داعش يتربص بالمناطق السنية العراقية لحظة انضمامها لموجة الاحتجاجات

ظهور تنظيم داعش مجددا في المناطق السنّية العراقية في لحظة بدأ فيها سكّان تلك المناطق يكسرون جدار الخوف ويستعدّون للحاق بموجة الاحتجاجات العارمة المتفجّرة منذ شهرين في بغداد ومدن الجنوب، يثير الريبة حول إمكانية استخدام التنظيم المتشدّد كفزّاعة لتحييد جزء هام من المجتمع العراقي من معركة الشارع الشرسة ضدّ النظام الذي ستتضاعف محنته وتتضاءل حظوظه في التماسك والبقاء في حال تخطّت الاحتجاجات حدود مناطق الشيعة وعمّت مختلف أرجاء البلاد.
بعقوبة (العراق) - عاد تنظيم داعش للظهور بشكل مفاجئ والضرب بقوّة في مناطق السُنّة بشمال العراق، وذلك في وقت بدا فيه أنّ تلك المناطق بصدد التململ استعدادا للحاق بأكبر موجة احتجاجات يشهدها البلد، واقتصرت إلى حدّ الآن على العاصمة بغداد ومحافظات الجنوب، حيث الموطن الرئيسي للشيعة العراقيين.
وخلال اليومين الأخيرين، سقط ثمانية قتلى وتسعة جرحى من الحشد الشعبي، خلال أقل من أربع وعشرين ساعة جرّاء هجمات شنها تنظيم داعش على مقار تابعة للحشد الشعبي في محافظات ديالى، والأنبار، وصلاح الدين بشمال وغرب العاصمة العراقية بغداد.
وغير بعيد عن سياق توتير الأوضاع بشمال وغرب العراق، سقطت الثلاثاء خمسة صواريخ داخل قاعدة عين الأسد الواقعة في محافظة الأنبار والتي توجد بها قوات أميركية. ولم يسفر الهجوم بحسب بيان للجيش العراقي عن سقوط أي مصابين.
ويتخوّف سكان تلك المحافظات من أن يتمّ التلاعب بتنظيم داعش، وتعمّد فتح ممرات له لتنفيذ عمليات دموية، تزرع الرعب بين السكّان وتردعهم عن التفكير في التظاهر والاحتجاج. وترى مصادر سياسية أنّه توجد بالفعل دوافع قوية لدى السلطات العراقية للجوء إلى هذه الورقة، ذلك أنّ انضمام مناطق السنّة لموجة الاحتجاجات يعني عمليا إصابة النظام القائم في مقتل.
ومنعت القبضة الأمنية المحكمة التي تبرّرها السلطات بوجود تهديدات من فلول داعش، وأيضا الظروف المترتّبة عن سنوات الحرب ضدّ التنظيم المتشدّد وما خلّفته من أوضاع اقتصادية واجتماعية معقّدة، سكّان مناطق شمال وغرب العراق من المشاركة في الاحتجاجات العارمة، لكّن مجاميع شبّانية مشكّلة في أغلبها من الطلاّب، بدأت خلال الأيام الماضية تتخطّى جدار الخوف من السلطات، وتنظّم وقفات تضامنية مع المحتجّين الذين قتلوا وجرحوا بأعداد كبيرة في محافظتي ذي قار والنجف.
وشهدت ديالى وصلاح الدين والأنبار وكركوك ونينوى وقفات طلاّبية اتّشح المشاركون فيها بالسواد حزنا على القتلى في تظاهرات مدن الجنوب.
وأعلنت عشائر محافظة الأنبار، الثلاثاء، تأييدها الكامل للاحتجاجات الشعبية في العراق، مؤكدة على ضرورة الاستجابة لمطالب “المنتفضين المشروعة”.
وقالت العشائر في بيان “إنّ المحافظة التي تُقدم الغالي والنفيس دفاعا عن أرض العراق واستقلاله وكرامته، تؤيد المنتفضين في ساحة التحرير وكل ميادين التظاهرات في المحافظات العراقية، وتتضامن معهم، وفي طليعتهم الشباب العراقي الذي يبذل دمه وروحه ويُصر على استعادة وطنه صابرا مرابطا بوجه قسوة الظروف الصعبة والاستهداف المباشر من الأجهزة الأمنية الحكومية وميليشيات الأحزاب”.
