خالد نزار من عراب صقور الجيش الجزائري إلى مطلوب للقضاء الدولي

الجزائر مستعدة للتضحية بعلاقاتها مع سويسرا لأجل وزير دفاعها المتقاعد.
الأحد 2023/09/03
جنرال متقاعد متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية

الجزائر- لم تتأخر وزارة الخارجية الجزائرية في تبني قضية وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، واعتبرت أن الأعمال المنسوبة إليه من طرف القضاء السويسري سياسة دولة انتهجتها خلال حقبة الحرب على الإرهاب، وليست أفعالا معزولة يجرمها القانون، ولذلك فإن الرجل لن يتم تسليمه للمحاكمة، ولا يستبعد أن يثير أزمة دبلوماسية بين الجزائر وجنيف.

ودافع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بشدة عن الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع الأسبق خلال الاتصال الذي جرى بينه وبين نظيره السويسري إينياتسيو كاسيس، وهو ما يعطي الانطباع بأن السلطة الرسمية في الجزائر غير مستعدة لتلبية طلب سويسرا من أجل تسليم الرجل للمحاكمة، بعد توجيه النيابة العامة له تهمتي “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

بوكس

ولم يتوان رئيس الدبلوماسية الجزائرية في انتقاد القضاء السويسري واتهامه بالتطاول والتدخل في الشأن الداخلي الجزائري، وتجاهل جهود الجزائر في الحرب على الإرهاب التي كان الجنرال المتقاعد جزءا منها، وهو ما يوحي بأن الوزير الذي كان يشغل نفس المنصب حينها، لا يزال وفيا لما يعرف بالنمط المتشدد في محاربة الإرهاب الإسلامي، رغم أن الخطاب تغير مع قدوم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة نهاية التسعينات في إطار ما عرفا بالوئام المدني والمصالحة الوطنية.

وكانت النيابة العامة الفيدرالية السويسرية قد وجهت نهاية الشهر المنقضي بشكل رسمي تهمتي “ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” لنزار، وهو ما شكل مفاجأة لمتابعي الملف الذين كانوا يرجحون طيّه، بعدما أطلق المحققون سراح الرجل غداة استدعائه للاستماع إليه منذ عامين.

تقليب أوجاع التسعينات

بهذه الخطوة يكون مسلسل ملاحقة الرجل من طرف أفراد مستقلين وجمعيات ناشطة قد وصل إلى مرحلة مفصلية، بما تحمله من دلالات وتداعيات حول مصير ومستقبل نزار (85 عاما) ووضعية عدد من القيادات والضباط الذين أداروا المرحلة آنذاك في شقيها السياسي والأمني، فضلا عن تداعياتها على علاقات البلدين بعد رفض الجزائر لقرار القضاء السويسري.

وأفاد بيان النيابة العامة السويسرية أن “خالد نزار باعتباره شخصا مؤثّرا في الجزائر بصفته وزيرا للدفاع وعضوا بالمجلس الأعلى للدولة، وضع أشخاصا محل ثقة لديه في مناصب رئيسية، وأنشأ عن علم وتعمّد هياكل تهدف إلى القضاء على المعارضة الإسلامية”.

وأضاف “تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمم ومنهجي لمدنيين اتهموا بالتعاطف مع المعارضين”، وهو ما سيفتح المجال أمام إعادة تقليب أوجاع المرحلة 1990 – 2000، التي أودت بحياة ربع مليون جزائري، ووجهت أصابع الاتهام لقيادات وضباط عسكريين كانوا تحت وصاية وزير الدفاع المطلوب بارتكاب تجاوزات وخروقات في حق مدنيين عزل بدعوى الحرب على الإرهاب.

بوكس

وبين وزير الدفاع الأسبق ووزير الخارجية الحالي، رابط زمني قوي جمعهما في مرحلة حساسة من تاريخ الجزائر، فهما وجهان لعملة واحدة، فالأول كان عراب الميدان للحرب على المسلحين الإسلاميين، والثاني كان عرابها الدبلوماسي في المحافل الإقليمية والدولية، ولذلك ربما لم يتأخر الرجل في الدفاع عن صديقه، قبل أن يكون موقفا رسميا للدولة.

وبغض النظر عن الموقف المنتظر من طرف السلطة تجاه أحد رموزها، فإنه يمثل تحولا أرساه الرئيس الراحل بوتفليقة، حين لم تجدِ المقاربة الأمنية نفعا في وقف الحرب الأهلية، والذي عمل على طي صفحتها إلى الأبد عبر مبادرتي الوئام المدني العام 1999، والمصالحة الوطنية في 2005، الأمر الذي سمح بعودة نحو 20 ألف مسلح إسلامي إلى المجتمع، وحماية قادة المؤسسة العسكرية من المساءلة والمتابعة.

