خطة لغلق الصحف الحكومية الخاسرة في مصر أو دمجها

لائحة جديدة للصحافيين تتيح فصل العاملين غير الأكفاء.
الأربعاء 2021/06/30
الصحف تعول على القراء الأوفياء

تتعامل الحكومة المصرية مع ملف التحول الرقمي للصحف القومية كضرورة حتمية بعد زيادة عزوف الجمهور عن متابعتها، فاتخذت إجراءات جديدة لتسريع خطوات التخلص من الصحف التي لم تعد هناك جدوى من تطويرها أو استمرارها.

القاهرة - بدأت بعض المؤسسات الصحافية الحكومية (القومية) في مصر تفعيل قرارات الغلق والدمج لبعض الإصدارات الورقية التي فقدت جماهيريتها وصارت عبئا ثقيلا على موازنة المؤسسات دون تحقيق الحد الأدنى من الهدف المرجو منها.

وتقرر وقف طباعة صحيفة “الأخبار المسائي” اليومية الصادرة عن مؤسسة أخبار اليوم، وتحويلها إلى نسخة رقمية ابتداء من منتصف يوليو المقبل، وهو نفس السيناريو المنتظر لصحيفة “الأهرام المسائي” التي تصدر عن مؤسسة الأهرام وسيتم تحويلها أيضا إلى نسخة رقمية.

وأكدت مصادر صحافية لـ”العرب” أن خطة الغلق والدمج للإصدارات القومية سوف تطال جميع الصحف والمجلات الخاسرة وصارت تطبع المئات من النسخ الورقية فقط، مع استمرار الناجحة منها، والتي تجلب إعلانات وتحقق معدلات توزيع معقولة.

ويتزامن هذا الإجراء مع إصدار الهيئة الوطنية للصحافة لائحة إدارية موحدة لتطبيقها على المؤسسات الصحافية الحكومية، رفعت سقف التوقعات بتسريع الحكومة خطوات التخلص من الصحف القومية التي لم تعد هناك جدوى من تطويرها أو استمرارها.

ومررت الهيئة الوطنية للصحافة اللائحة الإدارية رغم حالة الغضب بين العاملين على بنودها، لأنها تطرقت للنواحي الإدارية فقط، وليس المادية بتوحيد الرواتب بين كل العاملين، ومنحت رئيس العمل سلطة الفصل للمحرر، بأن يكتب في تقريره السنوي لمرتين متتاليتين أنه غير كفء.

حسن علي: هناك فهم خاطئ لطبيعة الأزمة التي تعاني منها الصحف

واستقبل الصحافيون اللائحة الإدارية بتذمر باعتبارها تفتح الباب على مصراعيه للتخلص من البطالة المقنعة في المؤسسات الصحافية، كخطوة تتلاقى مع أهداف الدمج والغلق التي بدأ تطبيقها على بعض الإصدارات الورقية، وجرى تحويلها إلى نسخ رقمية وتوقفت طباعتها ورقيا.

ولا ترغب الحكومة في دمج أو غلق إصدارات صحافية مع استمرار نفس الأعداد الكبيرة من المحررين فيها، وترغب في تخفيضها إلى الحد الأدنى، بطريقة الخلاص من غير المهنيين وضعاف المستوى أو بفتح الباب للخروج على المعاش المبكر.

ومن غير المتوقع تفعيل اللائحة الإدارية للمؤسسات الصحافية بحذافيرها أو التخلص من العاملين، لأن ذلك قد يتسبب في غضب قد يصعب السيطرة عليه، بحكم أن أغلب المحرريين العمال ممن قضوا جانبا كبيرا من عمرهم داخل هذه الإصدارات.

وتتعامل الحكومة مع ملف التحول الرقمي للصحف القومية كضرورة حتمية بعد زيادة عزوف الجمهور عن متابعتها، رغم زيادة التكاليف المالية حتى صارت عبئا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة، كما أنها لم تعد مؤثرة في الرأي العام، بالتالي فالحل المناسب أن تتوقف طباعة الإصدارات الخاسرة ويقرأها الناس بشكل رقمي.

ويرى أغلب العاملين في المؤسسات الصحافية أنهم ضحايا لسياسة تحريرية محاطة بجملة من الخطوط الحمراء تسببت مع الوقت في أن تتحول الصحف إلى ما يشبه النشرات الرسمية، مهمتها تبييض وجه المسؤولين والدفاع عن قراراتهم.

ويواكب التحول الرقمي للإعلام لغة العصر، لكن حال الصحف القومية في مصر، وحتى الخاصة منها، لم تعد مرتبطة بكونها ورقية أو إلكترونية، بل إن الأمر يرتبط بالمحتوى والتكرار المبالغ فيه.

وصار العديد من الصحافيين موظفين يتلقون البيانات، ويتكرر ذلك في الصحافة الورقية والرقمية بفعل سياسات تحريرية تمنع الخوض في المحظورات أو نشر محتوى يتضمن صوتا معارضا، وبدت بعض الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي أقوى في التأثير من بعض الصحف والمواقع الحكومية.

