خصوم قيس سعيد يتصيدون أخطاءه لإضعافه سياسيا وشعبيا

النهضة تستفيد من حملة الانتقادات التي تستهدف الرئيس قيس سعيد والهادفة إلى إضعاف دوره وتقليص نفوذه.
الثلاثاء 2020/09/15
الرئيس في مرمى الانتقادات مجددا

يستغل خصوم الرئيس التونسي قيس سعيد ارتباكه، وخصوصا على الصعيد الدبلوماسي، لتسجيل نقاط على حساب تآكل رصيده الشعبي. وتجلّى ذلك بعد إقدام رئاسة الجمهورية مؤخرا على إقالة مندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة بشكل مفاجئ، فيما يرى متابعون أن الأداء المتخبط للرئيس يصب في مصلحة حزب النهضة والتحالف البرلماني الذي يدعمه.

تونس- طالت الرئيس التونسي قيس سعيد موجة جديدة من الانتقادات على خلفية الإقالات والتعيينات الأخيرة صلب الدبلوماسية التونسية، إضافة إلى موقفه من حكومة هشام المشيشي الذي بدا متشنجا ويوحي ببوادر أزمة بين الرئاسة والحكومة من شأنها أن تعقد المسار السياسي أكثر بدل حلحلته.

وقال الأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي خلال مؤتمر صحافي الاثنين، إن “حالة التشنج السائدة في الحياة السياسية وحده رئيس الجمهورية يتحمل جانبا منها”. وأضاف أنه من المفترض أن يلعب رئيس الدولة دوره الدستوري كرمز للوحدة الوطنية وحكم في الساحة السياسية ومترفع عنها إلا أنه أصبح طرفا في هذه العملية.

ومنذ إعلان المشيشي تشكيلته الوزارية طفت على السطح بوادر خلافات بين سعيد ورئيس الحكومة الذي اختاره لتولي هذا المنصب بشأن الشخصيات المقترحة لتولي حقائب وزارية بعينها مثل وزارتي الدفاع والثقافة.

عصام الشابي: أداء الرئيس ضعيف ومرتبك ويمثل هدية بالنسبة لخصومه
عصام الشابي: أداء الرئيس ضعيف ومرتبك ويمثل هدية بالنسبة لخصومه

وتوقع متابعون مشهدا سياسيا مضطربا، إذ ازدادت حدة الخلافات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة خاصة وأن المشيشي أبدى توددا لحركة النهضة صاحبة الكتلة البرلمانية الوازنة التي تريد الحد من نفوذ الرئيس والتشويش على أدائه، لضمان تمرير حكومته في خطوة فسرها متابعون بمثابة الخروج من عباءة الرئيس الذي يخوض معركة شرسة على الصلاحيات مع رئيس البرلمان وحركة النهضة راشد الغنوشي.

وشدد المرايحي على أن “رئيس الجمهورية أصبح دوره مهمّشا في قصر قرطاج وخرج من الخارطة السياسية بعد اختياره لشخص من خارج السلطة البرلمانية ووضعه في السلطة التنفيذية دون أن يكون له حزام كاف لحكومته مما يجعله دمية بيد الأحزاب”.

وحسب المرايحي فإن المشيشي “قطع مع ولي نعمته رئيس الجمهورية قيس سعيد ورأى أن استمراريته على رأس الحكومة مرهونة بالحزام السياسي الاصطناعي الذي سيدعم حكومته مقابل الحصول على نصيب من السلطة”.

وحذرت أطراف سياسية من انعكاس هذا الخلاف على الاستقرار السياسي، كما أنه قد يعمق الهوة بين الشارع وخصوصا الطبقات الاجتماعية المسحوقة التي تنتظر من الحكومة الجديدة التفاتة جدية لهمومها ومشاغلها.

وعزا المحلل السياسي برهان بسيس توتر العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس إلى عدة مسببات بينها رغبة الرئيس في تشكيل حكومة على المقاس. وأوضح بسيس في تصريحات لوسائل إعلام محلية “أن قيس سعيد أراد المشيشي لنفسه لكن الأخير يحب يكون رجل الجميع”. وبين أن المشيشي مصر على أن يبعث برسائل على أنه ليس الوزير الأول وإنما رئيس حكومة كامل الصلاحيات.

ورجّح أن “يكون الصراع أقل حدة مما هو متداول، حيث يبدو الصراع بين قرطاج والقصبة مبالغا فيه باعتبار أن تمثيلية رئيس الجمهورية كبيرة في الحكومة وأبرزها وزير الداخلية وهو صديق سعيد”.