ولذلك كان رد وزير الخارجية صريحا وجريئا حين قال “الجزائر ترى أنه من غير المقبول أن تعطي العدالة السويسرية لنفسها الحق في إصدار الأحكام حول الخيارات السياسية لدولة مستقلة وذات سيادة في مسائل الأمن الوطني”.

وتابع “هذه القضية بلغت حدودا غير مقبولة ولا يمكن التسامح معها، وأن الحكومة الجزائرية عازمة كل العزم على استخلاص كل النتائج، بما فيها تلك التي هي أبعد من أن تكون مرغوبة في مستقبل العلاقات الجزائرية – السويسرية”، معربا عن “أمله في بذل كل الجهود تفاديا لأن تجر هذه القضية العلاقات بين الجزائر وسويسرا نحو طريق غير مرغوب فيه وغير قابل للإصلاح”.

قائد الصقور

• مسلسل ملاحقة الرجل من طرف أفراد مستقلين وجمعيات ناشطة قد وصل إلى مرحلة مفصلية
مسلسل ملاحقة الرجل من طرف أفراد مستقلين وجمعيات ناشطة قد وصل إلى مرحلة مفصلية

يعرف الجنرال نزار بـ”قائد صقور المؤسسة العسكرية” الذين تدخلوا نهاية العام 1991 من أجل إلغاء المسار الانتخابي الذي استحوذت عليه آنذاك الجبهة الإسلامية للإنقاذ بدعوى “حماية الجمهورية من الظلامية والتطرف الديني”، وهي النخبة التي يتهمها البعض بارتكاب مجازر جماعية في حق المدنيين خلال تسعينات القرن الماضي، في إطار ما كان يعرف حينها بـ”الحرب على الإرهاب”.

وأمام استحالة إرساء مصالحة وطنية حقيقية وفق مبادرتي الراحل بوتفليقة، بحسب جمعيات ومستقلين محسوبين على جبهة الإنقاذ، فقد لجأ هؤلاء إلى متابعة بعض رموز المرحلة لدى محاكم أوروبية في باريس وجنيف، وتم توقيف الرجل بفرنسا في مطلع الألفية للنظر في شكوى رفعت ضده، غير أن السلطة السياسية سارعت لإنقاذه وتهريبه عبر طائرة خاصة من باريس إلى الجزائر، وهو ما يوحي بأن الرجل كان يريد حماية الرموز العسكرية من المساءلة والمتابعة، مقابل العفو عن المسلحين الإسلاميين.

ورغم دور مبادرتي بوتفليقة في استعادة الأمن لربوع البلاد ووقف حمام الدم الذي راح ضحيته نحو ربع مليون جزائري بحسب بيانات رسمية، إلا أنهما لم تقنعا بشكل نهائي بعض الجمعيات الناشطة والأفراد المستقلين على غرار “جمعية الدفاع عن المفقودين”، ومن يصفون أنفسهم بـ”ضحايا” العنف الرسمي لمؤسسات الدولة (الجيش والأمن).

• الاستئناف الذي تم أمام المحكمة الجنائية الفيدرالية أعاد فتح الملف من جديد العام 2018
الاستئناف الذي تم أمام المحكمة الجنائية الفيدرالية أعاد فتح الملف من جديد العام 2018

وفي العام 2011، تم توقيف الجنرال نزار بجنيف لاستجوابه من طرف النيابة العامة بناء على شكوى قدمتها ضدّه منظمة “ترايل إنترناشيونال” غير الحكومية التي تحارب الإفلات من العقاب على جرائم الحرب، لكنه تم إطلاق سراحه وغادر سويسرا.

وفي العام 2017، طوت النيابة العامة السويسرية الملف على أساس أن الحرب الأهلية الجزائرية لا تشكّل “نزاعاً مسلّحاً داخليا”، وأنّ سويسرا لا تملك صلاحية إجراء محاكمات لمتهمين بارتكاب جرائم حرب محتملة في هذا السياق.

لكن الاستئناف الذي تم أمام المحكمة الجنائية الفيدرالية أعاد فتح الملف من جديد العام 2018، استنادا إلى أن “الاشتباكات في الجزائر كانت كثيفة إلى درجة أنها مشابهة لمفهوم النزاع المسلح على النحو المحدّد في اتفاقيات جنيف والسوابق القضائية الدولية، في قرار ألزم النيابة العامة بإعادة النظر في القضية”.

وبناء على ذلك، أحيلت قضية الجنرال نزار إلى المحكمة الجنائية الفيدرالية بتهمة “انتهاكات للقانون الإنساني الدولي بالمعنى المقصود في اتفاقيات جنيف بين عامي 1992 و1994 في سياق الحرب الأهلية في الجزائر، وعلى خلفية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.

