دراما رمضان المصرية تختبر عودة التنوع الإنتاجي بعد سنوات الاحتكار

سعي لاستعادة الريادة بعد استشعار خطر سحب البساط من القاهرة.
السبت 2022/03/05
لا مجال لتكرار أخطاء الماضي

بدأت السلطات المصرية منذ أشهر محاولات جادة لإعادة هيكلة قطاع الإنتاج الدرامي، عبر تنظيم المسلسلات المنتجة وأفكارها بالإضافة إلى فسح المجال للشركات الخاصة للعودة إلى النشاط بعد غيابها خلال العقد الماضي، بهدف استعادة ريادة الدراما المحلية عربيا ووضع حد لجهات عديدة تسعى لاستغلال قوة مصر الناعمة وتوظيفها لصالحها.

القاهرة - يعود التنوع الإنتاجي مرة أخرى إلى الدراما المصرية بعد أربع سنوات تقريبًا من هيمنة جهة واحدة على الإنتاج تمثلت في شركة «سينرجي» التي عملت تحت وعاء «إعلام المصريين» قبل تغيير المسمى إلى «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» التي تمتلك غالبية وسائل الإعلام المصرية، ما يجعل هناك حالة من الترقب للتعرف على خارطة الدراما في رمضان المقبل، وما إذا كانت عودة التنوع الإنتاجي في صالح تقديم محتويات فنية متعددة بأشكال وأدوات مختلفة.

وأكد الرئيس التنفيذي للعمليات بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية حسام صالح مشاركة تسع جهات إنتاجية مختلفة في تقديم 14 مسلسلا من المقرر عرضها على القنوات والمنصات الإلكترونية في موسم رمضان المقبل، وأن الشركة المتحدة فتحت الباب أمام انضمام عدد كبير من المنتجين المصريين للتواجد على ساحة العمل الدرامي والسينمائي والمسرحي.

وتمثل خطوة الشركة انفتاحاً تغلفه بعض الأطر العامة للعمل داخلها لتقديم دراما هادفة، إذ شكلت الشركة المتحدة لجنة ضمت عددا من المتخصصين في مجال الدراما لقراءة النصوص المقدمة ومعالجتها قبل عرضها على مجموعة في قسم الإنتاج الدرامي داخلها واختيار الأعمال المشاركة.

فايزة الهنداوي: الدولة تحاول وضع حد لاستغلال قوة مصر الناعمة

وينظر العديد من النقاد إلى خطوة الشركة المتحدة باعتبارها مقدمة للتحرر الإنتاجي بعد أن سمحت بدخول عدد محدود من جهات الإنتاج العام الماضي ضمن شراكة مع شركة «سينرجي» التي لعبت دورا مهما خلال السنوات الماضية في الدراما المصرية.

وتشير الخطوة الجديدة إلى أن عملية الانفتاح تسير بوتيرة محسوبة ووفقاً لخطوات مدروسة بما لا يقود إلى عودة حالة الفوضى في الإنتاج التي سادت خلال الفترة بين عامي 2012 و2017 والتي شهدت غيابا شبه كامل للجهات التابعة للدولة مع انتهاء عصر الإنتاج التلفزيوني الحكومي.

وتشكل خطوة الشركة المتحدة استجابة مباشرة لتوالي شكاوى شركات الإنتاج والفنانين من تداعيات احتكار النسبة الأكبر من السوق الدرامي منذ عام 2018، وهو ما قاد إلى حالة من التململ في أوساط فنية عديدة وجهت انتقادات علنية لتوجهات الجهة المحتكرة، وبدا واضحًا أن المتضرر الأول منها هو الدراما المصرية وسط سوق يشهد انفتاحاً عربيًا أثر سلبًا على حضور الأعمال المصرية وقدرتها على المنافسة.

