خمسون عاما على "دبلوماسية كرة المنضدة" التي غيرت التاريخ

قبل 50 عاما استقل غلين كوان عن طريق الخطأ حافلة لفريق صيني في لحظة شكلت إحراجا لكنها كانت الشرارة الأولى لبدء بكين وواشنطن تطبيع العلاقات بينهما.
الثلاثاء 2021/04/13
الدبلوماسية بديلا عن الصدام

شنغهاي- كانت مصادفة قبل 50 عاما، لكن تشانغ تسي لين لا يزال يذكر بالتفاصيل كيف صعد لاعب كرة منضدة أميركي أشعث الشعر إلى حافلة الفريق الصيني، في لقاء شكّل لاحقا منعطفا تاريخيا.

كانت حينها بطولة العالم في ناغويا باليابان، فاستقل غلين كوان عن طريق الخطأ حافلة تشانغ وزملائه، في لحظة شكلت إحراجا، خصوصا وأن الولايات المتحدة والصين كانتا على خلاف عميق ذلك الوقت.

ويقول تشانغ (80 عاما) “كنا في الحافلة وكنا نتحدث ونضحك، لكن عندما أدركنا أن أميركيا قد دخل إلى الحافلة، ساد الصمت”. وتقدّم بطل العالم ثلاث مرات تشونغ زيدونغ في النهاية وكسر الجليد في الحادثة الشهيرة، عندما قدّم لكوان قطعة حريرية مطرزة كتذكار من الصين.

بينما كان للحرب الباردة الأصلية بعد تكنولوجي مهم، من خلال سباق التسلح وسباق الفضاء بالدرجة الأولى، يتمحور التنافس الحالي بين الصين والولايات المتحدة حول التقنيات الحيوية

لم يعرف الرياضيان حينها، لكنها كانت الشرارة الأولى لبدء بكين وواشنطن تطبيع العلاقات بينهما في ما أصبح يعرف لاحقا باسم “دبلوماسية كرة المنضدة”. ويستذكر تشانغ بطل العالم في الزوجي والمدرّب اللاحق للفريق الصيني بالقول “لقد فهم تشونغ أن هناك فرقا بين الشعب الأميركي والحكومة الأميركية، وأنه يجب أن نكون لطيفين مع الشعب الأميركي، لذا أخذ زمام المبادرة للدردشة مع غلين”.

والتقط المصورون لحظة التصافح والابتسام بين تشونغ وكوان الذي كان يبلغ 19 عاما حينها. ويقول تشانغ “صدرت الصحيفة في اليوم التالي، وبدا أن الصين والولايات المتحدة على وشك بدء علاقة”. وبعد أيام عدة، وتحديدا في 10 أبريل 1971، أصبح لاعبو الفريق الأميركي أول أفراد أميركيين تطأ أقدامهم أرض الصين بعد نحو ربع قرن من القطيعة، عندما تمت دعوتهم للعب مباريات ودية في البلاد.

وشهد ذوبان الجليد زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون للصين في فبراير 1972، وزار فريق صيني لكرة الطاولة الولايات المتحدة، إلى أن أقيمت علاقات رسمية بين البلدين عام 1979. ولعب ياو جينشو ضد كوان الذي توفي عام 2004، خلال رحلة الأميركيين الشهيرة. ولا يزال ياو يذكر النتيجة، فقد فاز 21 – 12، 21 – 14، ويقول إن كوان شكره بعد ذلك على “مباراة جادة”.

كوي تيانكاي: البعض في الولايات المتحدة متحيزون أيديولوجيا

وكان الفريق الأميركي أدنى بكثير في المستوى من الصينيين، لذلك سمح المضيفون لزائريهم أحيانا بالفوز بنقاط بروح رياضية وحسن نية. والآن، يقول ياو البالغ 74 عاما إنه لم يدرك أنه لعب دورا في حدث تاريخي إلا في ما بعد. ويؤكد أنه “بسبب دبلوماسية كرة المنضدة، قمنا بتغيير النظام العالمي، وبدأ شعبا الصين والولايات المتحدة بالتبادلات الودية”.

وظهر ياو إلى جانب تشانغ في شنغهاي السبت الماضي للاحتفال بمرور 50 عاما على دبلوماسية كرة المنضدة، حيث استضافت سلطات المدينة حدثا بإلقاء خطابات ومباريات ودية للهواة. لكن الذكرى تأتي في وقت تدهورت فيه العلاقات بين واشنطن وبكين بشكل ملحوظ بسبب قضايا عدة، لاسيما التجارة العالمية ومصير الأقلية الإيغورية المسلمة في الصين والقمع في هونغ كونغ.

وفي خطاب مسجّل لمناسبة الذكرى الخمسين، اتهم سفير الصين في واشنطن كوي تيانكاي البعض في الولايات المتحدة بـ”التحيّز الأيديولوجي والتفكير الصفري”. لكنه اتخذ ووسائل الإعلام الحكومية الصينية نبرة إيجابية إلى حد كبير، إذ أشادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) بـ”الإرث الرائع لدبلوماسية كرة المنضدة”. ولا تخلو طريقة توصيف العلاقة بين بكين وواشنطن من أهمية، فهي تساعد في صياغة نوع الأسئلة التي نطرحها والردود التي نستلمها، كما تحدد أطر الخيارات المتعلقة بالسياسات. فنظرتنا إلى هذا الموضوع قد تقودنا للسير في طرق معينة وربما تغلق في وجهنا طرقا أخرى.

وكما نصّت وثيقة إستراتيجية السياسات الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي نشرت في مارس الماضي، فإن “صينا أكبر نفوذا وأكثر إثباتا لوجودها هي المنافسة الوحيدة التي لديها القدرة على حشد قدراتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتقنية لتحدي النظام العالمي المستقر والمنفتح بشكل دائم”.

وبينما كان للحرب الباردة الأصلية بعد تكنولوجي مهم، من خلال سباق التسلح وسباق الفضاء بالدرجة الأولى، يتمحور التنافس الحالي بين الصين والولايات المتحدة حول التقنيات الحيوية التي تسيّر مجتمعاتنا الآن وفي المستقبل، كالذكاء الاصطناعي وتقنية 5 جي. كما يختلف السياق الدولي الآن عن ذلك الذي كان سائدا آنذاك. فإبان الحرب الباردة، كان العالم منقسما إلى معسكرين ثابتين.

بعد أيام عدة، وتحديدا في 10 أبريل 1971، أصبح لاعبو الفريق الأميركي أول أفراد أميركيين تطأ أقدامهم أرض الصين بعد نحو ربع قرن من القطيعة

أما الآن، فنحن نعيش في عالم متعدد الأقطاب تتعرض فيه مؤسسات النظام العالمي الليبرالي إلى تحديات غير مسبوقة. ويمنح هذا الموقف الصين نفوذا كافيا لفرض نظرتها الخاصة للعلاقات الدولية. ويأمل ياو وتشانغ في أن تساعد روح العام 1971 في تشكيل العلاقات المستقبلية بين أكبر اقتصادين في العالم للأفضل.

ويقول ياو إن “الجميع يعلم أن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة متوترة بعض الشيء في الوقت الحاضر. نأمل أن نتفق على الاختلاف والحفاظ على العلاقات الودية”. وأضاف “لا تخافوا من المنافسة، يمكننا التنافس سلميا”.

5