خيمة محمد شكري بطنجة تجمع المثقفين العرب والمغاربيين

منذ مطلع الألفية الحالية، اختارت مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية “تويزة” عنوانا لمهرجان ثقافي وفني دولي تحتضنه طنجة الدولية، مدينة ابن بطوطة، والوجهة الثقافية الأثيرة لماتيس ودو لا كروا ورامبرانت وبول بولز وجان جينيه وتينسي ويليامز وخورخي لويس بورخيس… مهرجان يشد إليه أنظار وأفكار المثقفين العرب والمغاربيين، القادمين من أقطار المغرب العربي، وهم يبحثون عن مستقبل للثقافة العربية على ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط.
يلتقي المثقفون العرب والمغاربة الجمعة 20 يوليو الجاري في “خيمة محمد شكري”، بمدينة طنجة، خلال افتتاح الدورة 14 من مهرجان “تويزة”، الذي تنظمه مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية.
وتقام الدورة الحالية من المهرجان تحت شعار “مستقبل الثقافة في الفضاء المغاربي”، بحضور الروائي الليبي إبراهيم الكوني، والمفكر التونسي يوسف الصديق، والروائي الجزائري واسيني الأعرج والكاتبة التونسية ألفة يوسف. بينما يحل أدونيس، شاعرا ومفكرا، ضيفا على الدورة الحالية من المهرجان.
تضامن أمازيغي
تعني الكلمة الأمازيغية “تويزة” في المغرب والجزائر عملية التضامن التي ينخرط فيها سكان قرية أو جماعة من أجل القيام بعمل إنساني نبيل، من قبيل المساهمة في بناء بيت آيل للسقوط لشيخ طاعن في السن أو سيدة مستضعفة، أو من أجل حرث أرض جماعية، أو فتح طريق غير سالكة.. طقوس تعبر عن حاجة إنسانية في العيش المشترك، القائم على التبادل والتعايش والتقاسم. من هنا، يأتي التفكير في موضوع “مستقبل الثقافة في الفضاء المغاربي”، محورا للدورة الحالية من مهرجان طنجة، التي تقام نهاية الأسبوع الجاري.
ولعل هذا ما يؤكد عليه رئيس مؤسسة محمد شكري، الشاعر والإعلامي عبداللطيف بنيحيى، في لقاء مع “العرب”، وهو يرى أن الحديث عن مستقبل الثقافة في فضائنا المغاربي إنما هو “دعوة صريحة من أجل التضامن والتواصل والتبادل الثقافي ما بين المثقفين والمؤسسات الثقافية في منطقة المغرب العربي، باعتبارها منطقة تتوفر على أكثر من امتداد حضاري، أمازيغي وعربي ومتوسطي”.
ويؤكد بنيحيى، أحد أبرز الأصدقاء “الطنجاويين” للكاتب المغربي الراحل محمد شكري، أن أغلبية المثقفين المغاربة يجهلون الكثير عن مثقفي الجزائر وتونس وليبيا، وكذلك الحال مع مثقفي هذه البلدان المغاربية.
وإذا كان محمد شكري أشهر كاتب ينحدر من الثقافة الأمازيغية، فإن صديقه عبداللطيف بنيحيى سيذكرنا بمغاربية شكري، وهو الذي عاش تجربة حياتية حدية في مدينة وهران الجزائرية، التي توقف عندها في سيرته الروائية “الخبز الحافي”، يوم هاجر إلى وهران، في زيارة لبيت عمته. وهي زيارة دالة في هذا السياق. والشاهد عندنا ذلك المثل الشعبي الذي يورده محمد شكري، عندما يقول: “وهران، الداخل إليها زربان، والخارج منها هربان”. أي من يدخلها يدخلها على عجل، ومن يغادرها يغادرها مثل هارب.
مرة أخرى، يلتقي المثقفون العرب والمغاربة في “خيمة شكري”، وفي أنفسهم شيء من حتى. ذلك أن “مؤسسة محمد شكري” التي تنظم هذا الموعد الثقافي السنوي منذ 12 عاما، لم تتمكن بعد من الحصول على أرشيف هذا الكاتب العربي العالمي الذي شغل العالم، ولا يزال واحدا من أهم كتّاب الهامش في مدونة السرد الكونية.