دراما متنوعة

تتنوع الأعمال الدرامية التي تقدمها الجهات العاملة في إطار الشركة المتحدة بين أعمال تعالج الأوضاع الاجتماعية والبطولات الوطنية والأعمال الكوميدية والمسلسلات التي تسلط الضوء على قضايا تهم قاطني الصعيد، وهم سكان جنوب مصر الذين باتت المعالجة الدرامية لأوضاعهم جذابة، علاوة على الأعمال الخاصة بالقصص الخفيفة التي تقدم في حلقات قصيرة.

ويعد مسلسل «الاختيار 3»، بطولة كريم عبدالعزيز وأحمد عز وأحمد السقا، من أبرز الأعمال التي تقدمها الشركة المتحدة بالتعاون مع عدد من جهات الإنتاج إلى جانب مسلسل «المشوار»، بطولة محمد رمضان ودينا الشربيني وبيومي فؤاد، ومسلسل «جزيرة غمام»، بطولة طارق لطفي وفتحي عبدالوهاب ومي عزالدين، و»ملف سري» بطولة هاني سلامة.

وظهرت رغبة من جانب الجهات القائمة على إدارة الشركة المتحدة في أن يكون هناك حضور لغالبية النجوم المصريين في الأعمال التي سوف تعرض حتى مع تقديم عدد قليل من الأعمال مقارنة بالسنوات الماضية، ما يفسر تزايد حجم الأعمال المشتركة، مثل مسلسل «أحلام سعيدة» بطولة يسرا وغادة عادل، و»ملف سري» بطولة هاني سلامة وماجد المصري.

أحمد سعدالدين: سوق الدراما سينتعش بعودة شركات كانت مبتعدة

وأكد حسام صالح أن «جميع النجوم المصريين مشاركون في 14 عملا تقدمها الشركة بالتعاون مع جهات الإنتاج الأخرى، وأنا أحاول إيجاد اسم أحد من النجوم غير موجود ولا أستطيع».

وقالت الناقدة الفنية فايزة الهنداوي لـ»العرب» إن «الجهات المسؤولة عن ملف الدراما اتخذت جملة من الخطوات الإيجابية التي تستهدف استعادة الريادة على مستوى الإنتاج الدرامي بعد أن استشعرت مخاطر سحب البساط من تحت أقدامها لصالح قنوات ومنصات ومهرجانات عربية تعمل على استغلال قوة مصر الناعمة والسيطرة عليها».

وأضافت في تصريح لـ»العرب» أن «جهات حكومية عمدت خلال الأشهر الماضية إلى وضع خطط لاستعادة الثقة مع المنتجين لإعادة صياغة العلاقة معهم بما لا يقود إلى تكرار شكاوى من وجود بطالة في أوساط الفنانين وبما لا يشكل أزمة على مستوى توظيف الدولة لأدواتها، ويشكل رمضان المقبل خطوة أولى لتصحيح الأخطاء السابقة».

ويعد التوجه الجديد ترجمة لعملية إعادة هيكلة الشركة المتحدة في شهر مايو الماضي، وتعيين إدارة جديدة سيطرت عليها الجوانب المهنية والإدارية على نحو أكبر، وقررت في ذلك الحين فتح المجال أمام كافة شركات الإنتاج للتعاون والعمل على تقديم أعمال درامية تستهدف التعامل مع المشكلات التي جرت إثارتها في رمضان الماضي.

وأثارت الخلافات بين أبطال مسلسل «نسل الأغراب» أحمد السقا وكريم كرارة مع مؤلف العمل ومخرجه أحمد سامي، وانتهت بقرار وقف الشركة المتحدة التعامل مع الأخير، جدلاً واسعاً حول كيفية إنتاج الأعمال وتقديمها.

كما أن مسلسل «أحمس» واجه انتقادات منذ الإعلان عن الدعاية الترويجية على مستوى ضعف الإنتاج والمحتوى المقدم من خلاله وقاد ذلك إلى توقف عملية إنتاجه.

