خولة أسباب بن عمر: الأدب سلاح ناعم يمنح الحياة للأصوات المختنقة

الأدب والفن يفتحان أبواب التحرر ويدافعان عن حقوق المرأة.
السبت 2024/10/19
كاتبة تهتم بقضايا مجتمعها

تظهر خولة أسباب بن عمر كنموذج نسائي مغربي توظف أعمالها السينمائية والأدبية من أجل إحداث تساؤلات وتغييرات في المجتمع، حيث تنتقد في روايتها الأخيرة التحديات التي تواجهها المرأة المغربية للتحرر من القيود الشخصية والاجتماعية. وفي حوار مع “العرب” تكشف الكاتبة الكثير عن تجربتها الروائية.

الرباط - في المغرب تجارب نسائية فريدة تنبض بالإبداع والتحدي، حيث تبرز نساء مخرجات وروائيات قادرات على تغيير الصورة النمطية السائدة حول دور المرأة في المجتمع. وعلى الرغم من قلة عددهن، إلا أنهن يخضن نضالا حقيقيا من أجل حقوقهن، مع الحفاظ على توازن دقيق في التعبير عن قضاياهن وقضايا الرجال. ومن بين هؤلاء النساء المتميزات، تبرز خولة أسباب بن عمر، التي تعد مثالا حيا للمبدعة التي تستخدم فنون السينما والأدب كأداة للنضال والتغيير.

وتسعى هؤلاء النساء من خلال أعمالهن إلى إلقاء الضوء على التحديات التي تواجهها المرأة في المجتمع المغربي، بالإضافة إلى التوجه نحو تعزيز المساواة بين الجنسين، حيث إنهن يروين قصصا تبرز قوة المرأة وصمودها، بينما ينادين بتحقيق العدالة الاجتماعية مع عدم إغفال دور الرجال في هذه المعادلة، وهذا التوازن في الطرح يجعل من أعمالهن مرآة تعكس واقع المجتمع المغربي، مما يساهم في إثراء النقاشات حول حقوق المرأة ودور الرجل في هذا السياق.

الأدب يمكن أن يغوص في بعض المناطق الغامضة ويسلط الضوء على المجتمع ويدفع نحو التفكير
الأدب يمكن أن يغوص في بعض المناطق الغامضة ويسلط الضوء على المجتمع ويدفع نحو التفكير

 وشهدت فعاليات المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا في دورته السابعة عشرة توقيع رواية “Presque” (تقريبا) للكاتبة والمخرجة المغربية خولة أسباب بن عمر، في إطار الاحتفاء بالنساء والمساهمة في قضاياهن، كما أشرفت على ورشات عمل موازية ومنحت جائزة الضفة الأخرى للفيلم المغربي “على الهامش” للمخرجة جيهان البحار الذي يتناول قضايا خاصة بالنساء. وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” حوار مع الكاتبة المغربية حول روايتها الجديدة.

تحكي الرواية  قصة “إطو” وتحررها من القيود الشخصية والاجتماعية، وفي توضيح للأفكار التي ألهمتها لكتابة هذه القصة، والتي يمكن أن نقول إنها تتماشى مع نضال خولة كناشطة في مجال حقوق النساء، تقول الكاتبة “ما ألهمني في البداية هو تأملي في بعض التفاصيل الدقيقة في الحياة اليومية، تلك الحركات الصغيرة التي نقوم بها والتي نادرا ما نوليها اهتماما، حيث أردت تحليلها وفهم أسبابها وتأثيرها على الدور الذي نلعبه في المجتمع. نضالي كناشطة في حقوق المرأة من أجل المساواة والعدالة وحقوق الإنسان يدفعني غالبا إلى الدفاع عن التغيير وتحسين وتطبيق القوانين، وفي روايتي أردت التفكير في كل ما لا تحكمه القوانين، وهذه كانت طريقتي في معالجة هذا الموضوع من زاوية مختلفة”.

وتوضح أن بطلة الرواية إطو، تأخذ “خطوة إلى الوراء وتعيد تقييم حياتها في كل مرحلة، وتكمن أهمية هذه المرحلة في تمكين المرأة من القدرة على تحليل الطريق الذي سلكته وإعادة النظر في أفعالها وقراراتها، فدون هذه القدرة على إعادة التقييم قد نسير في الطريق الخطأ وتلي ذلك مرحلة الوعي، واللحظة التي نكتسب فيها ما يكفي من البصيرة لنكون مسؤولين عن خياراتنا والنتائج المترتبة عليها، وفي رأيي هذا هو المسار الوحيد للتطور”.

إنها رحلة نحو المجهول، هكذا تؤكد الكاتبة لكنها توضح أن “هذا المجهول ليس سوى ذات البطلة لأنها طريقة للانفصال عن كل ما يحيطها للعودة إلى الأساسيات، كذاكرتها وأحلامها ورغباتها وشخصيتها، فبعد صدور الكتاب أدركت أنني بشكل غير واعٍ قد كررت العبارة الشهيرة التي كانت تقولها الأمهات المغربيات للتعبير عن الضيق ‘سأرتدي جلبابي وأرحل ولن تعرفوا مكاني’، والبطلة إطو بالفعل أخذت حقيبة ذكرياتها وغادرت بلا وجهة محددة، ولم يكن أحد ينتظرها باستثناء نفسها”.

