خمسة مسرحيين يكتبون رسائل يوم المسرح العالمي 2018

في 27 مارس من كل عام يحتفل المسرحيون ومعهم أصدقاؤهم في جميع أنحاء العالم بيوم المسرح العالمي، ويتبادلون في هذه المناسبة التهاني في قاعات المسارح، وعلى خشباتها، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعبّرون عن سعادتهم وتطلعاتهم إلى الارتقاء بفن المسرح بوصفه واحدا من أعرق الفنون وأعظمها وأهم جزر المصداقية الإنسانية، لأنه ينحي جانبا كل شيء يفرق بين البشر.
كما أنه يدعم كل ما هو مشترك بين الناس ويكشف عن القلب الذي يشتركون فيه، ممّا يجعله أفضل وسيط للسلام، كما يقول المخرج الفرنسي جان لوي بارو، والمكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معا، كما يقول سعدالله ونوس.
أصل الفكرة
في هذا اليوم، أيضا، تفتح المسارح أبوابها في 92 دولة تنتمي إلى المعهد الدولي للمسرح “I.T.I” الذي تأسس في براغ عام 1948، لاستقبال الجمهور من دون تذاكر، وتنظم المراكز الوطنية للمعهد الاحتفالات والندوات والعروض المسرحية، حيث تلقى خلالها الرسالة العالمية للمسرح، التي تكتبها سنويا إحدى الشخصيات المرموقة في عالم المسرح، وتعقد ندوات ولقاءات مباشرة بين فناني المسرح ومحبيهم وأصدقائهم من الأوساط الثقافية والاجتماعية الأخرى.
تنضم اللبنانية مايا زبيب إلى لائحة الشخصيات المسرحية العربية البارزة ممن كتبوا رسالة يوم المسرح العالمي قبلها، وهم: سعدالله ونوس وفتحية العسال والشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وهو تقليد سنوي عمره اليوم يفوق النصف قرن من الزمن.
وولد يوم المسرح العالمي إثر مقترح قدّمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج الراحل أرفي كيفيما (1904-1984)، إلى منظمة اليونسكو في يونيو 1961، وجرى الاحتفال الأول به في 27 مارس 1962 في باريس تزامنا مع افتتاح مسرح الأمم، واتفق على تقليد سنوي يتمثل بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم بتكليف من المعهد الدولي للمسرح رسالة دولية تترجم إلى أكثر من 20 لغة، وتعمّم إلى جميع مسارح العالم، حيث تقرأ خلال الاحتفالات التي تُقام بهذه المناسبة وتُنشر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
وكان الكاتب الفرنسي جان كوكتو أول شخصية اختيرت لهذا الغرض في احتفال العام الأول بباريس. وتوالت على كتابتها، منذ ذلك العام، أكثر من خمسين شخصية مسرحية من مختلف دول العالم، منها أرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيجارت، يوجين يونسكو، أدوارد ألبي، ميشيل فاتسلاف هافل، سعدالله ونوس، فتحية العسال، أريان منوشكين، سلطان القاسمي، روبير لوباج، وأوغستو بوال، جيسيكا أ. كاهوا، كريستوف فارليكوفسكي، أناتولي فاسيليف، وإيزابيل هيوبرت.
وكانت رسالة يونيسكو التي كتبها عام 1976 من أكثر الرسائل إثارة للجدل فقد كشف فيها بجلاء عن مسألة الرقابة، ما جعل بعض الدول غير الديمقراطية تمنع قراءتها.
وجاء في الرسالة “يجب إيجاد الحقيقة في المخيلة، إن مسرح المخيلة هو مسرح الحقيقة الطبيعية، وهو وثيقة طبيعية، وليست ثمة وثيقة أمينة طول الوقت أو حرة لسبب بسيط هو أنها منحرفة لكي تخدم غرضا معينا، إن المخيلة لا يمكن أن تكذب، إنها تميط اللثام عن نفسيتنا وعن الهموم الدائمة أو العابرة، عن اهتمامات الإنسان في كل العصور وفي عصرنا الراهن، وعن عمق الروح الإنسانية”.
