خفايا الغناء والموسيقى بمصر ما بعد جيل العمالقة

الثلاثاء 2018/01/09
إضاءة على الأغنية المصرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي

القاهرة – "وراء كل أغنية قصة تكمّل لوحة الذكريات التي ترسمها"، من هنا انطلق الكاتب المصري مصطفى حمدي ليبحث في سير الأغنيات المصرية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والتي اعتبرها مسار تحول في شكل الموسيقى.

وخلص الكاتب الصحافي والسيناريست المصري في بحثه إلى كتاب حمل عنوان "شريط كوكتيل"، ويبرر حمدي اختياره لاسم الكتاب في المقدمة بقوله إن "شريط الكوكتيل في حد ذاته يمثل رمزا لهذه المرحلة، أي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي".

في مؤلفه الصادر حديثا عن دار “دلتا” للنشر، يرى حمدي أن المستمع كان فترة الثمانينات والتسعينات يميل إلى اختيار قائمة أغنيات مختلفة من ألبومات متعددة لمطربي الجيل، لذا كانت الأغاني تقدم له في هذه القوائم التي تشمل أغانيه المفضلة، ضمن شريط كاسيت (تسجيل) مجمع كان يطلق عليه كوكتيل.

ويحكي الكاتب كواليس صناعة 18 أغنية تمثل أشهر ما قدم في مرحلة التسعينات بمصر من غناء لمطربين بارزين مثل عمرو دياب وإيهاب توفيق ومصطفى قمر وحكيم وحميد الشاعري ومحمد منير وغيرهم، وهذه أسماء يرى حمدي أنها ساهمت في صناعة بريق الأغنية المصرية خلال هذه الفترة.

لكن القاسم المشترك في أغلب القصص كان الفنان حميد الشاعري (56 عاما)، الذي اعتبره الكتاب رائدا لموسيقى المرحلة، ومفجرا لثورة موسيقية حدثت في منتصف الثمانينات بعد سنوات من رحيل جيل العمالقة.

ويتناول حمدي في فصل خاص عن الشاعري حمل عنوان "عودة"، قصة حقيقية دارت بينهما منذ ما يقرب من 16 عاما، تتعلق بأغنية "عودة" التي اعتبرها واحدة من أهم أغنياته.

كاتب الأغنية الشاعر المصري سامح العجمي، يقول حول الفنان “كنا في الأستوديو نتابع تحضيرات ألبوم الفنان الشهير مصطفى قمر الذي حمل اسم لياليك (1992)، وكالعادة كان حميد مشرفا موسيقيا على الألبوم وموزعا لأغنياته”.

ويضيف “سمع حميد الكلمات فأعجبته جدا، وبعد قليل دخل قمر وقال له إنه لحنها وسيضمها لألبومه، لكن الشاعري تمسك بالأغنية وفاز بها".

ويتنقل الكاتب بين مراحل مختلفة للأغنية المصرية في هذه الحقبة، ففي الوقت الذي يرى فيه حميد أيقونة المرحلة يعود ليؤكد أن هذا التطور الحقيقي لم يكن ليظهر لولا أسماء أخرى مثل يحيى خليل (72 عاما) وفرقته التي قدمت تجربة مهمة مع محمد منير في ألبوم “شبابيك” سنة 1981.

المستمع كان يميل إلى اختيار قائمة أغنيات مختلفة من ألبومات متعددة لمطربي جيله المفضلين تسمى الكوكتيل

ويضيف "كانت شبابيك نقلة في مشوار منير (63 عاما حاليا)، ثالث ألبوماته وأكثرها وضوحا في مشروع فني ولد على يدي الشاعرين المصريين الراحلين عبدالرحيم منصور ومجدي نجيب، والملحن الراحل أحمد منيب".

ويستدرك الكاتب “لكنها لمسة يحيى خليل السحرية، الموسيقي العائد من أميركا بثقافة الجاز.. موسيقى طازجة تتفجر في تجاعيد حفرت ملامحها على وجه الأغنية المصرية طوال حقبة السبعينات”.

يتناول الكاتب الظاهرة الاستثنائية لثمانينات القرن الماضي في الأغنية المصرية، والتي جاءت بعنوان "لولاكي (لولا أنت)" التي صدرت عام 1988.

وفي ذلك يقول حمدي “صباح 14 مايو 1988 صدرت الطبعة الأولى من ألبوم لولاكي، وهو الأول للمطرب البدوي الشاب علي حميدة (52 عاما) القادم من منطقة مطروح بالغرب المصري".

ويضيف في وصف حميدة "ملامح سمراء وشعر أشعث طويل، حالة تشبه إلى حد كبير تمرد محمد منير على شكل المطربين في الحقبة السابقة، لكنها مختلفة مضمونا".

يتابع حمدي "في تمام التاسعة من مساء اليوم ذاته، طلب موزعو الأغاني طبعة ثانية من المنتج الراحل هاشم يوسف صاحب شركة الشرق للإنتاج".

وحسب الكتاب، فإنه مع نهاية شهر يوليو كانت الشركة قد أصدرت ما يقرب من 11 طبعة في مصر فقط، بخلاف الطبعات الموجهة للدول العربية، ولم ينته العام إلا وباع حميدة 6 ملايين نسخة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الأغنية العربية.

هي بلا شك مفاجأة لم يتوقعها المنتج الراحل عندما تحمس لحميدة الذي زاره في مقر شركته قبلها بصحبة الملحن المصري سامي الحفناوي، بعد أن طرق أبواب الشركات بحثا عن منتج يسمع صوته، لكن الإحباط تملك الشاب البدوي عندما ذهب ليقابل منتج أغنيات عمرو دياب.

يقول الكاتب "لم ينس حميدة كيف عامله عم فراج عامل البوفيه (الخدمات) بطريقة غير لائقة عندما طلب منه كوب شاي، فاستجمع ما بقي من كرامته وغادر الشركة فورا، ولم يجد أمامه سوى الملحن الحفناوي الذي كان معجبا بصوته، فقدمه للمنتج هاشم يوسف الذي كان بدوره متحمسا لتقديم الأصوات الجديدة، فكانت المفاجأة التي اهتز لها عالم الغناء والموسيقى بمصر".

وبنفس المنطق، ينثر الكاتب غبار الزمن عن تجارب عديدة وأسماء ظهرت واختفت في هذا العالم، مثل الفنانة أميرة (45 عاما) التي قررت الهجرة إلى كندا وهي في عز نجاحها، وكذلك حنان (53 عاما) التي ابتعدت عن الساحة بعد زيجات وطلاقات متعددة وحياة متخبطة، وحسام حسني (51 عاما) أيقونة فكرة الأغنية المونولجستية، ثم اكتفى بالتوزيع الموسيقي قبل أن يتوارى.

15