خسائر انفجار مرفأ بيروت تعقد الأزمة الاقتصادية

كشفت أرقام وبيانات حديثة خسائر كبيرة لانفجار مرفأ بيروت، تشمل البنى التحتية والمباني والمستودعات والأبنية والمواد المخزنة في ظل تجاذبات سياسية وأزمة اقتصادية غير مسبوقة تعيق جهود إعادة الإعمار.
بيروت - تسبب انفجار مرفأ بيروت في خسائر قياسية زادت من تعقيد مهام إنعاش الاقتصاد الذي تحدوه توترات سياسية تعرقل خطط إنعاش الاقتصاد وتهدد إمدادات الغذاء.
لا تزال الأرقام القياسية التي تسبب بها انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، تتحطم حتى اليوم بالأرقام المرتبطة بالكارثة، سواء في عدد الضحايا أو في قوة الانفجار أو الخسائر داخل المرفأ وخارجه.
في 4 أغسطس الماضي وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت، صنف أنه ثالث أقوى انفجار في العالم وأدى إلى وفاة أكثر من 200 شخص، وما يزيد عن 6 آلاف مصاب وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل.
وقع الانفجار بحسب تقديرات رسمية أولية، في عنبر 12 الذي تقول السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة “نترات الأمونيوم” شديدة الانفجار، التي كانت مُصادرة من سفينة ومُخزنة منذ العام 2014.
وزاد الانفجار الكارثي الوضع سوءا في بلد يعاني منذ شهور أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990)، واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح أجندات دولية.
ولا تزال عمليات إزالة الركام الذي خلفه الانفجار مستمرة، فحجمها الهائل الذي تجاوز 300 ألف طن من الحجارة وركام الردم والخردة ومخلفات المرفأ يشكل إحدى العثرات أمام الإسراع في عملية إعادة الإعمار.
ونسبت الأناضول لمدير مرفأ بيروت باسم القيسي، قوله، إن “الخسائر في مرفأ بيروت بلغت 350 مليون دولار، بين مستودعات وأبنية و مواد مخزنة”.
350
مليون دولار حجم الخسائر التي خلفها مرفأ بيروت بين تحطم مستودعات وأبنية ومواد مخزنة
وأشار القيسي إلى أن “الردوم التي خلفها الانفجار تقدر بنحو مليون و300 ألف متر مربع، أو 300 ألف طن، ولكن ستكون لدينا أرقام أكثر دقة بعد حوالي أسبوعين”.
ولفت إلى أن “سعر طن الخردة من الركام هو حسب نوعها، لكن معدل سعر الطن الواحد حوالي 250 دولارا.. تكلفة إعادة بناء المرفأ من دون صوامع الغلال، فهي ليست من مسؤوليتنا، وتبلغ حوالي 200 مليون دولار”.
وصوامع القمح التي دمرها انفجار المرفأ، بنيت في أواخر الستينات في عهد رئيس الجمهورية الراحل شارل الحلو، بهبة من دولة الكويت وقد دشنت سنة 1970، وقدرتها التخزينية تصل إلى 120 ألف طن، وارتفاعها 63 متراً، وكلفة بنائها 2.5 مليون دولار.
وعلى صعيد الخسائر البشرية، بلغ عدد الضحايا أكثر من 200 قتيل وأكثر من 6000 جريح وما يزيد عن 300 ألف مشرد فقدوا منازلهم عقب الانفجار مباشرة، إضافة إلى آلاف المنازل والشقق التي دمرت أو تضررت، ولا يزال عدد كبير من العائلات تقيم في الفنادق لعدم جهوزية منازلهم للسكن فيها.
وقال الباحث في الشركة الدوليّة للمعلومات (غير حكومية)، محمد شمس الدين “هناك أضرار قدرت بنحو 4.5 مليارات دولار بما فيها المرفأ والمناطق التي دمرت، سواء الدائرة القريبة المباشرة أو الدائرة البعيدة”.
