دراما البوتوكس

عمليات التجميل ليست مرفوضة عندما يقتصر الأمر على إجراء بعض التحسينات، لكن المبالغة فيها مرفوضة.
الأربعاء 2024/11/06
يفترض بالممثلة المحافظة على تعابير وجهها

أصبح العالم اليوم يسير أكثر نحو تقبل الجسد البشري كما هو، مع الاتجاه نحو إجراء تحسينات تجميلية لا تضر بالجسد الطبيعي، والتخلي عن بعض العلاجات التي أدمنتها النساء العربيات تحديدا، وفي مقدمتها "البوتوكس" و"الفيلر".

رغم ذلك لا تزال الفنانات والممثلات العربيات يقبلن على "شل" وجوههن بالبوتوكس، في حين يدركن أن الوجه هو أداتهن الأولى والأهم للتمثيل وللإقناع بأدوارهن. منذ السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، بدأت قناة “أون دراما” ومنصة “واتش إت” عرض مسلسل “وتر حساس” الذي أخرجه وائل فراج، ومن تأليف أمين جمال وبطولة صبا مبارك وإنجي المقدم وهايدي كرم ومحمد علاء.

يناقش المسلسل قضية الخيانة الزوجية وحقيقة الصداقة من خلال حكاية صداقة بين ثلاث سيدات (طبيبة ومحامية وموظفة)، تشك المحامية كاميليا (إنجي المقدم) في وجود علاقة بين زوجها رشيد (محمد علاء) وصديقتها رغدة (هايدي كرم)، لكن زوجها في الحقيقة على علاقة بابنة خالتها وصديقتها سلمى (صبا مبارك) ويحاولان إخفاء الأمر وإيجاد حل له. في الأثناء، يُعجب أكرم صديق رشيد بسلمى فيقرر خطبتها، ولكن رشيد يعترف لسلمى بحبه ويحاول إقناعها برفض زواجها من أكرم.

حكاية معقدة كثيرا، كتعقيدات النفس البشرية، تسلط الضوء في كل حلقة على قيمة الصداقة والصدق في المعاملة، وتقدم نماذج لا تشجع المشاهدين على الثقة في معارفهم وحتى أقاربهم، لكن الغريب أن المخرج اختار هذه المجموعة من الممثلين الذين تجاوزوا منتصف الأربعين ليظهرهم وكأنهم مراهقون لا تزال مغامرات الحب والمكائد أول اهتماماتهم.

لن نركز كثيرا على تحليل المسلسل وعناصره الدرامية، وإنما الخلل الفظيع هنا، هو كمية البوتوكس المحقونة في وجوه أبطال المسلسل جميعهم، فالأربعة الذين تتنقل المشاهد واللقطات بينهم بنسبة أكبر تكاد وجوههم تكون “مشلولة” شللا تاما وعاجزة عن التعبير الجيد، وخاصة الممثلات.

ما الذي يدفع ممثلة إلى حقن وجهها بهذه الكمية من المواد التي تشل حركة العضلات؟ لا أجد أي سبب مقنع لذلك حتى وإن أردنا مواكبة الموضة والظهور بمظهر حسن. وأظن أن الغالبية من النقاد والصحافيين والجمهور يوافقونني الرأي. والممثلات هنا في موقع المؤثر، هن يؤثرن بالمجتمع وليس العكس، وكان باستطاعتهن تجميل وجوههن بطريقة لا تلغي قدرتهن على التعبير بحركة الحاجبين وبحركة الشفتين وبالضحكة وبكل تعبيرات الوجه.

ملامح باردة ومتصلبة زادها المكياج المتشابه سوءا، حتى إنها صارت موضوعا للسخرية والتنمر من متابعي المسلسل، وأضافت لها الأزياء الخاصة بكل ممثلة الكثير من اللاواقعية، حيث يلبسن ثيابا أقرب لما ترتديه زميلاتهن في المسلسلات التركية. وهنا لا نفهم سر هذا الإصرار الكبير من بعض منتجي الدراما العربية على تقليد نمط المسلسلات التركية، ما يحصر هذه المسلسلات في الطبقة المخملية، رغم أن هذه الطبقة في المجتمع العربي هي الأخرى لديها خصوصية وهوية تختلف عما روجت له الدراما التركية.

هذه العمليات وما رافقها من أزياء عصرية تدخل بعض الفنانات في دوامة التكرار، إذ تبدو أدوارهن متكررة مهما تنوعت المسلسلات ومواضيعها، وبعض هؤلاء لا يدركن الخطأ الذي يرتكبنه في حق موهبتهن، فيعجّلن بنفور المشاهد منهن، أو يهدمن مسيرة سنوات من الإبداع.

عمليات التجميل ليست مرفوضة عندما يقتصر الأمر على إجراء بعض التحسينات، لكن المبالغة فيها مرفوضة لأنه يفترض بالممثلة المحافظة على تعابير وجهها. التجاعيد ليست عيبا وعلى الممثلات العربيات إدراك أن التقدم في السن ليس عيبا، وأن الوقت قد حان لبعضهن ليلعبن أدوار الأمهات ويتخلصن من سطوهن المستمر على أدوار الشابات، ولهن بالنجمة السورية والعربية منى واصف خير نموذج، فقد عاشت مراحل تجربتها كاملة دون خوف من السن وإنما وظفته لصالحها.

18