خيبة الانتخابات الرئاسية تشل حركة المعارضة المصرية

القاهرة - غابت الحركة المدنية الديمقراطية عن الجدل المثار بشأن ارتفاع أسعار سلع رئيسية وخدمات الأيام الماضية، ولم تصدر الحركة التي تمثل تكتلا لأحزاب المعارضة بيانا أو تتبنى موقفا موحدا يعبر عن رؤيتها لخطوات الحكومة الأخيرة، ما يشي بإصابة قوى المعارضة التي دخلت في خلافات عميقة قبل انتخابات الرئاسة بشلل سياسي، ظهر في شكل هدوء هيمن عليها خلال الفترة الماضية.
ولم تعقد الحركة المدنية الديمقراطية، التي ضمت 12 حزباً قبل أن يعلق حزبا المصري الديمقراطي الاجتماعي والعدل عضويتهما فيها، أي اجتماع لمناقشة مستقبلها، واقتصرت البيانات الصادرة عنها على دعم القضية الفلسطينية ومساندة أهالي قطاع غزة في نوفمبر الماضي، ولم تصدر عنها مواقف موحدة بشأن الإعلان عن استئناف الحوار الوطني لتحديد موقفها من المشاركة فيه.
وبدا واضحًا أن الأحزاب المنضوية داخل لواء الحركة المدنية تتخذ مواقف منفردة من القضايا العامة، واقتصر الأمر على تصريحات إعلامية من قيادات بعض الأحزاب بشأن قرارات رفع أسعار عدد من الخدمات، ما كشف عن انفصال بين الأحزاب التي اعتادت عقد اجتماعات وتبني مواقف مشتركة من الأزمات الداخلية.
أحزاب المعارضة وقعت في تناقضات جعلتها مفككة ومن الصعب التعويل عليها، وإن أتيح لها التواجد في المجال العام
وأعلن حزب الدستور، منفردا، الخميس رفضه الزيادات التي أقرتها الحكومة على أسعار خدمات النقل والاتصالات والكهرباء، مشيراً إلى أن المواطن لم يعد يستطيع تحمل المزيد من الأعباء، وطالب الحكومة بالبحث عن وسائل أخرى لسد أقساط القروض غير فرض رسوم جديدة وزيادة سعر الخدمات.
ويرى مراقبون أن الارتباك العام الذي تعانيه أحزاب فشلت في تبني موقف موحد من المشاركة في الانتخابات الماضية أو مقاطعتها ستكون له تداعيات على فاعليتها مستقبلا، حيث وقعت في تناقضات جعلتها مفككة ومن الصعب التعويل عليها، وإنْ أتيحت لها فرصة التواجد في المجال العام مع مؤشرات رجحت تعديل قانون انتخابات مجلس النواب، وإقرار قانون المجالس المحلية المجمدة منذ 13 عاماً.
ولن يخدم الخمول الطاغي على الأحزاب المدنية قوى المعارضة أو الجهات الحكومية الراغبة في تجهيز بدائل مدنية لانتقال السلطة بعد انتهاء الفترة الرئاسية الحالية والأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي بعد ستة أعوام.
وتفتح هذه المسألة الباب أمام إمكانية إدخال تعديلات تسهم في تغيير الصورة الحالية للمعارضة، وأن حدوث ذلك بقرارات فوقية لن يحقق الغرض العام من تجهيز البديل وعلى المعارضة تغيير فلسفتها للتعامل مع المشهد العام، ووضْع خلافاتها جانباً.
وقال رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) محمد أنور السادات إن أحزاب الحركة المدنية أو بعض الشخصيات العامة المنضوية داخلها والمعارضين من خارجها يبحثون عن سبل التحرك في المرحلة المقبلة، ويدور نقاش حول سبل التعامل مع الحكومة المصرية والجهات الرسمية، وما إذا كانت المعارضة ستستمر في الحوار الوطني أم لا، غير أن هذه المشاورات تجري على المستوى الثنائي بين الأحزاب أو بمشاركة مجموعات أكبر.
