خالد فرج زاده ينقل بأفلامه معاناة الأكراد

وجّه المخرج الإيراني خالد فرج زاده عدسته نحو مشكلات الأقليات الكردية سواء في المناطق التابعة لإيران أو تلك التابعة للعراق، حيث رأى أن من واجبه كمخرج الالتفات إلى القضايا والمشكلات الإنسانية الكبرى والابتعاد عن الدراما الخيالية.
الرباط - تلعب السينما دورا حيويا في نقل معاناة الشعوب أثناء الحروب إلى الجمهور، حيث تعتبر وسيلة فعالة لسرد القصص والتجارب الإنسانية في سياقات الصراع والتحديات الضاغطة، وتنجح في مرات كثيرة في نقل تأثيرات الحروب على الأفراد والمجتمعات، وتسليط الضوء على الجوانب الإنسانية والنفسية لتلك التجارب.
ومن خلال تصوير الصراعات والمعارك، تتيح السينما للمشاهدين فهما عميقا للظروف القاسية التي يمر بها الناس خلال الحروب، بما في ذلك فقدان الأحبة، والخسائر المادية، والتشرد، والمعاناة النفسية. وتعمل القصص السينمائية على إبراز قوة الروح البشرية في مواجهة الصعوبات، وكيف يتحد الناس للتغلب على الأزمات والتصدي للظروف الصعبة.
في هذا السياق كان لصحيفة "العرب"، حوار مع أحد المخرجين السينمائيين المهتمين بقضايا الشعوب ومعاناة الأقليات، وهو الإيراني خالد فرج زاده الذي كان آخر فيلم له بعنوان "عين الخبز"، ويحكي حياة فتاة كردية وتحدياتها في كولوبريس الإيرانية والتأثير الكارثي للقصف الكيمياوي في حلبجة العراقية، وينقل رسالة اجتماعية قوية حول الألم والأمل في المنطقة.
تدور أحداث فيلم "چآوي ناين" (عين الخبز)، للمخرج الإيراني خالد فرج زاده حول مشكلتين رئيسيتين في كردستان، واحدة في كولوبريس الإيرانية، والأخرى عن القصف الكيمياوي على مدينة حلبجة العراقية. وتحكي القصة حياة فتاة كردية إيرانية تدعى روجين، تكافح في سبيل مساعدة والدها المعوق، الذي سقط على لغم في طريقه إلى كولايبري وفقد عينيه، مما أدى إلى فقدان روجين حسها الطفولي في وقت مبكر، وخلال رحلتها عبر الحدود تصل إلى قرية صغيرة إذ تلتقي بصبي يدعى كارفان، ينتمي إلى سكان القرية.
تستمر روجين في تجسيد تحدياتها وصراعاتها الشخصية أثناء تعاملها مع صعوبات الحياة، حيث تنسجم حياتها مع حياة كارفان، إذ يظهر الصبي أيضا تجاربه الصعبة ومواجهته للعديد من التحديات، ويكتشفان تدريجيا أن لديهما الكثير من القضايا المشتركة في حياتهما، تربطهما بشكل قوي.
يلقي البطلان نظرة من خلال نافذة مدرسة القرية على الفصل الدراسي ويكتشفان أن القافلة الإنسانية تعاني من مشاكل وتحديات مماثلة، إذ تتشابك حياة الجميع في رحلة مليئة بالصعوبات، لكنهما يكتشفان أيضا قوتهما ومدى تصميمهما على مواجهة الصعوبات.
يوضح المخرج الإيراني في حواره مع "العرب"، أصل فكرة الفيلم واختياره لشخصيتين تتعلقان بالأكراد، وتحديدا كولوبريس في إيران والقصف الكيمياوي على حلبجة في العراق، فيقول: "فكرة الفيلم تحمل في طياتها رغبة شديدة في تسليط الضوء على تاريخ وواقع كردستان والتحديات التي واجهها الشعب الكردي.. اخترت مواضيع كولوبريس في إيران والقصف الكيمياوي على حلبجة العراقية لأنهما يمثلان جزءا من الحقائق التاريخية والإنسانية التي يجب أن يعرفها العالم. وشاركت كمخرج وسيناريست في تأليف الفيلم باستخدام قصص مبنية على أحداث حقيقية تمنح العمل طابعا واقعيا ومؤثرا".
أما عن الرسالة التي يأمل في نقلها من خلال قصة الفتاة الكردية الإيرانية وتجربتها مع والدها المعوق وعمله في كولبيري، فيقول إن "الرسالة التي أتمنى نقلها من خلال قصة الفتاة الكردية الإيرانية، روجين، وتجربتها مع والدها المعوق وعملها في كولبيري هي قصة حب وأمل، إذ تتعامل الحبكة مع الواقع الصعب الذي تعيشه الشخصيات ويسلط الضوء على القوة الإنسانية والروح المقاومة. فرغم التحديات الكبيرة تظهر الفتاة كشخصية تمتلك إرادة قوية وتفهم الوضع الصعب الذي يمر به والدها، فالحب والأمل يلعبان دورا حاسما في تشكيل حياتها وتجربتها، وأعتقد أن هذه الرسالة تتناسب مع تجارب العديد من الأفراد في المجتمع".