وتقول الرسالة أيضا “إن الفنان المهدد في حرية تخيلية يصبح منفيا، فالمسرح هو تركيب حر للمخيلة، والفن، كما يقال، لا يعرف حدودا، وعلى المسرح ألاّ تكون له حدود، إنه يتخطى الخلافات الأيديولوجية والأجناس والأعراق والنظرة الإقليمية والفردية، يجب على المسرح أن يكون دولة عالمية، لا أوامر على المبدعين ولا تعليمات من الحكومات”.
احتفال سنوي
يُعدّ الاحتفال بيوم المسرح العالمي واحدا من مجموعة نشاطات وفعاليات مهمة يقوم بها المعهد الدولي للمسرح في مجال الاتصال بين الثقافات، وتبادل الخبرات بين المسرحيين في العالم، ومن المعروف أن هذا المعهد هو مؤسسة عالمية غير حكومية تأسّست عام 1948، وكان مقرّه مدينة براغ، وأسهمت في تأسيسه شخصيات مسرحية عالمية، ويعد شريك اليونسكو الرئيسي في مجال فنون العرض الحية، ويقع مقره الآن في باريس.
ويهدف المعهد إلى تنشيط تبادل المعرفة والممارسة المسرحية بين دول العالم وزيادة التعاون بين فناني المسرح وتعميق التفاهم المتبادل والإسهام في ترسيخ الصداقة بين الشعوب، كما يحارب كل أشكال التمييز العنصري والسياسي والاجتماعي.
وتنبثق عن المعهد مجموعة لجان متخصصة في مجالات مختلفة مثل: المسرح الموسيقي، والكتابة المسرحية، والتربية المسرحية، والصورة الثقافية والتنمية.
وللمعهد عدة مكاتب إقليمية في بلدان مختلفة، كالمكتب الإقليمي للشرق الأوسط في الكويت، والمكتب الإقليمي الأفريقي في بوركينافاسو، ومكتب للاتصال في تونس ومقر لجامعة مسرح الأمم.
وينظم المعهد العديد من المؤتمرات والورش الفنية والدورات التدريبية، ومن أهم فعالياته مهرجان مسرح الأمم، والمؤتمر الدولي للمسرح الذي يعقد كل ثلاث سنوات، إضافة إلى الورش الخاصة بمحترفي المسرح من الشباب التي تقيمها جامعة مسرح الأمم، كما يصدر المعهد عدة مطبوعات مهمة تتناول الحركة المسرحية العالمية بالرصد والتحليل.
المسرح العربي
في ما يتعلق بالمسرح العربي عقد المعهد مؤتمرا دوليا في القاهرة بعنوان “مواجهة فنية دولية” في الفترة من 14 حتى 22 أبريل 1999، واختار الكاتب المسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس لكتابة رسالة المسرح الدولية لعام 1996، والكاتبة المسرحية المصرية فتحية العسال لعام 2004، والكاتب المسرحي سلطان القاسمي، حاكم الشارقة لعام 2007.
ويجري تقديم العروض المسرحية في مختلف بقاع الأرض ليس بالضرورة على نحو تقليدي، إذ يمكن أن تُقدم حتى في أي قرية صغيرة في مجاهل أفريقيا، أو قريبا من الجبال في أرمينيا، أو حتى على جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ، فالمسرح لا يحتاج إلى شيء سوى مكان وجمهور، وهو القادر على جعلنا نبتسم، وجعلنا نبكي، ولكن لا بد له من أن يحفّز فينا ملكة التفكير والتأمل.
وفي العام الحالي 2018، غيرت الهيئة الدولية للمسرح النهج الذي سارت عليه فاختارت خمسة مسرحيين من مناطق اليونسكو الخمس: آسيا والمحيط الهادئ والتي يقرأها رام غوبال باجاج من الهند، ومن أوروبا يقرأ سيمون ماك بورني من بريطانيا، ومن العالم العربي مايا زبيب من لبنان، ومن أفريقيا ويري ويري لايكنغ من ساحل العاج، والأميركيتين سابينا بيرمان من المكسيك، حيث كتب كل واحد منهم رسالة بهذه المناسبة تزامنا مع الذكرى السنوية السبعين لتأسيسه تُترجم إلى 50 لغة وتُتلى أمام الآلاف من المتفرجين.