خروقات مهنية تعيق الإعلام التونسي عن أداء مهمته الإخبارية

مجلس الصحافة يطالب بفتح تحقيق مع التلفزيون الوطني.

الخميس 2021/08/12
التلفزيون التونسي تقاعس عن واجب الإخبار

رصد مجلس الصحافة التونسي أداء وسائل الإعلام العمومية والخاصة في تغطية الأحداث بالبلاد بعد الخامس والعشرين من يوليو الماضي، وخلص إلى أن الأداء شابه الكثير من المخالفات وعدم الالتزام بالواجب الإخباري تجاه الجمهور التونسي.

تونس - تعاملت وسائل الإعلام التونسية مع الأحداث السياسية المتتالية منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي، بعد إعلان الرئيس قيس سعيد عن عدد من “التدابير الاستثنائية”، بطريقة مرتبكة غلب عليها ضعف التغطية والتخلف عن الحدث.

وأصدر مجلس الصحافة في تونس الأربعاء بيانا أكد فيه أن الإجراءات الاستثنائية كانت لها تبعات بالغة، إذ تمخض عنها سياق سياسي جديد تعمل فيه المؤسسات الإعلامية والصحافيون.

وقال المجلس الذي يعتبر هيئة تعديلية ذاتية، إنه بعد أن تابع تطورات المعالجة الإعلامية للأحداث، وجد أن جل وسائل الإعلام المرئية تخلفت عن مواكبة أحداث الخامس والعشرين من يوليو بالنقل والتعليق خاصة التلفزيون الوطني، مما دفع التونسيين إلى متابعة التغطيات التلفزيونية المباشرة عبر وسائل إعلام أجنبية وهذا ما يتنافى مع واجب الإخبار الذي التزمت به هذه القنوات كمرفق عمومي.

وأعرب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من أداء الإعلام التونسي الذي بدا هزيلا ومتواضعا في تفسير رؤية التونسيين ونقل الوقائع في حدث استثنائي. وواجه الإعلام العمومي انتقادات لاذعة واتهامات بالتعامل والولاء لبعض الأطياف السياسية.

ودعا مجلس الصحافة إلى فتح تحقيق مستقل بخصوص ما حصل بالتلفزيون التونسي يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من يوليو من أجل معرفة سبب تخلف مؤسسة التلفزيون الوطني عن واجب الإخبار الذي التزمت به كمرفق عام.

اعتدال المجبري: أيا كان السبب وراء تخلف التلفزيون التونسي فهو غير مبرر

وقالت رئيسة مجلس الصحافة اعتدال المجبري لوسائل إعلام محلية إنه “أيا كان السبب وراء هذا التخلف فهو غير مبرر باعتبار أن مؤسسة التلفزيون الوطني هي مرفق عمومي يساهم المواطن بصفة مباشرة في تمويله”.

ووفق بيان المجلس فإن القنوات التلفزيونية الخاصة هي الأخرى لم ترق إلى مستوى الحدث، وتخلف بعضها عن الدور في إخبار الجمهور والذي نصت عليه كراسات الشروط التي حصلت بموجبها على الترخيص.

وارتكزت المعالجة الصحافية في وسائل الإعلام التونسية على نقل مختلف مواقف وتصريحات الفاعلين السياسيين من الإجراءات الاستثنائية على المستوى الوطني والدولي، لكنها اكتفت بالنقل ولم تتجاوز ذلك إلى التفسير والتحليل والتحري.

وقد لاحظ المجلس عدة خروقات مهنية ومنها نشر الأخبار دون التحقق من مصداقيتها وغياب التوازن أحيانا في نقل مختلف المواقف.

وأكد متابعون للشأن التونسي أنه منذ الساعات الأولى لإعلان الرئيس التونسي تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، واكب ناشرو الأخبار المضلّلة تسلسل الأحداث بمبالغات واختلاقات، سواء لتأييد فريق والتنديد بآخر، أو لمجرّد جذب التفاعلات على صفحات وحسابات مستفيدين من الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان المشاهد التونسي ينتظر أن يجد في الإعلام المحلي برامج تنقل له بكلّ مصداقية وحرفية حقيقة ما يحصل في تونس، خاصّة أنّ العديد من القنوات الأجنبية باتت تعتمد على نشر الأخبار الزائفة، وفق أجندتها السياسية.

ونقلت بعض المنابر المحسوبة على الإسلاميين ما يجري في تونس بطريقتها الخاصة في انحياز تام للنهضة وحلفائها وبما يتنافى مع المعايير الصحافية والمهنية.

ولاحظ تقرير مجلس الصحافة أن بعض المؤسسات الإعلامية انخرطت في الاستقطاب السياسي والأيديولوجي بالاقتصار على رواية واحدة للأحداث والتعليق عليها من وجهة نظر واحدة، وبإعطاء بعض وسائل الإعلام الفرصة لعدد من المعلقين لممارسة دور دعائي لفائدة فاعلين سياسيين.