وتبين لـ”العرب”، “حاولت نسج قصة حول الرسائل الاجتماعية، حيث كانت لديّ فكرة واضحة عن المواضيع التي أردت تناولها وخلقت شخصيات ومواقف لتحقيق ذلك، وفي بعض الأحيان كانت هناك صفحات لم أتمكن من ربطها ببعضها، إذ قضيت الكثير من الوقت في محاولة العثور على منطق يمكّنني من إيصال الأفكار التي كنت أسعى إليها، وفي بعض اللحظات كان الأمر أشبه بتركيب صورة باستخدام قطع الألغاز، وكأنني طفلة كنت أشعر بالفرح عندما تتلاءم القطع مع بعضها البعض”.

وترى الكاتبة والمخرجة المغربية أن “هذه المقاربة يمكن أن تساعد في فهم العبء العقلي الذي تتحمله بعض النساء وكذلك طريقتهن في التوفيق بين أدوارهن المختلفة، أو خوضهن في محاولة تحقيق تمثلاتهن للنجاح دون الوقوع في فخ تصويرهن كضحايا، كما هي طريقة لتسليط الضوء عن صعوبة دور الرجل التي قليلا ما نتطرق لها، وفي بحثنا عن العدالة المجتمعية نسمع أكثر صوت النساء كونهن الحلقة الأضعف، فهن الباحثات عن تحسين أوضاعهن، لكن هذا لا يجب أن ينسينا أن وضعية الرجال كذلك ليست سليمة، فالموضوعية تتيح لنا استكشاف التعقيد دون إصدار الأحكام”.

خولة أسباب بن عمر تعد مثالا حيا للمبدعة التي تستخدم فنون السينما والأدب كأداة للنضال والتغيير

وترى خولة بن عمر أنه ليس من قبيل الصدفة “أن نجد الناس يميلون إلى البوح بسهولة أكبر في جلسات العلاج النفسي، فأحيانا يكون من الأسهل التعبير أمام غرباء وهذا يعلمنا الكثير عن أنفسنا، كما أحب استكشاف هذه المساحة الغامضة التي لا تربطنا فيها أي صلة بالحياة الواقعية حيث تهدأ الأنا. ولا أعتقد أن لديّ ما يكفي من الخبرة أو المسافة اللازمة لتحليل تلك الفكرة، لكن ربما مع رواية قادمة سأكون أكثر وعيا بطريقتي في الكتابة وربما أجد إجابة في هذا الصدد، وأظن أنه بإمكان النقاد أن يوضحوا هذه المسألة. فكل شخص مسؤول عن حياته ونحن محاسبون أمام أنفسنا أولا، وإذا حاولنا كثيرا الانصهار في القوالب المجتمعية قد ننتهي بفقدان حياتنا”.

وتعتبر الكاتبة أنه “يمكن للأدب أن يقدم منظورا مختلفا ويغوص في بعض المناطق الغامضة، ويمكن أن يسلط الضوء على المجتمع ويدفع نحو التفكير، إنه أشبه بأداة تساؤل حول القواعد وزعزعة النظام القائم، وفي نفس الوقت كل عمل ثقافي يسهم في رسم صورة لما نحن عليه بغض النظر عن نوع العمل حتى لو كان خيالا علميا، فإنه يحكي شيئا عن مجتمعنا وعن تجوال أفكارنا وحدودها وبالتالي يتطور الإنسان”.

وتضيف “يعتبر الأدب بالنسبة إليّ تحررا وسلاحا ناعما وشديد الأثر، يكشف عن الظلم ويمنح الحياة للأصوات المختنقة، فالروايات على وجه الخصوص تفتح فضاءً حيث يلتقي الخاص بالجماعي وتترسخ فيه كل أوجه النضال في القلوب والضمائر وتحوّل الألم إلى قوة والغضب إلى أمل وترسم ملامح عالم أكثر عدلا، وفي هذا التحالف بين الأدب والنضال تتحول الكلمات إلى أفعال وتصبح القصص ثورات صامتة تشكل المستقبل”.

 خولة أسباب بن عمر بدأت مسيرتها المهنية في القناة الأولى، حيث تميزت بكونها مخرجة تلفزيونية وأنتجت مجموعة من البرامج والوثائقيات والسهرات التلفزيونية. في عام 2016، خاضت تجربة الإخراج السينمائي مع فيلمها الطويل “نور في الظلام”، الذي حظي بإشادة كبيرة ونال عدة جوائز، منها جائزة العمل الأول في المهرجان الوطني بطنجة وجائزة العمل الأول في مهرجان الإسكندرية بمصر.

وهي ابنة الراحل شكيب بن عمر، أحد رواد الإخراج التلفزيوني في المغرب، وزوجة المخرج رؤوف الصباحي، ابن الإعلامي المعروف رشيد الصباحي. تتميز خولة بتنوع اهتماماتها واشتغالها بين الإبداع الفني والنضال النسائي، حيث استطاعت أن تترك بصمتها في كل المجالات التي تلامسها، كما تشغل منصب رئيسة جمعية “جسور ملتقى النساء”.

13