دعاية سياسية لخط الغاز العربي على وقع الحرب في غزة

الخط يخدم مصالح دول عربية وإسرائيل، فمصر تستهدف سد احتياجاتها من الغاز، وهو ما ينطبق على الأردن، ويساعد على حل أزمة الطاقة في لبنان.
الخميس 2023/12/14
صعوبات استئناف عمل هذا الخط غابت عن اللقاء

القاهرة – تطرق الاجتماع الذي عقد بين وزراء النفط والطاقة والثروة المنجمية لدول مصر وسوريا والأردن ولبنان إلى تفعيل خط الغاز العربي، تزامنًا مع اندلاع الحرب على غزة وتراجع ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر، لكن المجتمعين لم يراعوا الصعوبات التي تواجه استئناف عمل هذا الخط، ما جعل التطرق إلى الموضوع أقرب إلى الدعاية السياسية.

واهتمت وسائل إعلام سورية بما جاء في الاجتماع الذي عقد الاثنين، على هامش أعمال مؤتمر الطاقة العربي الثاني عشر في الدوحة، ونقلت تصريحات على لسان وزير النفط والثروة المعدنية فراس قدور أشار فيها إلى أن الخط داخل الأراضي السورية جاهز لنقل الغاز بعد أن أجريت عليه عملية الصيانة.

وتجاهلت البيانات الصادرة عن الاجتماع أن الأزمة التي تعرقل استئناف ضخ الغاز عبر هذا الخط ترجع إلى “قانون قيصر” المتعلق بتوقيع عقوبات اقتصادية على نظام الرئيس بشار الأسد تهدف إلى منع الأنشطة التجارية الأجنبية مع دمشق وشروط وضعها البنك الدولي لتمويل تصدير الغاز المصري إلى لبنان عبر الخط ذاته.

وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها سوريا أنها انتهت من أعمال الصيانة الخاصة بخط الغاز المار عبر أراضيها، فقد سبق أن أعلنت ذلك منذ عامين دون أن يقود ذلك إلى تشغيل الخط، ما يشي بأن تعطّله يرتبط بأبعاد دولية وإقليمية، كما أن عدم القدرة على منع الاعتداءات على أنابيب الغاز في سوريا ولبنان يجعل عملية تشغيله صعبة.

سعيد عكاشة: الحديث عن تفعيل خط الغاز العربي خطوة غير واقعية
سعيد عكاشة: الحديث عن تفعيل خط الغاز العربي خطوة غير واقعية

ويبدو أن أبعاد الدعاية السياسية التي تخدم عدة أطراف تهيمن على التطرق إلى تشغيل الخط الذي جرى الانتهاء من مرحلته الأولى منذ حوالي عقدين، لأن دمشق تحاول أن توحي بأن تطبيعها الاقتصادي مع الدول العربية يمضي على قدم وساق، وتحصر الأزمة في عيوب فنية دون التطرق إلى العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

وتخدم هذه الدعاية دوائر تستهدف التأكيد على أن التعاون العربي في مجال الغاز قد يكون بديلاً عن التعاون مع إسرائيل التي هي عضو في منتدى غاز شرق البحر المتوسط، وتتشارك مع مصر في اتفاقيات تقضي بتصدير الغاز إلى أوروبا.

ووقعت مصر مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في يونيو من العام الماضي لزيادة صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بهدف إمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي عبر محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط على البحر المتوسط.

وقال رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد قنديل إن “خط الغاز العربي استمر في العمل فترةً طويلة قبل اندلاع الصراع في سوريا، وجرى توقيف العمل في الخط إلى حين إجراء أعمال صيانة، لكن ‘قانون قيصر’ عطّل المشروع، وسعت مصر للحصول على ضمانات من واشنطن كي لا يتسبب ذلك في توقيع عقوبات على شركاتها”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “طرح تشغيل الخط تصدّر المشهد في وقت يعاني فيه لبنان من اضطرابات اقتصادية صعبة وتعرض لأزمة شُح في الغاز وتم التفكير في تفعيل الخط عبر تصدير الغاز المصري إلى سوريا ومنها إلى لبنان وسط مخاوف دولية من الدور الإيراني في حل أزمة الطاقة اللبنانية، وما عرقل التشغيل أيضا الضمانات الصعبة التي فرضها البنك الدولي لتمويل تصدير الغاز إلى لبنان”.