كما تم المزج بين الرأي والخبر وهو ما يتنافى مع أخلاقيات المهنة بصفة عامة، وما تنص عليه مدونة المجلس لأخلاقيات المهنة.

ولم تشتغل هيئات التحرير وفق التعديل الذاتي ووفق المواثيق والمعايير التحريرية ما أدى إلى تزايد الأخطاء الصحافية والأخبار الزائفة والإشاعات والتسريبات والمعلومات الجاهزة وصحافة البلاغات.

ويرى صحافيون أن المشهد الإعلامي في الفترة الأخيرة شابته بعض النقائص والإخلالات بتأثير من لوبيات المال والسياسة. وعاش حالة من التخبط وغياب الرؤية الواضحة في العمل بالعديد من المؤسسات الإعلامية، فبعضها اختار الاصطفاف وراء جهة محددة لخدمة أجندات معينة، والبعض الآخر حاول البقاء في منطقة محايدة في انتظار ما ستؤول إليه الأحداث والأوضاع، بينما الإعلام العمومي “شبه غائب”.

واعتبروا أن معالجة هذا الوضع لن تتم إلا من خلال تقنين المؤسسات الإعلامية وتطوير الإطار المنظم لحرية الاتصال السمعي والبصري وفق المعايير الدولية وإعلاء سلطة القانون.

وطالب مجلس الصحافة المؤسسات الإعلامية السمعية والبصرية بتفعيل آليات التعديل الذاتي التي نصت عليها كراسات الشروط والتي تحصلت بمقتضاها على الإجازة من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وهي الموفق الإعلامي والمواثيق التحريرية والتي في غيابها لن يتمكن الصحافيون من إدارة غرفة الأخبار والإنتاج وفق المعايير المهنية المتعارف عليها.

ونوهت المجبري بأن “مجلس الصحافة سينطلق قريبا في مساعدة المؤسسات الإعلامية على إنشاء آليات تعديل ذاتي”.

وحث المجلس الصحافيين على الالتزام بواجب الحقيقة الذي نص عليه البند الأول من ميثاق نقابة الصحافيين التونسيين وميثاق الاتحاد الدولي للصحافيين حتى تكون الصحافة منظومة بديلة عن منصات الشبكات الاجتماعية وما تتضمنه من مضامين دعائية وتضليلية.

ودعا كافة الفاعلين السياسيين للكف عن التلاعب بالمؤسسات الإعلامية ومحاولة اختراقها أو ممارسة ضغوطات عليها. وفي هذا الإطار فإن على كل مؤسسات الدولة احترام

دور الصحافة باعتبارها مؤسسة مستقلة ضرورية على غرار المجتمع المدني والأحزاب لتفعيل الانتقال الديمقراطي.

 كما طالب الأحزاب السياسية والمنظمات والمؤسسات العمومية والخاصة باحترام حق الصحافيين في البحث والتحقيق خدمة لحق الجمهور في الإعلام وحتى لا تكون الصحافة في خدمة الاستراتيجيات الاتصالية. وأشار إلى أنه لا يمكن لمطمح التونسيين في إقامة مجتمع ديمقراطي حر ومتنوع ومتعدد أن يتحقق دون صحافة قوية.

مطالبة بصحافة حرة
مطالبات واسعة بصحافة حرة وفاعلة 

وتم إحداث مجلس الصحافة في سبتمبر عام 2020، في ظل تصاعد نسق انتشار الأخبار الزائفة وانتهاك أخلاقيات الصحافة، ويعمل على تعزيز أخلاقيات الصحافة وتمكين الجمهور من حقه في الحصول على المعلومة من خلال تعزيز حرية الصحافة في تونس.

ويتولى مساعدة المؤسسات الإعلامية على تركيز آليات لاحترام أخلاقيات المهنة، وتحسين التشريعات المتعلقة بقطاع الصحافة المكتوبة والإلكترونية.

ويقوم مجلس الصحافة بدور محكمة الشرف للصحافيين ويسعى للدفاع عن حرية الصحافة، وضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومة، واعتماد الممارسات الصحافية الجيدة، وتعزيز مبدأ “التعديل الذاتي” وأخلاقيات الصحافة بين الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في تونس.

وتضم تركيبة مجلس الصحافة ثلاثة أطراف ممثلين عن الصحافيين وأصحاب وسائل الإعلام والمجتمع المدني.

وتم اختيار أعضاء مجلس الصحافة من قبل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، والجامعة التونسية لمديري الصحف، والنقابة العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة المركزية)، والغرفة النقابية لأصحاب التلفزيونات الخاصة، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان التي تمثل الجمهور في المجلس.

18