خيارات بنوك لبنان معدومة للإفلات من فخ إعادة الهيكلة

تزايد المخاوف من أن تضطر المصارف العاجزة عن جمع رأس مال جديد إلى التوقف عن العمل.
السبت 2020/08/29
خطة إنقاذ انتحارية

وجه حاكم مصرف لبنان المركزي تحذيرا إلى كافة البنوك من مغبة عدم الالتزام بخطط إعادة هيكلتها المتمحورة حول زيادة رؤوس أموالها خلال مهلة لا تتجاوز ستة أشهر من الآن وإلا فإنها ستكون مجبرة على مغادرة السوق، في تحرك اعتبره محللون أنه يفتح الباب أمام مواجهة بين الطرفين قد تكون بمثابة “القشة”، التي ستقصم ظهر الاقتصاد المنهار.

بيروت - يسعى صانعو السياسات النقدية في لبنان إلى معالجة الأضرار التي تعاني منها المصارف المحلية، بعد أن شكلت صداعا مزمنا طفا على السطح بالتزامن مع الأزمة السياسية التي أدت إلى تفجر الاحتجاجات في منتصف أكتوبر الماضي.

ويرجح محللون أن تكون المصارف تحت ضغوط شديدة من أجل زيادة رأس مالها وفق الخطة التي يرمي إلى تحقيقها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة.

ويبدو أن مجالس إدارات البنوك أمام خيارات صعبة خاصة وأن المصارف في وضع معقد بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي زادت من أوجاعها كارثة مرفأ بيروت مطلع هذا الشهر، فضلا عن التخبط السياسي المستمر.

والخطة المقترحة تدعو إلى إعادة رسملة القطاع المصرفي بالكامل وهي مهمة يُجمع مصرفيون على أنها لن تكون سهلة نظرا للأزمة المالية التي يعاني منها لبنان.

وهناك مخاوف متزايدة من أن تضطر المصارف التي تعجز عن جمع رأس مال جديد إلى التوقف عن العمل مما يزيد من تضرر الاقتصاد.

ويريد سلامة من المصارف إجراء تغييرات كبيرة بعد أن غرقت البلاد في أزمة مالية لا أحد يستطيع التكهن بموعد انتهائها، لاسيما مع كشف أحد كبار المسؤولين الشهر الماضي أن البنوك هرّبت 6 مليارات دولار إلى الخارج منذ بداية الأزمة.

وقال سلامة في مقابلة مع وكالة رويترز إن “البنوك اللبنانية غير القادرة على زيادة رأس المال بنسبة 20 في المئة بنهاية فبراير 2021 سيتعين عليها الخروج من السوق”.

وأوضح أن تلك البنوك ستترك السوق بأن تعطي أسهمها إلى البنك المركزي، مشيرا إلى أنه لا يستطيع التكهن بعدد البنوك التي ستغادر.

ووفق الأرقام الرسمية، توجد في لبنان 40 مؤسسة مصرفية تقدم الخدمات لنحو ستة ملايين نسمة، وتشير التقديرات إلى أن نشاطها جعل القطاع المصرفي يتضخم إلى أربعة أضعاف قياسا بحجم الاقتصاد.

20.6 مليار دولار قيمة رأس المال المجمع للبنوك اللبنانية بسعر الصرف الرسمي وفق البيانات

وكان المركزي قد أعلن قبل أسابيع عن تشكيل لجنة لإعادة هيكلة البنوك في البلاد، في محاولة وصفها خبراء بأنها “متأخرة لإصلاح القطاع المصرفي”.

وقالت مذكرة صادرة عن المركزي حينها إنه “أنشأ لجنة لإعادة هيكلة البنوك التجارية المتضررة ماليا في البلاد ودراسة أدائها”.

وأوضحت أن مهمة اللجنة إعادة هيكلة البنوك ودراسة الأداء المالي للمصارف اللبنانية واقتراح الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامة القطاع.

