درعا معبر تجارة مع الأردن أم نقطة احتكاك مع بقايا المعارضة

زيارة وزير الصناعة والتجارة الأردني طارق الحموري إلى سوريا تنطوي على أكثر من مغزى من حيث توقيتها خاصة مع وجود مزاعم عن دور لعمّان في إعادة تحريك الجبهة الجنوبية، ويقول محللون إن الهدف من الزيارة هو تفنيد غير مباشر لوجود أي دور للمملكة في ما يحدث جنوبا، وأيضا التقاط فرصة استعادة النظام السوري السيطرة على الطريق الدولي أم 5 وما لذلك من انعكاسات على الحركة التجارية بين البلدين.
دمشق – تحمل الزيارة المفاجئة لوزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني طارق الحموري إلى دمشق في هذا التوقيت أكثر من دلالة خاصة وأنها تزامنت مع حالة توتر متصاعدة في الجنوب السوري ولاسيما محافظة درعا المحاذية للحدود الأردنية.
وتشهد درعا نسقا متسارعا من العمليات التي تستهدف الأجهزة الأمنية السورية، وقد بلغت قدرا كبيرا من الخطورة حينما سيطرت مجموعة مسلحة منذ أيام قليلة على مدينة الصنمين، قبل أن تنجح القوات الحكومية في استعادتها وفرض السيطرة باجتياح للمدنية ما أدى إلى سقوط قتلى في صفوف المدنيين.
وغمزت أصوات مقربة من النظام السوري في تبريرها للتوتر السائد هناك بوجود أجندة خارجية تسعى لإثارة القلاقل ولِمَ لا إعادة عقارب الساعة إلى العام 2013 في محاولة لخلط الأوراق مجددا؟ موحية بأن المخابرات الأردنية قد تكون أحد الأطراف المشاركة في تلك الأجندة، بالنظر إلى صلاتها القوية مع مجموعات المعارضة للنظام في تلك المنطقة.
ويرى محللون أن زيارة الوزير الأردني قد تأتي ضمن سياق رغبة عمّان في تفنيد تلك المزاعم، والتأكيد على أنها ليست بصدد لعب أيّ دور في هذا الاتجاه، بل العكس فهي حريصة على البناء على الانفراجة المسجلة على الصعيد الثنائي وإن كانت (هذه الانفراجة) لم تتخطّ بعدُ الجانب الاقتصادي.
وسبق أن أجرت وفود برلمانية واقتصادية أردنية زيارة إلى العاصمة السورية خلال السنوات الأخيرة بيد أن هذه أول زيارة على مستوى وزاري ذات طابع رسمي منذ تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين في العام 2012، في سياق توجه عربي عام مقاطع لنظام الرئيس بشار الأسد على خلفية طريقة تعاطيه مع الاحتجاجات التي اندلعت ضده في العام 2011.
وكان وزير النقل السوري علي الحمود زار الأردن في أغسطس لكن تلك الزيارة لم تحمل أبعادا رسمية ولم يلتق حينها بأيّ من وزراء حكومة عمر الرزاز، فضلا عن أنها قوبلت بنوع من التجاهل من قبل وسائل الإعلام الأردنية.
وتقول أوساط سياسية إن المملكة أبرز المتأثرين بالنزاع السوري، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وأن زيارة الحموري التي لم يعلن عنها مسبقا كانت متوقعة بالنسبة إلى الكثيرين، حيث إنه بدا في الأشهر الأخيرة وجود توجه حكومي لإعادة تنشيط الحركة التجارية بين البلدين، مع تأجيل البحث في المسألة السياسية لأن ذلك يبقى رهين حسابات عدة لعل أهمها استمرار الفيتو الدولي الذي يربط خطوة كهذه بالتوصل إلى تسوية نهائية للأزمة في سوريا.
وأفادت وزارة الصناعة والتجارة الأردنية الخميس بأن الوزير طارق الحموري قام بزيارة إلى سوريا “لتأكيد عمق العلاقات”. ووفقا لبيان من الوزارة، فإن الحموري عقد في دمشق اجتماعا ثنائيا مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد سامر الخليل.
وكانت العلاقات الأردنية السورية قد شهدت انفراجة نسبية منذ 2017 تعززت بعد فتح المعبر الحدودي جابر نصيب على إثر استعادة دمشق في العام 2018 السيطرة على الجنوب بموجب تسوية مع فصائل المعارضة التي سيطرت على المنطقة في العام 2014.
ولعب الأردن الذي كان للمفارقة يحتضن غرفة “موك” التي تنسق عمليات الفصائل ضد النظام السوري، دورا أساسيا في التوصل إلى تلك التسوية إلى جانب كل من الولايات المتحدة وروسيا وأيضا إسرائيل المعنية هي الأخرى بالوضع في ذلك الجزء السوري لجهة تخوفاتها من تمركز القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها هناك.
وتلفت الأوساط السياسية إلى أن دعم الأردن لفصائل المعارضة في إحدى الفترات واحتضانه لغرفة “موك” لا يمكن أن ينظر إليه على أنه خيار ذاتي بل هناك إكراهات، خاصة وأن موقفه الذي بدا مؤيدا للعراق في غزو الكويت في تسعينات القرن الماضي كلفه الكثير حيث تعرض لـ”عزلة” عربية، أفضت إلى صعوبات اقتصادية قبل أن ينجح في استثمار الوضع الإقليمي في تلك الفترة ويعيد وصل نفسه سريعا بمحيطه.
وأكد بيان صادر عن وزير الصناعة الأردنية “على الرغبة المشتركة في تنمية وتعزيز العلاقات الثنائية نحو آفاق أرحب وأوسع، خدمة للمصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين”. ووفق البيان فقد تركزت المباحثات على “آليات النهوض بحجم التبادل التجاري في السلع الصناعية والزراعية، ضمن القوائم التي يتم التوافق عليها بالتعاون مع الوزارات المختصة، وتعزيز التعاون المشترك في مجال النقل”. وذكرت الوزارة أن الوزير عرض على نظيره السوري زيارة الأردن.
ومنذ استئناف العمل في المعبر الحدودي جابر نصيب منذ نحو عامين فإن الحركة التجارية بين البلدين لا تزال بطيئة، في ظل وجود عراقيل بيروقراطية لا تخلو من أبعاد سياسية، لكنّ هناك تمشيا على ما يبدو لزيادة العمل على تفكيك تلك العقد، خاصة وأن النظام السوري نجح في فرض سيطرة كاملة على الطريق الدولي أم 5 الذي يصل محافظة حلب في شمال سوريا بالمعبر جابر نصيب، الأمر الذي ينظر إليه الأردن بأمل كبير لتنشيط الحركة التجارية.
ويعاني الأردن من أزمة اقتصادية فاقمها تراجع التبادل التجاري بسبب الأزمة السورية، ويعتبر أن النجاحات التي يحققها النظام السوري خاصة على مستوى استعادة سيطرته على محيط الطريق الدولي حلب – درعا من شأنها أن تعيد إنعاش اقتصاده.