وربطت الهنداوي بين التنوع الإنتاجي وبين خطوات تطوير منصة «واتش إت» التابعة للشركة المتحدة، واعتبرت أن هناك رغبة في أن تنافس المنصة المصرية نظيرتها العربية وتعتمد على شركات الإنتاج الخاصة لتقديم أعمال خاصة بالمنصات إلى جانب أنها تسعى جاهدة لتوفير أكبر مكتبة أفلام عربية يمتلكها التلفزيون الحكومي.

تغيير الخارطة الفنية

عملية الانفتاح تسير بوتيرة محسوبة ووفقاً لخطوات مدروسة بما لا يقود إلى عودة حالة الفوضى في الإنتاج
عملية الانفتاح تسير بوتيرة محسوبة ووفقاً لخطوات مدروسة بما لا يقود إلى عودة حالة الفوضى في الإنتاج

أعلنت منصة «واتش إت» في مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء عن تغيير جذري في شكل المنصة وطريقة الاشتراك، واستهدفت الاستحواذ على عدد كبير من المحتويات الدرامية والسينمائية للتوسع على المستوى العربي والإقليمي.

وقال رئيس الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية حسن عبدالله إن الاستراتيجية الجديدة للمنصة تقوم على عدد من العناصر الأساسية، وهـي خطة جديدة في عمليات الاستحواذ على المحتوى الدرامي والسينمائي المصري والعربي، مع التوسع في إنتاج الأعمال الأصلية، وتطوير شـكل التطبيق والتكنولوجيا المستخدمة في تشغيله، بحيث يجعله أكثر سهولة وسلاسة للمستخدم ويثري تجربة المشاهدة من خلال توظيف عدد كبير من تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وحسب نقاد فنيين فإن الشركة المتحدة تسعى للخروج من الإطار الذي جرى وضعها فيه السنوات الماضية باعتبارها جهة رسمية لتقديم رؤية النظام السياسي من خلال الدراما، وتحاول الخروج من تلك البوتقة إلى تقديم المزيد من المحتويات المتعددة عبر استغلال العناصر الفنية التي قد تكون عوضَا عن الإمكانيات المادية التي تتمتع بها دول عربية أخرى دخلت السوق الدرامي بإنتاج ضخم.

“واتش ات” استهدفت الاستحواذ على عدد كبير من المحتويات الدرامية والسينمائية للتوسع على المستوى العربي والإقليمي

وأكد الناقد الفني أحمد سعدالدين أن وجود تنوع إنتاجي داخل إطار الشركة المتحدة يعد عاملاً إيجابياً تفوق نتائجه عملية التحرر الإنتاجي الكامل الذي قد يؤدي إلى تكرار محتويات بعينها وإغفال أعمال أخرى، وسيكون الحكم على التجربة الحالية عبر جودة الأعمال المقدمة في رمضان المقبل وتنوعها، لكن في كل الحالات فإن سوق الدراما سيكون أمام انتعاشة جديدة نتيجة عودة شركات ابتعدت طيلة السنوات الماضية.

وأوضح في تصريح لـ»العرب» أن «الشركة المتحدة تقوم بنفس أدوار قطاع الإنتاج داخل اتحاد الإذاعة والتلفزيون في تسعينات القرن الماضي التي شهدت تنوعاً وجودة في الأعمال المقدمة عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص»، مضيفا أن «الفارق في الوقت الحالي يكمن في محدودية الأعمال المقدمة مقارنة بما كان يحدث سابقًا، وقد يكون ذلك متماشياً مع طبيعة السوق الدرامي في الوقت الحالي».

وفي مصر لا تمانع الجهات الحكومية في عودة المزيد من شركات الإنتاج للعمل مرة أخرى بما يخدم رؤيتها للتنافسية الفنية والدرامية، وترى أن الوقت مناسب بعدما حققت خطوات الاحتكار أهدافها من جهة التحكم في سوق بيع المسلسلات للقنوات الفضائية والمنصات وضبط مستوى أجور الفنانين، بما مكن الشركة المتحدة من حصد مكاسب إنتاجية ودعائية للقنوات الفضائية التابعة لها.

14