دريد لحام بطل تراجيدي في فيلم "الحكيم"

تشريح درامي للعلاقات الاجتماعية وتأثرها بالحرب السورية.
الثلاثاء 2023/05/30
دريد لحام كما لم يعهده جمهوره

في أحدث أفلام المؤسسة العامة للسينما في سوريا يقدم فيلم “الحكيم” الذي شهد ظهور وجود جديدة تضفي حراكا على السينما السورية، حالة اجتماعية صارخة عن واقع معيشي مأزوم، تفرضه مآلات الحرب وتسجن الناس خلاله في زوايا صعبة.  

يقدم فيلم “الحكيم” أحدث إنتاجات المؤسسة العامة للسينما بدمشق عوالم اجتماعية من واقع الحرب التي كادت تسحق المجتمع السوري تحت وطأتها، والفيلم الذي أطلق بدمشق مساء الرابع والعشرين من شهر مايو الجاري، في دار الأسد للثقافة والفنون، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في وزارة الثقافة السورية وهو من تأليف ديانا جبور في أول فيلم روائي طويل لها ومن إخراج باسل الخطيب وبطولة دريد لحام.

بعيدا عن الحرب

لا يتوجه الفيلم لتقديم حكايات من الحرب، وهو بذلك يخرج عن نمطية فنية باتت تشكل إلى حد بعيد نمط السينما السورية المعاصرة، بل يكتفي بالإشارة إليها ويضعها خلفية للأحداث، ويقدم الفيلم تشريحا لطبيعة علاقات اجتماعية تأثرت سلبا بظروف الحرب وشوهت علاقاتها وشخوصها.

في تجربتهما الثانية معا، يقدم الثنائي الخطيب ولحام فيلما يتقدم خطوات على فيلم “دمشق حلب”، من حيث صياغة سيناريو يقدم سردية سينمائية واضحة المعالم ومتصاعدة الذرى الدرامية. فطبيعة النص في فيلم “الحكيم” تعتمد الصيغة التقليدية، حيث تبدأ بالتعريف بالشخصيات لتنشأ مساراتها ثم يعمد إلى وضع عقبات لمصائرها لتنشأ منها صراعات درامية متسارعة مع شخصيات أخرى.

بوكس

ولعل مساحة شرح الشخصيات والتعريف بها كانت أطول من اللازم، الأمر الذي ولد بطء نقل الحدث في الثلث الأول من الفيلم، كما أن وجود شخصيات ضعيفة دراميا وخلق حوارات لها ساهم بتكريس هذه الحالة كما في شخصية السيدة التي تدير شبكات الفساد، والتي كان بالإمكان الاستغناء عنها كليا وتحميل ثقلها الدرامي للشخصية التي أداها محمد قنوع كذلك الأمر بالنسبة إلى شخصية أحمد رافع.

وظهر هذا في التجسيد البصري، فكان إيقاع الفيلم بطيئا في ثلثه الأول، وهو الأمر الذي تم تجاوزه لاحقا، بعد وجود عقد درامية ساخنة، خاصة في موقف خطف “ياسمين”، حيث صارت الأحداث حيوية وتسارع إيقاع الفيلم، وقدم فيها حالة من التشويق الذي سيتقبّله الجمهور بشغف. 

الطرح الذي قدم في العمل كشف نهاية حكايته قبل الوصول إليها، وعرف الكثير من الجمهور نهاية الفيلم قبل مشاهدتها. وهذا ما ألغى حالة التشويق التي يرغب الجمهور عادة بالحفاظ عليها حتى اللحظات الأخيرة من الفيلم.

تحسب للمخرج باسل الخطيب المغامرة التي أقدم عليها في تقديم دريد لحام في حضور تراجيدي يبتعد به عن الكوميديا التي اشتهر بها. باسل الخطيب قدم دريد لحام في شخصية “جابر” الطبيب بتناول يقدم حالة تراجيدية لمجموعة من المآسي التي مرت به شخصيا واجتماعيا. 

ولا شك أن دريد لحام وصل بالمغامرة إلى مداها، فقدم شخصية “جابر” بمهارة تثبت قدرته على تقديم كل ألوان الأداء في التمثيل، رغم حضور شخصية “أبوالهنا” في بعض التفاصيل البسيطة أحيانا. وتعاون الخطيب ولحام في رسم ملامح شخصية “جابر” كان متسقا مع مضمون الشخصية الفكري، وهي شخصية الرجل المسن الناضج الذي يقدم الخير للجميع ويتمتع بحالة خاصة من الحضور الشخصي. 

