خطط مغربية لفرض ضرائب على اقتصاد الظل

السلطات أمام تحدي الإسراع في استبدال وتحديث آليات احتواء نشاط السوق الموازية
الجمعة 2023/08/18
السلع مكدسة على قارعة الطريق

يدرس المغرب إطلاق خطة شاملة للاستفادة من نشاط الاقتصاد الموازي من خلال فرض ضرائب للمرة الأولى على هذه التجارة البعيدة عن رقابة الدولة، في إطار محاولات تقول الحكومة إنها تهدف إلى زيادة إيرادات الميزانية وتحريك عجلة النمو رغم صعوبتها.

الرباط - كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي مؤخرا أن الحكومة تنكب على مراجعة الضريبة على القيمة المضافة ابتداء من سنة 2024 في سياق تفعيل قانون الإطار الخاص بالجبايات، الذي أشر عليه العاهل المغربي الملك محمد السادس في المجلس الوزاري قبل سنتين.

وأكدت أن الحكومة وضعت ضمن أولوياتها للعام المقبل إدماج الاقتصاد الموازي، حيث ستقوم بإرساء نظام جبائي مبسط وسهل الوصول لفائدة الأشخاص العاملين فيه، وإعداد وتنفيذ برنامج وطني للتحسيس والمواكبة بالتشاور مع الأطراف المعنية.

وضريبة القيمة المضافة من الضرائب الرئيسية التي تدعم خزينة الدولة، إلى جانب الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، لكن تطبيقها مازال يتسم بعدد من الاختلالات.

عبداللطيف الجواهري: محاربة هذه السوق تحتاج إلى سياسات بعيدة المدى
عبداللطيف الجواهري: محاربة هذه السوق تحتاج إلى سياسات بعيدة المدى

ومن بين تلك المشاكل قضية التهرب الضريبي والتصريح غير الصحيح من طرف الملزمين على الأعمال، ناهيك عن ضعف الوعاء الضريبي، أي المشمولين بأداء هذه الضرائب بسبب اتساع العاملين في القطاع غير المهيكل.

وبالإضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة، وضعت الحكومة ضمن أولوياتها للعام المقبل إدماج اقتصاد الظل، وهو أمر نص عليه القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، عبر العمل على تيسير إدماج الوحدات الإنتاجية والتجارية والخدماتية المشتغلة في القطاع.

وتبدو الحكومة في مهمة صعبة لترويض الاقتصاد الموازي في سجلات الدولة وفق الخطط المعلنة، خاصة وأن القطاع يوفر الآلاف من فرص العمل غالبيتها في القطاعين الفلاحي والصناعي والباعة المتجولين.

وتشكو معظم الدول العربية بما في ذلك بلدان شمال أفريقيا من التأثيرات التي تخلفها السوق السوداء على اقتصاداتها، ورغم المحاولات الكثيرة طيلة سنوات لكنها لم تتمكن من تطويقها أو التخفيف منها بما يعود بالنفع على مواردها المالية.

وقدرت دراسة نشرها بنك المغرب المركزي في عام 2021، وزن الاقتصاد الموازي في البلاد بحوالي 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ حجمه العام الماضي حوالي 138.1 مليار دولار، وفق صندوق النقد الدولي.

وتم رصد هذه النسبة رغم الجهود التي تبذلها الدولة منذ سنوات من قبيل تخفيف العبء الضريبي، وتسهيل الوصول إلى التمويل البنكي وتيسير الإجراءات الإدارية.

وبحسب المركزي عرف اقتصاد الظل ثلاث مراحل تطور، الأولى استمرت من 1988 إلى 1998 حيث كان يمثل 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وما بين 1999 و2008 تراجعت النسبة إلى 34 في المئة، لتستقر عند مستواها الحالي.

واقترحت الدراسة لمعالجة هذه الظاهرة، جعل الامتثال والتحول نحو القطاع الرسمي أكثر جاذبية، من خلال زيادة الفوائد والامتيازات المتاحة وتقليل التكاليف الضرورية لهذا التحول.

وعلاوة على ذلك العمل على تحسين الإطار التنظيمي للشركات لكي يكون بسيطا ومناسبا لجميع مراحل حياة الشركة، بدءا من إنشائها إلى خروجها من السوق.

وأكد محافظ البنك المركزي عبداللطيف الجواهري أن الاتجاه إلى العمل في هذا القطاع يأتي بسبب معدلات الضريبة غير المتوازنة.