أضاف شمس الدين “الأضرار امتدت إلى مساحات بعيدة، والوحدات السكنية التي تضررت كلياً أو جزئياً قدرت بحوالي 85 ألف وحدة، منها منازل ومكاتب”.
وتابع “هناك 69 ألفا ومئة وحدة سكنية بالمناطق القريبة، وهذه أضرارها كبيرة من الانفجار، و16 ألفا بالمناطق البعيدة أضرارها بسيطة مثل تحطم الزجاج”.
وأوضح شمس الدين أن “كلفة إعادة الإعمار، بما في ذلك للمرفأ، تبلغ 4.5 مليارات دولار.. ليس لدينا أرقام دقيقة للركام، فقد تم التخلص منه بأكثر من مكان، وخصوصاً في الأيام الأولى”.
وختم “هناك ركام تم التخلص منه وآخر أخذ لإعادة التدوير كالزجاج والألمنيوم، ولذلك لا يوجد أي تقدير لحجمه”.
في الأيام الأولى بعد انفجار المرفأ، قال الرئيس ميشال عون، إن الخسائر ربما تتجاوز 15 مليار دولار؛ بينما رأى خبراء أن الانفجار الذي أخرج أحد أهم مرافئ الشرق الأوسط عن الخدمة، ستكون له تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد اللبناني المنهار أصلا.
وامتد تأثيره السلبي ليطال نظام بشار الأسد (في سوريا) أيضا، حيث يشكل لبنان رئته التي يتنفس بها، بعدما فقد شريانا حيويا كان يمد الأسواق والمناطق الخاضعة لسيطرته بالطاقة والغذاء وقطع الغيار وغيرها من المواد الأساسية.
التجاذبات السياسية تعسر عملية الإعمار وتزيد الضغوط الاجتماعية على الطبقات الهشة
ويعد مرفأ بيروت أهم ميناء في لبنان، ومن أهم الموانئ في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ونظرا لموقعه الاستراتيجي، كان يستخدم هذا المرفأ لاستيراد المواد الأساسية من دول العالم وتصديرها عبر الداخل اللبناني إلى دول الشرق الأوسط.
ويعتبر هذا المرفأ ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني، إذ أنّه يلعب دورا أساسيا في عملية الاستيراد والتصدير وبالتالي تحريك العجلة الاقتصادية اللبنانية.
ويتعامل مرفأ بيروت مع 300 مرفأ عالمي ويقدر عدد السفن التي ترسو فيه بنحو 3100 سفينة سنويا.
ويتألف المرفأ من 4 أحواض يصل عمقها إلى 24 مترا، إضافة إلى حوض خامس كان قيد الإنشاء. كما يضم 16 رصيفا والعديد من المستودعات وصوامع تخزين القمح التي تؤمن أفضل شروط التخزين.
ومنذ أشهر، يلجأ عدد متزايد من اللبنانيين الذين يعانون من جراء الانهيار الاقتصادي، إلى المنظمات الإنسانية التي كانت خدماتها مكرسة بشكل أساسي إلى نحو مليوني لاجئ سوري وفلسطيني يعيشون في لبنان.
وخلال الأشهر الأخيرة، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان من دون أن تستثني أي طبقة اجتماعية. ويحذّر خبراء من أن الطبقة الوسطى الدنيا بدأت بالاختفاء، مع خسارة الليرة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما السعر الرسمي مثبت على 1507 ليرات.
وتخشى مايا ترو مؤسسة منظمة فود بلسد التي تعنى بتقديم مساعدات غذائية اليوم من تفاقم انعدام الأمن الغذائي كون المرفأ كان المدخل الأساسي للواردات.
وقالت إن “لبنان يستورد 80 في المئة من احتياجاته الغذائية تخيلت على الفور مع رفوف السوبرماكتات فارغة، والأسعار مرتفعة بسبب النقص”.
وبلغت نسبة تضخم أسعار المواد الغذائية الأساسية نحو 109 في المئة بين سبتمبر ومايو، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
وبات نصف اللبنانيين تقريبا يعيشون تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة من القوى العاملة.