خطة المناخ الأميركية تقوض ازدهار العلاقات التجارية

يراقب المحللون التأثيرات التجارية والاستثمارية المحتملة في الأسواق العالمية من تفعيل خطة المناخ الأميركية، التي لا تزال تبدو غير مقبولة محليا، وذلك بالنظر إلى كمية الإعفاءات الضريبية التي قد تقوض أعمال الكثير من الشركات خاصة في الصين وأوروبا.
واشنطن - جذبت خطة الرئيس الأميركي جو بايدن التاريخية المرتبطة بالمناخ استثمارات في مجال الطاقة النظيفة تقدّر بمليارات الدولارات، إلا أنها أثارت التوتر مع الحلفاء نظراً لاحتمال إعادة رسمها الواقع التجاري.
ويخصص قانون خفض التضخم (آي.آر.أي) الذي تمت المصادقة عليه قبل عام من الآن، حوالي 370 مليار دولار لدعم الانتقال في مجال الطاقة بأكبر اقتصاد في العالم، بما يشمل إعفاءات ضريبية للمركبات الكهربائية والبطاريات الأميركية الصنع.
ويمكن القول إن صناع القرار في واشنطن باتوا أكثر إدراكا لمخاطر التضخم الناجم عن التحول إلى الاقتصاد الأخضر من نظرائهم في الاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الدولية، والذين مازالوا يتحدثون فقط عن إيجابيات التحول إلى الطاقة النظيفة.
وسبق أن قال عاموس هوخستاين المبعوث الأميركي لملف الطاقة "إذا أردنا حل مشكلة التغير المناخي، فعلينا عمل ذلك، مع ضمان حماية الاقتصاد العالمي من أي صدمات ناجمة عن أسعار الطاقة".
لكن الحوافز التي تعزز الصناعات الأميركية بعد سنوات من اعتماد الولايات المتحدة على التصنيع خارج أراضيها، أثارت المخاوف من أنها قد تؤدي إلى سحب أعمال تجارية من بلدان أخرى وقلق آخرين حيال هدفها المعلن باستقلالية واشنطن في المجال الصناعي.
وقال الخبير البارز في معهد بروكينغز جوشوا ملتزر لفرانس برس "كانت الخطوة في الواقع تجسيدا لدخول الولايات المتحدة إلى اللعبة بقوّة".
وأشار إلى أن أوروبا تدعم تطوير التكنولوجيا النظيفة منذ ما قبل إقرار قانون خفض التضخم، كما هو الحال بالنسبة إلى الصين وغيرها.
لكن دخول واشنطن على الخط “يعني أنه ليبقى هذا الدعم تنافسيا، ينبغي أن تتم مواصلته أو زيادته”، وفق ما أفاد به ملتزر.
وتعدّ الخطة مشروعا طموحا يهدف إلى تسريع انتقال الولايات المتحدة نحو الطاقة النظيفة وإعادة بناء قوتها الصناعية وتعزيز العدالة الاجتماعية.
ومع ذلك لفت الباحث البارز لدى معهد بيترسون للاقتصادات الدولية جيفري شوت إلى أن التشريع جاء بـ”تداعيات غير مقصودة” عبر تقييد التجارة مع أبرز حلفاء الولايات المتحدة.
وكانت إعفاءات ضريبية للمستهلكين، تصل قيمتها إلى 7500 دولار لشراء مركبات كهربائية تم تجميعها في الولايات المتحدة، من بين النقاط العالقة.
ويستوجب الحصول على الإعفاء كاملا أن تتضمن بطاريات المركبات نسبة من المعادن الأساسية التي يعود مصدرها إلى الولايات المتحدة أو البلدان التي تقيم معها اتفاقيات للتجارة الحرة، ما يترك بلدان الاتحاد الأوروبي واليابان خارج الحسابات.
وأثار الأمر حفيظة هذه البلدان فيما وسّع المسؤولون الأميركيون في نهاية المطاف الوصول إلى المساعدات المرتبطة بالمركبات النظيفة.
وأشاروا في مارس الماضي إلى أن الشرط المرتبط باتفاقيات التجارة الحرة يمكن أن يشمل أيضا اتفاقيات مهمة بشأن المعادن تم التفاوض عليها مؤخرا.