وأشار إلى أن مصر لها مصلحة في إعادة استئناف التصدير عبر هذا الخط بما يدعم هدفها المتمثل في أن تصبح مركزا إقليميا لتجارة الطاقة، غير أن تشدد الإدارة الأميركية في التعامل مع سوريا وعدم منح القاهرة الضمانات المطلوبة وتعثر تمويل البنك الدولي للتصدير إلى لبنان كلها عناصر أوقفت هذا المشروع.

أحمد قنديل: مصر لها مصلحة في استئناف التصدير عبر الخط
أحمد قنديل: مصر لها مصلحة في استئناف التصدير عبر الخط

وتخشى القاهرة عدم التزام إسرائيل بقدرتها على توريد الغاز إليها بالكميات المتفق عليها عقب اندلاع الحرب على غزة، وهذا لا يعني وجود ارتباط بين المسارين.

ويؤكد خبراء في مجال الطاقة أن خط الغاز العربي يخدم مصالح بعض الدول العربية وإسرائيل، لأن مصر تستهدف سد احتياجاتها من الغاز، وهو ما ينطبق أيضا على الأردن، ويساعد على حل أزمة الطاقة المستعصية في لبنان، ويفتح لسوريا منفذا للتعاون الاقتصادي مع دول عربية.

وتضمن إسرائيل أن هناك سوقا عربية للغاز تدعم تعاونها مع الأطراف المختلفة، وكان من المقرر تصدير الغاز المصري والإسرائيلي إلى لبنان عبر هذا الخط.

وينفصل خط الغاز بين مصر وإسرائيل عن خط الغاز العربي، فالأول يأتي من إسرائيل، وتحديدا عسقلان، ومنها إلى العريش في شمال سيناء، ثم يدخل إلى الشبكة المصرية للغاز لإسالته وتصديره عن طريق البحر المتوسط، في حين أن خط الغاز العربي يخرج من شمال سيناء إلى العقبة في الأردن ثم سوريا ولبنان.

ووقعت مصر اتفاقا مع الأردن عام 2004 مدته 15 عامًا، قضى بتوريد الغاز الطبيعي إليها، إلا أن الخط تعرض لعدة تفجيرات على أيدي مجهولين عام 2011، أدت إلى توقف الإمدادات لفترة قليلة، ثم عادت القاهرة إلى ضخ الغاز نحو الأردن بكميات أقل من المتفق عليها بسبب زيادة الاستهلاك المصري.

وكان من المتوقع أن يتصل خط الغاز العربي بخط أنابيب نابوكو التركي المقترح لتسليم الغاز المصري إلى أوروبا، وربط خط الغاز العربي بشبكة الغاز العراقية لتسهيل تصدير الغاز العراقي إلى السوق الأوروبية، لكن هذا المخطط لم ير النور بعد.

وأوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية سعيد عكاشة لـ”العرب” أن الحديث عن تفعيل خط الغاز العربي الآن هو “بالون اختبار” وخطوة غير واقعية، لأن إسرائيل لن توقف تصدير الغاز إلى مصر تماما، لأنها شريكة في منتدى غاز المتوسط الذي ينطوي على خطط تنسيق تصل إلى 30 عامًا.

وتسبب عدم قدرة مصر على تصدير الغاز إلى إسرائيل عام 2011 في تغريمها بدفع تعويضات باهظة لتل أبيب، وهو أمر ستعمل الحكومة الإسرائيلية على تجاوزه.

وأشار عكاشة لـ”العرب” إلى صعوبة الفصل بين انتظام توريد الغاز الإسرائيلي إلى مصر وبين ملفات أمنية وحيوية بين البلدين، وتبقى الأولوية لمستقبل غزة في ظل رفض مصري لانفراد إسرائيل بتحديد مصير القطاع بعد الحرب، ويمكن أن يبدد التعاون بينهما المخاوف التي تتعلق بتأثير الخلاف على العلاقات الاقتصادية والأمنية.

ولفت تقرير صادر عن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) إلى ارتفاع كميات الغاز الطبيعي التي تستوردها مصر من إسرائيل في العام المالي الماضي المنتهي في يونيو الماضي بنسبة 42.77 في المئة، لتصل إلى 272.7 مليار قدم مكعبة من الغاز، مقابل 191 مليار قدم مكعبة في العام المالي السابق له.

وهبطت واردات مصر من الغاز الإسرائيلي مع بداية وقف عمليات إنتاج الغاز من حقل تمار عقب اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي، لتسجل نحو 350 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميّا، بعد أن تجاوزت 850 مليون قدم مكعبة قبل توقف الإنتاج.

1