل كلما تفتح ذهن الجمهور لما هو أبعد، لذا لا بد من ضبط المحتوى بما يتناسب مع البوستر تماما، معترفا أن صناعة البوسترات على مر تاريخ السينما والدراما المصرية مهمة للغاية، وهناك مئات منها عاشت في ذاكرة ووجدان الجمهور لعقود.
وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى أن تصميم البوستر يشترك فيه المنتج والمخرج غالبا، وأن تامر محسن استطاع أن يصنع بوستر مشوقا لمسلسل “قلبي ومفتاحه” الذي جمع لأول مرة بين آسر ياسين ومي عزالدين في عمل واحد، ونجح البوستر والبرومو المعروض على المنصات ويحمل نفس التصميم مع أغنية فريد في الخلفية، في تكريس لحالة التشويق لدى الجمهور، وصناعة معنى جميل تلقاه الجمهور بإعجاب.
وتتطلب صناعة بوستر ناجح وجذاب لأي عمل فني، وجود مصمم يملك مهارات فنية استثنائية إلى جانب إلمام بمضمون العمل واهتمامات الجمهور، حتى يقدم في النهاية منتجا يحقق الهدف منه وهو الدعاية الإيجابية للمسلسل.
وقال مصمم الغرافيك شريف عبدالرحمن لـ”العرب” إن البوستر منتج بصري، يرتبط بشكل كبير بالعمل الفني، وهو العنصر التسويقي للعمل، وأول ما يتلقاه الجمهور، ومن المهم للمصمم معرفة قصة الفيلم أو المسلسل بالتفاصيل الدقيقة، ولذلك اعتاد أن يجلس مع المؤلف أو المخرج جلسات مطولة لسماع تفاصيل العمل قبل أن يشرع في تصميم البوستر، ويبدأ العمل فيه قبل الانتهاء من العمل وأحيانا قبل تصويره.
وأضاف أن الأهم بالنسبة له ألا تتغير تفاصيل العمل الفني بعد الانتهاء من تصميم البوستر، لأن ذلك يجعل له تأثيرا سلبيا على العمل، فضلا عن السمعة السيئة التي سيجلبها على مصممه بسبب انفصاله عن العمل الذي يروج له، وهو يستخدم ألوانا وإضاءات وكادرات مختلفة لكل بوستر بناء على قصة العمل الذي يروج له، وبالتالي فإن أي تغيير يلحق بالعمل سيجعل البوستر في منطقة مختلفة لن يتقبلها المتلقي.
ولفت عبدالرحمن إلى أن بعض الأعمال تحتاج إلى أكثر من بوستر، ويمكن أن يطلب المخرج بوسترات داخل العمل الفني يتم توظيفها طبقا لرؤيته الإخراجية، أو يطلب ديكورا داخل الفيلم يتماشى مع البوستر، مثلما حدث مع الفيلم القصير “الساعة” لمخرجه محمد الناصر الذي طلب تصميم ساعة على الأرض بشكل معين داخل أحداث الفيلم، تتسق مع الساعة التي ظهرت في البوستر، مؤكدا أهمية أن تسير كافة البوسترات في العمل الفني الواحد على نهج واحد، فلا يصح أن يكون البوستر مختلفا وغير مفهوم للمتلقي إلا في حالة أن العمل يتحدث عن هذا الاختلاف أو الغموض.
وتقابل حبيب
بخلاف “قلبي ومفتاحه” تنتشر العشرات من البوسترات الدعائية لعدد كبير من المسلسلات المتوقع عرضها خلال شهر رمضان، منها مسلسل “وتقابل حبيب” والذي تظهر فيه ياسمين عبدالعزيز بمظهر أنيق وأنثوي، ولم يخل من انتقادات بسبب تكرار الاعتماد على أنوثة ياسمين في إعلانات أعمالها.
وجاء بوستر مسلسل “عقبال عندكوا” الذي يجمع بين حسن الرداد وزوجته إيمي سمير غانم تقليديا، بينما أثار بوستر مسلسل “شباب امرأة” لغادة عبدالرازق المأخوذ عن الفيلم الذي يحمل الاسم ذاته استياء الجمهور، حيث أظهرها وهي تدخن “الفيب” بدلا من “الشيشة” التي كانت تدخنها الفنانة تحية كاريوكا في الفيلم الأصلي.
وهناك بوستر آخر منتشر لمسلسل “سيد الناس” بطولة أحمد سعد، لكنه على عكس “قلبي ومفتاحه” أثار الاستياء بعدما اختار مصممه وضع صورة ضخمة للبطل بينما ظهر باقي الممثلين بصور صغيرة.
وذكرت الناقدة الفنية ماجدة موريس لـ”العرب” أن البوستر أكثر أهمية للفيلم من المسلسل، لأنه أول ما تقع عليه عين المتلقي قبل ذهابه لمشاهدة الفيلم في قاعة السينما ودفع سعر تذكرة، والكثير من المشاهدين يختارون دخول فيلم ما بناء على جاذبية البوستر الخاص به، بينما تقل قيمته نسبيا في المسلسلات التي تعرض مجانا على الفضائيات، ويتفاعل معها المشاهدون حسب ظروفهم.
وأكدت لـ”العرب” أن الأمر تغير في السنوات الأخيرة وازدادت أهمية بوسترات المسلسلات سواء بسبب كثافة الأعمال التي تعرض في رمضان، أو بسبب ظهور منصات المشاهدة المدفوعة، مشيرة إلى أن في السابق كانت القنوات تعرض عملا أو اثنين فقط، والقنوات كانت محدودة للغاية، أما الآن فبات هناك الملايين يرتادون المنصات المدفوعة هربا من الإعلانات المكثفة في الفضائيات المجانية، وبالتالي أصبحت كل شركة تهتم بجذب اهتمامهم لمشاهدة المسلسل الذي تنتجه.
ورأت من خلال بمتابعة سريعة لبوسترات المسلسلات التي تعرض في رمضان، أن معظمها بها مبالغة ونمطية ومكررة، فمثلا بوستر مسلسل “حكيم باشا” بطولة مصطفى شعبان عادي وتقليدي بالنسبة للشخصية الصعيدية (سكان جنوب مصر)، لذلك لم يلفت انتباه الجمهور، نفس الأمر متكرر مع مسلسل روجينا “حسبة عمري”.
وقالت موريس إن البرومو والبوستر للعمل الدرامي يجب أن يتسقا مع بعضهما، وهذا ما نجح فيه تامر محسن عند طرحه بوستر مسلسله الجديد “قلبي ومفتاحه”، ثم البرومو الذي عرض معه مشهدا واحدا لبطلي الحكاية، مع أغنية “قلبي ومفتاحه” بصوت فريد الأطرش في الخلفية، وعرف جيدا كيف يشد انتباه المشاهد لعمله قبل عرضه، وجعل الجمهور متعطشا لمشاهدة المسلسل الذي تتوقع له النجاح كسابق أعمال تامر محسن، كونه يختار أعماله بعناية ولا يترك تفصيلة صغيرة تمر من بين أصابعه.