وخلال العام 2019، كان خالد نزار إلى جانب ابنه لطفي من ضمن الضباط الذين فروا إلى خارج البلاد للإفلات من العقوبات القضائية التي صدرت في حقه وفي حق مدراء جهاز الاستخبارات السابقين محمد مدين (توفيق) وعثمان طرطاق (بشير)، وشخصيات مدنية مثل سعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الراحل بوتفليقة، ولويزة حنون زعيمة حزب العمال، وفريد بن حمدين، الذين وجهت لهم تهم التخطيط للانقلاب على المؤسسة العسكرية، وصدرت في حقهم عقوبات تراوحت بين 15 و20 عاما سجنا نافذا.

هل انتهت مصالحة بوتفليقة

من منفاه الاختياري بمدريد شن نزار حينها حملة مضادة على قائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح. ومع وفاة قايد صالح نهاية العام 2019، عاد نزار عبر طائرة رئاسية خاصة وتحية موسيقية للحرس الجمهوري، ليصبح بعدها عراب السلطة العسكرية والسياسية الجديدة في البلاد إلى جانب الجنرال توفيق من خلف الستار.

بوكس

تتحدث مصادر مقربة من نزار عن أنه “يعاني من مشاكل صحية متعددة، وأنه قد تم نقله إلى مقر سكنه بمسقط رأسه في محافظة باتنة (450 كلم شرقي العاصمة)، وأن الجنرال القوي يعد أيامه الأخيرة”.

وحسب بيان النيابة العامة السويسرية، فإنه يشتبه في أن نزار قام على الأقل بـ”الموافقة وتنسيق وتشجيع، عن علم وتعمد، التعذيب وغيره من الأعمال القاسية واللاإنسانية والمهينة، وانتهاكات للسلامة الجسدية والعقلية، واعتقالات وإدانات تعسفية، فضلا عن عمليات إعدام خارج نطاق القضاء”.

أما منظمة “ترايل إنترناشيونال” التي تتابع الجنرال المتقاعد فقد ذكرت في بيان لها أنه “بعد ما يقرب من 12 عاما من الإجراءات المضطربة، فإن الإعلان عن المحاكمة يجدد الأمل لضحايا الحرب الأهلية في الجزائر (1991 – 2002) في الحصول على العدالة أخيرا”.

لكن رئيس الدبلوماسية الجزائرية ومن خلفه القيادة السياسية، أعرب عن عدم تفريط الجزائر في واحد من رموزها المتقاعدين، وذكر أن “الجزائر هي دولة رائدة على مستوى الاتحاد الأفريقي في مجال الوقاية من الإرهاب ومكافحته، وأنها تتهيأ في إطار انتخابها في مجلس الأمن الدولي لتولي رئاسة لجنتين فرعيتين للمجلس بشأن موضوع الإرهاب، وأن الجزائر ستترأس قريبا، مناصفة مع الولايات المتحدة مؤتمرا حول مكافحة الإرهاب في أفريقيا، ويبدو أن العالم بأسره يعترف بأن الجزائر تحارب الإرهاب إلا القضاء السويسري”.

كما عبر عطاف عن أسفه لما سمّاها بـ”القراءة الرجعية من قبل العدالة السويسرية في ما يخص بطولة الكفاح الذي خاضته الجزائر بمفردها ضد الإرهاب”.

وأشار إلى “الطابع الفريد للوضعية الحالية، التي سمحت لمنظمة من الإرهابيين السابقين وحلفائهم باستخدام العدالة السويسرية لمحاكمة الدولة الجزائرية”.

وذهب بيان الخارجية في استعراض موقف رئيس الدبلوماسية إلى أن “استقلالية القضاء لا تبرر اللامسؤولية، وأن أي نظام قضائي لا يمكن أن يعطي لنفسه الحق المطلق في الحكم على سياسات دولة مستقلة وذات سيادة، وأنه منذ بداية هذه القضية، تشكلت لدى الجزائر قناعة تعززت بمرور الوقت، بأن العدالة السويسرية قدمت باستخفاف شديد منبرا للإرهابيين وحلفائهم ومؤيديهم بغية محاولة تشويه سمعة الكفاح المشرف الذي خاضته ضد الإرهاب، وتلطيخ صورة وذكرى أولئك الذين سقطوا في مجابهته”.

• ما مصير نزار (85 عاما) ووضعية عدد من القيادات والضباط الذين أداروا المرحلة آنذاك
ما مصير نزار (85 عاما) ووضعية عدد من القيادات والضباط الذين أداروا المرحلة آنذاك

 

7