وأضاف السادات في تصريحات لـ”العرب” أن “بعض الأحزاب تبحث عن أهدافها الذاتية أولا وتحاول أن تلتقط أنفاسها بعد ارتباك تعرضت له بسبب الموقف من انتخابات الرئاسة، والبعض يسعى لتقوية وضعه الداخلي من خلال ضم كوادر جديدة أو افتتاح مقرات تجذب المواطنين، والانتظار لوضوح التوجه العام للدولة تجاه الأحزاب في الفترة المقبلة وما إذا كانت ستشهد سن تشريعات وقوانين جديدة تنظم الانتخابات المقبلة، وهل سيتم فتح المجال العام أمامها؟ وهل ستقْدم الحكومة على إجراءات الإفراج عن بعض المحبوسين على ذمة قضايا رأي؟”.
وتعد الإجابة على هذه التساؤلات الحرجة عملية حيوية سياسيا، لأنها ستكون كفيلة بتحديد التوجهات وفرص الاشتباك مع الفضاء العام.
وأقر السادات بأن الحركة المدنية لم تشتبك مع القضايا العامة جيدا، وتأثرت بخلافات نشبت داخلها، واكتفى الجميع الفترة الماضية بتحركات فردية عبر نواب المعارضة في البرلمان أو من خلال مواقف إعلامية، انتظاراً لما يمكن وصفه بعملية “استعادة عافية الأحزاب”.
وتحتاج أحزاب المعارضة حسم مجموعة من الملفات المهمة على المستوى الداخلي قبل أن تعيد صياغة خطابها للرأي العام، فالتواجد في تكتل واسع يضم أطيافا من اليمين واليسار والوسط لم يحقق أهدافه الإيجابية، على الرغم من أن التكتل يعد الأمثل لضمان تشكيل كتلة تتسم بقدر من الفاعلية على الأرض.
حزب الدستور يرفض الزيادات التي أقرتها الحكومة على أسعار خدمات النقل والاتصالات والكهرباء، مشيراً إلى أن المواطن لم يعد يستطيع تحمل المزيد من الأعباء
وبات ضروريا أن تقوم المعارضة بإعادة النظر في مواقف اتخذتها قبل أن تضطر إلى التراجع عنها لعدم قدرتها على الالتزام بها، وهو ما ظهر سابقًا في الشروط التي وضعتها للمشاركة في الحوار الوطني ثم تراجعت عنها، فضلا عن الوقوع في تناقضات تتعلق بضمانات الانتخابات الرئاسية وسبل المشاركة فيها.
ووضعت حالة الركود التي تتسم بها الأحزاب وغياب القيادة التي تستطيع التأثير في الرأي العام المعارضة في موقف لا تحسد عليه، لأن ما يمكن تسميته بـ”توازن الضعف” داخل الحركة المدنية أدى إلى نشوب نزاعات لا طائل منها، وضحت عندما جرى طرح فكرة التوافق على مرشح واحد يمثل المعارضة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ولفت السادات في حديثه لـ”العرب” إلى أن إعادة هيكلة الحركة المدنية من أبرز الملفات التي يدور النقاش حولها حاليا، بما يساعد على إعادة تنظيم العمل السياسي داخلها، وتتطرق النقاشات إلى إعداد لائحة عمل تمنح الحق في اتخاذ القرار وفقا للأغلبية، حتى لا تتكرر مواقف سابقة فشل فيها الجميع في التوافق حول قضايا محددة، وتوسيع قاعدة المنضوين داخل الحركة عبر استقطاب أحزاب وشخصيات عامة أبدت رغبتها في الانضمام إليها، وتنقيح العضويات الحالية.
وقد تتسبب هذه الخطوات في موجة جديدة من الخلافات التي أصبحت سببا رئيسيا في “تجميد” عمل الحركة خلال الشهرين الماضيين، ولذلك هي بحاجة إلى تفاهمات واضحة على خارطة طريق تحدد معالم وموقف المعارضة من العمل السياسي، وتحقيق الأهداف أولاً قبل التنازع على الزعامة والثقل الحزبي الذي تسبب في تشرذمها.