ويشمل ذلك اتفاقا أُبرم قبل فترة قصيرة بين اليابان والولايات المتحدة، ما يفتح الباب للحصول على مزايا من جزء من الدعم. وقال شوت إن “جزءا من التوتر في البداية كان ناتجا عن سبب ما". وأضاف "المراجعات الأخيرة لقانون خفض التضخم تمّت على عجل وبشكل سرّي".
وأكد أنه بدا هناك "غياب لفهم مسألة أن حلفاء الولايات المتحدة ليسوا جميعا شركاء لها في اتفاقيات للتجارة الحرة”، ما دفع وزارة الخزانة إلى بدء “محاسبة إبداعية” لتحديد كيفية تطبيق القانون.
وأوضح ملترز أن الولايات المتحدة “حاولت بشكل سريع الاستجابة لهذه المخاوف عبر التفاوض على هذا النوع من الاتفاقيات الثنائية”، في إشارة إلى الاتفاق مع اليابان والجهود الأوروبية للتوصل إلى اتفاقيات مشابهة. وأكد أن ذلك خفف من حدة المخاوف.
وبينما حذّرت من مخاطر حرب في مجال الدعم، ردت كندا آنذاك بإدخال حوافز مشابهة لتلك الواردة في قانون خفض التضخم.
وفي شهر أبريل الماضي أعلنت الحكومة الكندية عن دعم يصل إلى 13.2 مليار دولار كندي (9.8 مليارات دولار) على مدى عشر سنوات لأول محطة بطاريات تابعة لفولكسفاغن في الخارج ومقرها أونتاريو.
وبدورها تأمل كبرى شركات تصنيع السيارات الكورية الجنوبية هيونداي إنتاج مركبات كهربائية تم تجميعها في الولايات المتحدة ومؤهلة للدعم في موقع قيد التشييد في جورجيا.
وأقامت شركات كورية جنوبية شراكات مع أخرى في الولايات المتحدة لبناء خطوط تجميع تتوافق مع متطلبات قانون خفض التضخم؛ من ذلك مثلا المشروع المشترك بين سامسونغ أس.دي.آي وجنرال موتورز لبناء معمل بطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.
وجاء في تحليل لثلاثة خبراء اقتصاد من البنك المركزي الأوروبي في يوليو الماضي أن "قانون خفض التضخم سيفيد الولايات المتحدة عبر إنتاج إضافي وتخفيف الاعتماد الإستراتيجي بمواجهة الصين".
وأضافوا في مقال نشره مركز أبحاث السياسة الاقتصادية “ستحقق الولايات المتحدة مكاسب من تأثيرات الانتقال الإيجابية، ليزداد الإنتاج بنسبة ستة في المئة إلى 30 في المئة في المعدات الكهربائية والبصرية".
ولفت المحللون أيضا إلى أن ذلك يأتي على حساب النشاط الاقتصادي في الصين وإلى حد أقل في أسواق الاتحاد الأوروبي.
وبينما يرتبط الانتقال بحصة صغيرة من إجمالي الإنتاج، يمكن للخسائر في قطاعات معيّنة أن تكون أكبر.
لكن منذ التوقيع على قانون المناخ تم الإعلان عن استثمارات صناعية جديدة بقيمة 75 مليار دولار على الأقل، بحسب المحلل في مجال السياسات جاك كونيس من معهد “إبداع الطاقة: السياسية والتكنولوجيا".
وأفاد مركز الأبحاث الأوروبي بروغل في تقرير هذا العام بأن حجم حزم الدعم المنصوص عليها في قانون خفض التضخم يمكن أن يكون معادلا لتلك المتاحة في أوروبا، لكن حزم الدعم الأميركية في مجال التكنولوجيا النظيفة “أبسط وأقل تشتتا".
ويمكن لعوامل كهذه أن تزيد جاذبية الدعم الأميركي بالنسبة إلى الأعمال التجارية، في وقت تواجه فيه أوروبا أيضا ارتفاعا في تكاليف الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال ملتزر تعليقا على ذلك إنه "إذا كنت في قطاع طاقة مكثّفة مثل الكيماويات.. تبدو الولايات المتحدة جذابة بشكل أكبر".
ورأى أن مجموعة أوسع من العوامل هي التي تخلق تحديات مرتبطة بالتنافس في أوروبا. وأكد أن "قانون خفض التضخم جزء منها.. لكنه ليس الوحيد".