من يدفع الضريبة

وقال إن “محاربة القطاع غير المهيكل تحتاج إلى سياسات عمومية على المدى البعيد بالاعتماد على تجميع البيانات والإحصائيات وتحليلها”.

واعتبر تقرير صادر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد أن الاقتصاد الموازي صار مكونا أساسيا من مكونات الاقتصاد المغربي، لكونه يوظف جزءا مهما من المواطنين.

لكن معدي الدراسة أشاروا إلى أن بقاءه، وتوسعه، يضر بالإنتاجية وعائدات الضرائب الحكومية والنمو الاقتصادي على المدى البعيد ومن ثم الحجم الكبير لهذا القطاع هو مصدر قلق حقيقي للاقتصاد المغربي.

وشددت الدراسة على أن هذا الارتفاع في نسبة الاقتصاد الموازي له أضرار كثيرة، سواء بالنسبة للعمال، كعدم الاستقرار وانعدام الأمن في العمل، والأجور المنخفضة، وظروف العمل السيئة، وضعف آفاق التطور والارتقاء الوظيفي، وما إلى ذلك.

وبالنسبة للدولة المغربية، فقد أشار التقرير إلى أنها تتعرض إلى الضرر من حيث الخسائر الكبيرة في ما يتعلق بالوظائف الضريبية.

ولفت البنك الدولي في تقرير حديث نشره مؤخرا بعنوان “القطاع غير الرسمي والنمو الشامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” إلى أن معدل وظائف الاقتصاد غير المهيكل بدول شمال أفريقيا، من بينها المغرب، يثير مصفوفة من المشكلات.

وعدّد البنك مجموعة منها، أبرزها محدودية حصول الأسر على الحماية والتأمين الاجتماعيين ومعوقات الإنتاجية والنمو، وكذلك محدودية المالية العامة، كما تثير تحديات هيكلية أعمق في الاقتصاد، ما يؤدي إلى تباطؤ النمو وجعله أقل إنصافا.

وأظهر بحث ميداني حول العمل غير الرسمي وتحقيق الاندماج الاجتماعي والاقتصادي أن نسبة كبيرة من خريجي الجامعات المغربية يلجؤون إلى العمل في السوق الموازية.

30

في المئة نسبة القطاع غير المهيكل في اقتصاد يبلغ حجمه حوالي 138.1 مليار دولار

وضرب البحث مثالا على مزاولة التجارة البسيطة في الشارع العام والتي يطلق عليها في المغرب اسم “الفرّاشة”، وهي الظاهرة التي عرفت انتشارا واسعا خلال السنوات الأخيرة.

وتشير تقديرات المؤسسات المحلية والدولية إلى أن نسبة تتراوح بين 60 و80 في المئة من القوى العاملة النشيطة بالبلاد تزاول أنشطة تندرج ضمن الاقتصاد غير المنظم، حسب تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

ويقول اقتصاديون إن فرض الضرائب على القطاع الموازي يجب أن يحدث بمنطق الإدماج وحماية الاقتصاد، الذي يشغل نسبة تناهز 77.3 في المئة، وهي من النسب العليا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق البنك الدولي.

وكانت توصيات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات التي عقدت في مايو 2019 قد أوصت بضرورة مراجعة أسعار الضريبة على القيمة المضافة بإلغائها بالنسبة للمواد الأساسية و10 في المئة بالنسبة للاستهلاك الواسع.

واقترحت التوصيات كذلك جعلها عند 20 في المئة كسعر عادي وسعر أعلى بالنسبة لمواد الرفاه، مع تخصيص نسبة من مداخيلها لتعميم التغطية الاجتماعية.

ويعيش العاملون في اقتصاد الظل في وضعية اجتماعية هشة، وهو ما أكدته المندوبية السامية للتخطيط الحكومية في تقرير سابق.

وذكرت أن 98 في المئة من اليد العاملة المشتغلة في هذا القطاع لا تتمتع بتأمين صحي، وأن 97 في المئة منها تعمل بدون عقود عمل قانونية، كما أن غالبية العاملين مستواهم الدراسي متدن.

ودعت المندوبية إلى تقوية الاقتصاد التضامني بالشكل اللازم، حتى يتمكن من القيام بالدور المنوط الذي يتجلى في تحقيق التنمية المحلية وتحقيق الأمن الاجتماعي والقضاء على الفقر والتهميش والإقصاء والحرمان الاجتماعي للأفراد.

10