وقد استعار منظمو لقاء “خيمة شكري” هذا الاسم من مجموعة قصصية شيقة لصاحب “الخبز الحافي”، بعنوان “الخيمة”، رسم فيها الكاتب عوالم طنجة الهامشية، وشخصياتها وأحداثها التي تجري في دروبها وخيامها السرية.
خيمة محمد شكري التي يعقدها صديقه الشاعر والإعلامي عبداللطيف بنيحيى، تحت عنوان “محمد شكري مغاربيا”، ستكون مناسبة للكشف، مرة أخرى، عن الكثير من أسرار هذا الكاتب المثير للجدل.
ثقافة الجرأة
وإذا كان مهرجان طنجة معنيا بالثقافة الأمازيغية، فإن الفضاء المغاربي هو فضاء أمازيغي. من هنا يأتي الحديث عن “مستقبل الثقافة في الفضاء المغاربي” خلال هذه الدورة من مهرجان طنجة، وهو يستضيف أعلام الكتابة المغاربية، سردا وتفكيرا وتفكيكا للمنظومات الثقافية العربية الثابتة.
وهكذا، يأتي استدعاء المفكر التونسي يوسف الصديق، وهو يقدم قراءة تاريخية لتراثنا العربي، تنزع عنه هالة القداسة، وتمنحه معنى وجوده من جديد. وذلك على غرار استدعاء مفكرين عرب ومغاربيين لا يقلون جرأة وشجاعة فكرية، في الدورات السابقات من مهرجان “تويزة”، ومنهم صادق جلال العظم ومحمد أركون في الفكر، وفاروق عبدالقادر وصنع الله إبراهيم ويوسف زيدان وشكري المبخوت… في مجال الأدب ومجاهله.
وينتمي لقاء طنجة إلى ثقافة الجرأة. فقد استضاف هذا المهرجان مفكرين جسورين، مثلما استدعى إلى منصاته فنانين ارتبطوا في ذاكرتنا الجَمْعِية بالشعر والخيال والتحرر والحرية. وتستضيف طنجة هذه الأيام المفكر التونسي يوسف الصديق، مثلما تستضيف الشاعر أدونيس، في حديث عن التحولات الدموية التي يعرفها العالم العربي في الأزمنة الراهنة.
وبينما يلتقي يوسف الصديق بجمهور مهرجان طنجة، للحديث عن “مشكلات” الثقافة العربية والإسلامية، يناقش عدد من المثقفين المغاربة الوضع الثقافي في الفضاء الأمازيغي، وفي مقدمتهم الشاعر والمفكر الأمازيغي أحمد عصيد، والشاعر والسياسي المغربي عبدالحميد جماهري والباحث المغربي محمد جبرون، إلى جانب الروائي الجزائري واسيني الأعرج والروائي الليبي إبراهيم الكوني والكاتبة التونسية المثيرة للجدل ألفة يوسف، صاحبة كتاب “ناقصات عقل ودين”، وأعمال أخرى.
ويقدم الناقد وعالم السرديات المغربي سعيد يقطين الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني، في لقاء عن “المقدمة في الموروث الميثولوجي الأمازيغي”، بينما يقدم الكاتب والناقد المغربي نجيب العوفي الشاعر أدونيس في لقاء خاص.
كما يشهد المهرجان تنظيم ندوة أخرى حول “مستقبل الأمازيغية في الفضاء الأمازيغي”، بمشاركة نهى قرين من تونس وأمال محندي من الجزائر ومادغيس أفولاي من ليبيا وفادي منصور من تونس ومحمد مصلوح من المغرب.
هو مهرجان ثقافي وفني، يعد بالكثير من الجرأة، بعدما استضاف الكثير من الأصوات الفكرية والنقدية والشعرية، في عالمنا العربي، كما أنصت جمهور المهرجان لأصوات غنائية لا تزال تجهر بصفاء الشعر ونقاء الموقف النقدي، مثل مارسيل خليفة وأميمة خليل وماجدة الرومي، الذين صدحت أصواتهم في سماء طنجة الدولية.