وتوقع الكثير من العاملين في المؤسسات الصحافية الحكومية حدوث خطوة التصفية بالدمج أو الغلق تنفيذا لما تضمنه قانون تنظيم الصحافة والإعلام الصادر عام 2018، وأقره مجلس النواب، لكن كانت الظروف السياسية والاقتصادية حالت أمام تفعيله.

وبدأت خطوات التصفية مع حركة التغييرات الأخيرة على مستوى قيادات المؤسسات الصحافية، حيث تم تكليف رؤساء تحرير بمسؤولية إدارة إصدارين وثلاثة وأربعة في توقيت واحد، بحيث تكون هذه المرحلة ممهدة لمرحلة مقبلة تندمج فيها الإصدارات تحت رئاسة واحدة، وهو ما بدأ يتحقق فعليا.

ورأى حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة السويس شرق القاهرة، أن أزمة الجمهور مع الصحف لا يرتبط بكونها ورقية أو رقمية، بل مع المضمون والابتعاد عن نبض الشارع، لأن هناك إصدارات إلكترونية تكاد تكون نسخة مكررة من الصحيفة الورقية.

وأضاف لـ”العرب” أنّ هناك فهما خاطئا لطبيعة الأزمة التي تعاني منها الصحف، بغض النظر عن طريقة وصولها للقارئ، مطبوعة أو إلكترونية، فهناك غياب لهامش الحرية والمنافسة والتميز، مقابل الاهتمام بالخطاب الرسمي بصورة مبالغ فيها.

وظلت الصحف الحكومية خلال سنوات مضت في مراكز متقدمة من حيث المتابعة الجماهيرية، خاصة في المرحلة التي شهدت ارتفاع سقف الحرية إبان ثورة 25 يناير 2011، واحتلت “بوابة الأهرام” المركز الأول عربيا على تصنيف المواقع الإخبارية وجاءت بعدها صحف خاصة وحزبية ومستقلة.

 عزوف عن متابعة الصحف الورقية في عصر التكنولوجيا الرقمية
 عزوف عن متابعة الصحف الورقية في عصر التكنولوجيا الرقمية

وكانت الإصدارات الحكومية وقتها تنشر مضمونا يتناسب مع نبض الشارع وتنتقد بعض المسؤولين، بغض النظر عن مناصبهم، ونادرا ما كانت تكتفي بالرواية الرسمية، وتتحرى ما وراءها وتنشر آراء لمعارضين ونشطاء ومفكرين وحزبيين.

ويقول خبراء إن تجربة التحول الرقمي التي نفذتها بعض المؤسسات الصحافية لم تجن ثمارها، لأن المواقع الإلكترونية أصبحت متحدثة بلسان الحكومة، ولم تستطع ملء الفراغ الذي تركته الإصدارات الورقية لارتباطها بنفس السياسة والمضمون.

ويعتقد الخبراء أن التعاطي مع أزمات الصحف القومية من منظور اقتصادي بحت سوف تكون له انعكاسات سلبية، فمواقع التواصل تزداد جماهيريتها رغم كونها خارج السيطرة وصارت منصة لبث الشائعات، والحكومة تفقد جملة من المنابر الهامة مع استمرار الخسائر المادية، ما يتطلب حلا مهنيا يجذب الجمهور للصحافة الرقمية.

وأكد سامي عبدالعزيز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة لـ”العرب” أن عدم تطوير المنتج والمحتوى الصحافي يؤثر على دور الإعلام، فلا يمكن أن تلغي وسيلة إلكترونية أخرى ورقية، والمفترض أن يكون هناك تنافس بينهما، ولا بديل عن تطوير الإدارة المؤسسية والسياسات الإعلامية لتواكب الصحف المصرية العصر.

ومهما تمسكت الحكومة بتحويل أغلب الصحف لإصدارات إلكترونية كحل وسط يضمن وقف الخسائر سوف تصطدم بمشكلة أكثر تعقيدا ترتبط بأن أغلب الصحافيين في الإصدارات الورقية ليسوا مؤهلين للتماهي مع الإعلام الرقمي ومتطلباته.

وقال محمد (ع)، وهو صحافي بمؤسسة قومية كبرى لـ”العرب” هناك شعور بوجود تغييب متعمد للكوادر البشرية التي يمكنها إنقاذ الوضع الراهن، لأن الكثير منهم بعيد عن المناصب القيادية على مستوى الإدارة والتحرير، ووجود هؤلاء في المشهد قد يصلح الحال ويحولُ دون تنفيذ خطة التصفية بالدمج أو الغلق.

ويصعب فصل مخطط التصفية عن تراجع نظرة السلطة عموما للصحف القومية والإعلام عموما بعد أن كانت صاحبة الكلمة الأولى في توجيه الرأي العام، وقادتها هم الأقرب لرئيس الدولة حتى صارت عاجزة عن الانفراد بحوار صحافي مع مسؤول بارز، وأخفقت في أن تكون ظهيرا سياسيا للحكومة، وباتت الأخيرة مقتنعة بأن توصيل رسائلها من خلال الصحف مستحيل.

18