◙ مشكلتان رئيسيتان، واحدة في كولوبريس الإيرانية، والأخرى عن القصف الكيمياوي على مدينة حلبجة العراقية
وفي حديثه لـ"العرب" عن رمزية تصوير مشاهد القصف الكيمياوي في مدينة حلبجة، يقول خالد زاده "تعاملت مع تحدي تصوير مشاهد القصف الكيمياوي في حلبجة بحذر كبير، حيث كنت أدرك الحساسية الكبيرة لهذا الحدث والجروح العميقة التي تسبب فيها، لذلك قررت تناول هذه المشاهد بشكل رمزي فقط، من خلال استخدام الإيحاءات دون اللجوء إلى عرض مباشر للقصف، والهدف كان التعبير عن الأحداث بنفس الشدة دون إيذاء المشاهدين أو تجاوز حدود الاحترام لضحايا هذه الكارثة".
ويشير المخرج الإيراني إلى أهمية تحقيق التوازن بين الركيزتين الرئيسيتين في الأحداث، موضحا "سعيت جاهدا لتقديم البطلين كأبعاد مترابطة لجسد واحد، وهو الأمة الكردية، كما أن التركيز على الفتاة الكردية وتجربتها مع والدها في كولبيري يمثل نافذة لفهم الواقع الكردي الحالي بالإضافة إلى ذلك، تعكس مشاكل كولوبريس الكردية الواقع الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، وتظهر الجرح الكبير الذي لا يزال يؤثر على الأمة الكردية في جميع جوانب حياتها".
ويكشف المخرج الإيراني لصحيفة "العرب" عن كواليس تصوير أحداث فيلمه، حيث يقول: "كانت هناك تحديات خاصة أثناء تصوير مشاهد الحدود ولقاء روجين وكارفان، والتحدي الأكبر كان في تجسيد المشاعر المعقدة التي تتنوع بين الحب والصراع والتحديات الحياتية. تم تجسيدها في إطار واحد، وكان من المهم التعبير عن هذه المشاعر بشكل واقعي ومؤثر دون أن يتحول الأمر إلى دراما مبالغ فيها".
ويضيف “حاولت أن أجسد تجارب البطلين الشخصية بشكل ملموس ومؤثر، فروجين الفتاة الكردية، تمثل قوة العزيمة والأمل في مواجهة الصعوبات، في حين أن كارفان يعبر عن تحديات الإدمان والضغوط الاجتماعية. عبرت عن تصدي هاتين الشخصيتين لمشاكل الحياة اليومية من خلال التركيز على قوتهما الداخلية وكيف يحاولان التغلب على التحديات وبناء حياة أفضل".
ويشاركنا خالد زاده التأثير البالغ الذي تركته القصة لدى المشاهدين بالقول "لاحظت تفاعلا قويا من قبل الجمهور تجاه الحبكة العميقة للقصة والتفاصيل الواقعية لتجارب الشخصيات، مما أثر بشكل كبير في عواطف وتفكير المشاهدين".
وتثير حكاية الفيلم تساؤلات معقدة حول الصراعات الاجتماعية والإنسانية لدى المشاهدين، حيث يتعاملون مع القصة كوسيلة لفهم أعمق للواقع الصعب الذي يعيشه أبطال الفيلم، ويتجلى ذلك في التفاعل القوي والمشاعر التي عبر عنها الجمهور، وكذلك في النقاشات التي أثارتها القضايا الاجتماعية والإنسانية المطروحة في الفيلم. ويرى المخرج أن الجمهور "استفاد بشكل كبير من رؤية هذا الواقع الصعب وتحقيق فهم أعمق للتحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمعات في ظل الظروف الصعبة".
ويضيف "كان الهدف الرئيسي من التركيز على تحولات الشخصيات في الفيلم هو إلهام المشاهدين، إذ أردت من خلال قصة البطلين أن أظهر القوة الداخلية والصمود في مواجهة التحديات، وأسلط الضوء على الأمل والحب كقوى مذهلة قادرة على تحقيق التغيير الإيجابي، وأتمنى أن يلتقط المشاهدون روح الصمود والتفاؤل من خلال تجارب هاتين الشخصيتين".
ويختم بالقول "الفن السينمائي لديه قوة كبيرة في نقل القضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل فعال من خلال القصص والشخصيات، ويمكن للسينما أن تلامس القلوب وتثير التفكير، كما يمكنها أن توفر منصة للتواصل والتفاعل حول القضايا الهامة، بفضل القوة السردية للسينما، يمكن أن تلهم وتحفز المشاهدين على التحرك والتأثير لتحسين الظروف الاجتماعية والإنسانية".