بعيدا عن الكوميديا

كان أداؤه هادئا متميزا وقادرا على إيصال أفكاره بوضوح. وكانت لغة الخطيب البصرية داعمة لجهة تقديم كادر راق لا يتكلف أجواء بصرية تشوش على مضمون الفكرة وحقق بمشاركة مدير التصوير ناصر ركا مشهدية لافتة في المشهد الختامي بما يحمله من دلالات فكرية وإنسانية.

حضرت بعض شخوص الفيلم بشكل قوي. فقدمت صباح الجزائري دورا يحمل معاني عميقة، حمًلتها الكاتبة ديانا جبور لها بشكل عميق، وكانت حواراتها مختصرة وواقعية. كما ظهرت شخصية الشاب  التي أداها عاصم حواط بشكل عفوي رشيق وهو يستقبل مولوده الأول في إشارة لمستقبل أفضل في جو صعب، قدمها حواط بسلاسة، وكان لافتا ظهور الشاب الأخرس كشخصية فاعلة في الفيلم، وظفتها جبور بشكل ذكي بحيث تحمل دلالة أن الجميع يمكنه أن يصنع الخير حتى دون أن يصرح به أو عدم تمكنه من ذلك.

◙ دريد لحام وصل بالمغامرة إلى مداها، فقدم شخصية جابر بمهارة تثبت قدرته على تقديم كل ألوان الأداء في التمثيل

وقدم محمد قنوع الفنان السوري الذي رحل منذ فترة قريبة شخصية فاعلة في أحداث الفيلم، وهو الذي قليلا ما شارك في السينما، على عكس التلفزيون الذي قدم فيه المئات من الأعمال، وكانت شخصية قنوع فاعلة وتمثل السلوك القيمي المتغير الذي أصاب بعض أفراد المجتمع فانقاد إلى مستوى قيمي رديء يستبيح كل شيء حتى أموال الناس وأعراضهم. 

كان مخرج الفيلم باسل الخطيب قد قدم بلفتة وفاء تحية إلى روح محمد قنوع في مستهل حفل إطلاق الفيلم، شاكرا جهده المتميز في العمل. ولعل شخصية “عزيز” (رامي أحمر) هي الأكثر توهجا بين هذه الشخصيات، وتميزت بوجود تباينات كبيرة في الحالة الشعورية لها، وهذا ما يجعلها شخصية مركبة وغنية واستطاع رامي تقديمها بشكل فاعل، فهي شخصية تعيش صراعات أخلاقية ووجدانية، لكنها منجرفة مع التيار. 

يقول رامي عنها “هي شخصية فاعلة، تقدم حضورا قويا وتحتاج إلى إحساس وعمق كبيرين، إضافة إلى التكنيك العالي”. وفي الوجوه الشابة قدمت ليا مباردي شخصية “ياسمين” بشكل متفاعل مع منطق الأحداث ووظفت شكلها وسنها في خلق حالة من التناغم بينها وبين الجد دريد لحام. 

تقول الفنانة عن شخصيتها إنها “محبة للخير، لم تتلوث بالمستحدثات التي أصابت المجتمع السوري نتيجة الحرب، وهي تهم للمساعدة دائما في أيّ ظرف تستطيع تقديمه”.

بين لحام والخطيب

◙ علاقات اجتماعية أثرت فيها الحرب
علاقات اجتماعية أثرت فيها الحرب

ينطلق دريد لحام في تقديم فيلمه “الحكيم”، من خلال فهم أكبر لذهنية المخرج باسل الخطيب، الذي يقول إنه بتجربته الثانية معه فهمه أكثر، هو يرى أن “الفيلم يقدم بعدا اجتماعيا جديدا، يتعلق بكيفية ما يقدمه الناس في حياتهم اليومية للآخرين، فمن يقدم الخير سيلقى الخير، وتجربة الدكتور جابر في الفيلم تؤكد هذا الأمر”.

شارك الفيلم في العديد من المهرجانات، كان أحدثها كونه ضيف شرف في مهرجان أيام السينما العراقية حيث كرم مخرجه باسل الخطيب ودريد لحام وصباح الجزائري. وشارك في أحدث دورات مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط، كما شارك في مهرجان سينمانا في مسقط بسلطنة عمان ونال فيه جائزة أفضل فيلم متكامل، وشارك بعده في مهرجان فجر السينمائي في طهران وحقق فيه “العنقاء البلورية” وهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة للمخرج باسل الخطيب.

الفيلم من تأليف ديانا جبور وإخراج باسل الخطيب وتمثيل دريد لحام وصباح الجزائري ومحمد قنوع وعاصم حواط وروبين عيسى وليا مبادري وربى الحلبي ورامي أحمر وتسنيم الباشا وأحمد رافع وآخرين.

14