ويلاحظ متابعون أن خصوم الرئيس التونسي الذي وصل إلى الحكم من خارج المنظومة التقليدية يتصيدون أخطاءه لإضعافه أمام قاعدته التي منحته ثقتها بنسبة تصويت عالية وتسجيل نقاط سياسية على حساب تآكل رصيده الشعبي.

وعلى غرار المناكفات السياسية والمعركة المحتدمة على الصلاحيات، يشكل الارتباك في الدبلوماسية التونسية عبر إقالات وتعيينات متواترة ومفاجئة، إضافة إلى القرار المتسرع في فتح الحدود أعقاب النتائج الإيجابية الأولى في أزمة وباء كورونا نقاط ضعف في أيدي خصوم الرئيس لإظهار فشل منظومة الحكم الجديدة في البلاد.

لطفي المرايحي: رئيس الجمهورية أصبح دوره مهمّشا في قصر قرطاج وخرج من الخارطة السياسية
لطفي المرايحي: رئيس الجمهورية أصبح دوره مهمّشا في قصر قرطاج وخرج من الخارطة السياسية

وطالب المرايحي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية تتولى استجواب من أشرف على إدارة أزمة انتشار فايروس كورونا وأساء التصرف في مواجهتها. واعتبر أن “الساهرين على إدارة الأزمة فشلوا في مجابهتها بالتمادي في الحجر الصحي لأكثر من شهرين، خاصة أن المعطيات والدراسات التي توفرت منذ منتصف شهر فبراير الماضي حددت الشريحة الأكثر عرضة لمخاطر هذا الوباء وانخفاض عدد الحاملين للفايروس لمن أعمارهم دون الـ15”.

ويقول متابعون إن حملة الانتقادات التي تستهدف الرئيس تستفيد منها حركة النهضة بدرجة الأولى، التي تريد إحكام قبضتها على السلطة من باب البرلمان.

وأشار الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “هناك حملة على الرئيس انطلقت مباشرة بعد فوزه من الانتخابات”.

وحسب الشابي فإن “خصوم الرئيس الذين لم يقبلوا بوجه جديد في قرطاج هم وراء هذه الحملة التي بدأت مبكرا تارة ضده باختلاق أخبار كاذبة وطورا باصطياد أخطائه”.

ومع ذلك يرصد الشابي نقاط ضعف في أداء الرئاسة عرضتها تبعا لذلك لانتقادات واسعة خاصة في ما يتعلق بالدبلوماسية الخارجية. *وأثار إنهاء مهام قيس قبطني مندوب الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة تساؤلات عن أسباب هذه الخطوة خاصة أن الرئيس هو من اختاره لهذا المنصب.

وفيما أوضحت الخارجية التونسية أن قرارها سببه التصريحات الصحافية “المفاجئة” التي أدلى بها قبطني لوسيلة إعلام أجنبية، حيث قال قبطني إنه قرّر تقديم استقالته من السلك الدبلوماسي “بعد قرار السلطات التونسية إعفاءه من منصبه” الذي لم يشغله سوى 5 أشهر، إلا أن متابعين يعزون ذلك إلى التخبط والارتباك في الدبلوماسية التونسية.

ويعتبر الشابي أن إقالة المندوب الأممي كانت القطرة التي أفاضت الكأس على غرار تعاطيه مع حكومة المشيشي. ورأى أن هذا الأداء لا يبعث على الارتياح وهو أيضا خروج عن النص الدستوري والصلاحيات المخولة للرئيس.

يشكل الارتباك في الدبلوماسية التونسية عبر إقالات وتعيينات متواترة ومفاجئة، إضافة إلى القرار المتسرع في فتح الحدود أعقاب النتائج الإيجابية الأولى في أزمة وباء كورونا نقاط ضعف في أيدي خصوم الرئيس

واعتبر أن أداء الرئيس ضعيف ومرتبك ويمثل هدية بالنسبة لخصومه. لكنه استدرك بالقول إن الرئيس بوسعه التدارك في ظل موقعه على رأس السلطة الذي يشكل أبرز عناصر السلطة والاستقرار.

ويرى متابعون أن إضعاف الرئيس الذي دخل على خط الخلافات من مصلحة النهضة والتحالف البرلماني (النهضة قلب تونس، وائتلاف الكرامة) الذي شكل في أعقاب تمرير حكومة المشيشي.

ويشير الشابي إلى أن التحالف البرلماني الذي انتزع أوراق تشكيل الحكومة من الرئيس يريد أن يمضي قدما في إضعاف دوره وتقليص نفوذه. وحذر من أن دخول الرئيس في عزلة بعدم تواصله مع بقية القوى السياسية وعدم وجود فريق رئاسي ناجع هما عاملان سيسهلان مهمة خصومه في الاستمرار باستهدافه.

4