ويأمل حاكم المركزي أن تتمكن جميع البنوك من استيفاء المعيار، ولكنه أكد أنه بعد شهر فبراير المقبل، سيتعين على من يعجزون عن ذلك أن يخرجوا من السوق، مشددا على أن “الودائع ستصان لأن البنك لن يكون في وضع إفلاس”.

ويبلغ رأس المال المجمع للبنوك اللبنانية 31 تريليون ليرة أو ما يعادل 20.6 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي 1507.5 ليرة مقابل الدولار أو 8.9 مليار دولار بسعر صرف أقل يبلغ 3500 ليرة مستخدم في خطط الحكومة.

وتحول البنوك اللبنانية التي تشتد حاجتها إلى السيولة بين المدخرين وودائعهم الدولارية وتكاد تمنع تحويل الأموال إلى الخارج بشكل كامل منذ أواخر العام الماضي وسط انهيار مالي غير مسبوق.

رياض سلامة: على البنوك زيادة 20 في المئة من رأس مالها بنهاية فبراير القادم
رياض سلامة: على البنوك زيادة 20 في المئة من رأس مالها بنهاية فبراير القادم

وقال سلامة إن “مصرف لبنان المركزي يريد من البنوك المحلية أن تعزز السيولة لدى بنوك المراسلة في الخارج، والتي لا توجد لها أموال كافية معها”.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن احتياطيات المركزي من العملة الصعبة تبلغ نحو 19.5 مليار دولار، بينما يصل حجم الاحتياطيات الإلزامية إلى قرابة 17.5 مليار دولار.

وتفاقمت المشاكل الاقتصادية، التي تمتد من انحدار قيمة العملة وقيود على حركة رؤوس الأموال تمنع المدخرين من سحب دولاراتهم من البنوك،بفعل إغلاق عام لمواجهة فايروس كورونا.

ويعاني لبنان أيضا من توقف ودائع المغتربين اللبنانيين، التي كانت مصدرا أساسيا لإدامة الاقتصاد، وذلك بسبب توقف المصارف اللبنانية عن السماح لهم بسحب أموالهم، بدعوى انعدام السيولة.

ويرى محللون أن انشغال جميع دول العالم بأزمة اقتصادية عالمية كبيرة نتيجة تداعيات تفشي كورونا، يفاقم انعدام فرص حصوله على الدعم الدولي خاصة في ظل الأزمة التي خلفها انفجار مرفأ بيروت.

وكانت جمعية مصارف لبنان قد قالت في مايو الماضي إن المؤسسات المالية المحلية تعكف على صياغة خطة تحفظ لها بعض رأس المال بدلا من شطبه بالكامل كما هو منصوص عليه في البرنامج الحكومي.

وانتقدت الجمعية الخطة التي اعتمدتها حكومة حسان دياب، التي تتولى مهمة تصريف الأعمال حاليا، وقالت إنها “تمعن في تقويض الثقة” في بلد مثقل بشدة بالدين ويواجه انهيارا اقتصاديا وماليا.

وأدى الانهيار المالي إلى شح في الدولار وقفزت معدلات التضخم والبطالة والفقر مما دفع الأسعار إلى الارتفاع وأذكى الاضطرابات. وقد تعرضت البنوك لانتقادات بسبب تجميد مدخرات الناس بعد استخدام ودائعهم لتمويل الدولة المثقلة بالديون.

وتخلف لبنان، الذي ينوء بأحد أضخم أعباء الدين العام في العالم، عن سداد ديونه بالعملة الصعبة في مارس الماضي، متذرعا بتدني الاحتياطيات إلى مستويات حرجة.

ورغم نفاد الدولارات، استمر المركزي في إتاحة النقد الأجنبي لواردات الوقود والقمح والدواء بسعر الربط الرسمي، لكن سلامة ليس بإمكانه تحديد إلى متى يمكن للمركزي أن يواصل دعم الواردات الضرورية في ظل “تناقص الاحتياطيات”.

وكانت تقارير محلية نسبت إليه القول إن “المركزي لا يستطيع استخدام الاحتياطي الإلزامي لتمويل التجارة متى وصل إلى تلك العتبة”.

11