لدى السلطات دوافع قويّة للتلاعب بورقة داعش، فانضمام مناطق السنة لموجة الاحتجاجات يعني مقتل النظام
وجاءت هجمات داعش بالتزامن مع الأزمة السياسية والأمنية التي يشهدها العراق، وبعد ساعات من موافقة البرلمان على استقالة حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي.
ونفذ مسلحو التنظيم الهجوم الأول على مقر اللواء 20 في الحشد الشعبي في منطقة نفط خانة شمال شرقي محافظة ديالى، ما خلف ستة قتلى وخمسة جرحى حسب ما نقلته وكالة الأناضول عن النقيب في شرطة ديالى حبيب الشمري.
وفي محافظة الأنبار بغرب العراق، شن مسلحو داعش هجوما على حاجز أمني للحشد الشعبي في منطقة الكرمة؛ ما أسفر عن مقتل أحد عناصر الحشد وإصابة آخر، حسب الموقع الإلكتروني الرسمي للحشد الشعبي.
وفي ناحية يثرب جنوبي محافظة صلاح الدين شمالي بغداد، شن عناصر من التنظيم هجوما على موقع للحشد العشائري التابع للحشد الشعبي، ما أوقع قتيلا وثلاثة مصابين من الحشد وفق ما ذكره الملازم في شرطة المحافظة نعمان الجبوري.
وجاءت تلك الهجمات إثر تحذيرات من مسؤولين أمنيين وسياسيين من إمكانية استغلال عناصر داعش للوضع الأمني المتوتر في مناطق وسط وجنوب العراق لتنشيط خلاياه النائمة.
وتظهر خارطة توزيع الاحتجاجات الجارية في العراق حسب المحافظات، أنّ المناطق المنتفضة بوجه النظام هي مناطق وسط وجنوب البلاد حيث يتركّز وجود الطائفة الشيعية التي تعتبر الحاضنة الأساسية للنظام نفسه، فيما المحافظات الشمالية والغربية ظلتّ هادئة خلال موجة الاحتجاج العارمة التي تشهدها البلاد منذ مطلع الشهر الجاري.
وعمّت الاحتجاجات محافظات بغداد وبابل والنجف والديوانية وكربلاء وواسط وميسان والمثنى وذي قار والبصرة، بينما ظلّت محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك والأنبار ونينوى هادئة.
أمّا المحافظات الثلاث المشكّلة لإقليم كردستان العراق، السليمانية وأربيل ودهوك، فلها وضعها الخاص وقضاياها المرتبطة بأوضاع الإقليم شبه المستقلّ، والتي تجعل سكانها لا يتفاعلون كثيرا مع ما يجري في باقي أنحاء العراق.
ولا يعني ذلك، وفق المتابعين للشأن العراقي، أنّ أبناء الطائفة السنّية العراقية آثروا موقع المتفرّج على أبناء الطائفة الشيعية وهم يصفّون حساباتهم مع النظام المنبثق منهم، بعد أن اضطهدهم وأفقرهم طيلة أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن، ولكنّ الواقع أن هناك موانع ومحاذير تمنع أبناء محافظات شمال وغرب العراق من التظاهر. وعلى رأس تلك الموانع الأوضاع الأمنية الهشّة وتهمة الإرهاب الجاهزة التي سيُواجه بها أي تحرّك شعبي في تلك المحافظات التي تشارك ميليشيات شيعية في مسك ملفها الأمني بعد استعادتها من تنظيم داعش إثر حرب طاحنة دارت على مدى أكثر من ثلاث سنوات وأوقعت قتلى وجرحى بالآلاف، وخلّفت دمارا هائلا في البنى التحتية وشرّدت الملايين الذين ما يزال مئات الآلاف منهم في المناطق التي نزحوا إليها.
وعلى الرغم من أنّ تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع نسب الفقر والبطالة، أصبحت بعد 16 سنة من حكم الأحزاب الدينية ظواهر عامّة في العراق تطال مختلف مناطقه، إلاّ أن الأوضاع القائمة في مناطق السنّة بالعراق لا تقارن بما هي عليه في باقي المناطق.
وتشارك أحزاب وشخصيات سنّية في العملية السياسية الجارية بالعراق منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدّام حسين، لكنّ حضورها في مدارج السلطة ومواقع أخذ القرار كثيرا ما يوصف بالهامشي، وأن دور تلك الشخصيات والأحزاب هو تجميل حكم الأحزاب الشيعية وإضفاء مسحة من التشاركية الشكلية عليه.