خالد العناني يتجاوز خلافات العرب ويصطدم بملف هدم التراث المصري

إدراج القاهرة على قائمة التراث المهدد يزعج مرشح مصر لليونسكو.
الأربعاء 2023/09/13
العناني أمام تحد صعب

مازال قرار الحكومة المصرية وتوجهها إلى إزالة المقابر التاريخية في القاهرة يثير حفيظة المثقفين في مصر وخارجها، الذين يُجمعون على ضرورة إيجاد حلول بديلة عن هدم جزء يعتبرونه هاما وأساسيا في تاريخ مصر. وتبعات هذا الإجراء قد تتجاوز هذا الحيز إلى التأثير في نتائج انتخاب الأمين العام لمنظمة اليونسكو.

القاهرة - تجاوزت مصر الخلافات العربية بشأن التوافق حول مرشح واحد لمقعد الأمين العام لمنظمة اليونسكو، مع موافقة وزراء خارجية الدول العربية على مرشحها خالد العناني للمنافسة في انتخابات المنظمة الدولية، لكنها قد تصطدم بمأزق أكثر صعوبة بشأن إقناع المجتمع الدولي عقب هدم مواقع تراثية ضمن خطة الحكومة لإقامة توسعات في الطرق والمرافق العامة بالقاهرة التاريخية.

ولم يقلل التوافق العربيُّ المخاوفَ التي تنتاب العديد من المهتمين بالثقافة والآثار في مصر من صعوبة موقف وزير السياحة والآثار المصري السابق خالد العناني، في ظل تصاعد الحملات الداعية إلى وقف هدم جبانات (مقابر) في منطقة القاهرة التاريخية، ما قد يضع مصر في قائمة الدول المهدد تراثها بالخطر.

اتحاد عربي

ممدوح الدماطي: القاهرة تتحرك من أجل خلق توافق أفريقي لدعم العناني
ممدوح الدماطي: القاهرة تتحرك من أجل خلق توافق أفريقي لدعم العناني

أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبوزيد عبر حسابه على موقع إكس مؤخرا اعتماد وزراء الخارجية العرب ترشيح العناني لمنصب مدير عام اليونسكو في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، ضمن اعتماد تأييد الترشيحات العربية لعدد من المناصب الدولية.

وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن “دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانتا تنويان ترشيح ممثلين عنهما، وتراجعتا عقب التمسك المصري بترشيح العناني، واقتنعت الدول العربية بأهمية أن يكون التكتل العربي في مواجهة تكتلات أخرى تستطيع في النهاية أن تحسم الانتخابات لصالحها”.

وهيمنت الخلافات العربية على ملف الترشح لليونسكو خلال انتخابات عام 2017. ولم تخض السفيرة مشيرة خطاب، التي تشغل الآن منصب رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، منافسة قوية مع وجود المرشح القطري حمد الكواري الذي كان نداً قويًا أمام الأمينة العامة لمنظمة اليونسكو الحالية الفرنسية أودري أزولاي.

وتسببت المواقف القطرية السلبية من بعض الدول العربية في ذلك الحين وما ترتب عليها من مقاطعة للدوحة في زيادة حدة الاستقطاب بين المرشحين المصري والقطري، وخدمت أجواء التهدئة الحالية في إطار الجامعة العربية التوافق حول حد أدنى داخل جامعة الدول العربية استفاد منه المرشح المصري.

على المرشح المصري لرئاسة اليونسكو أن يكون له موقف واضح من قضية التعدي على التراث في القاهرة

وكان وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني قريبًا من الفوز بمنصب الأمين العام لليونسكو عندما خاض الانتخابات عام 2009 وخسر بفارق أربعة أصوات أمام الدبلوماسية البلغارية إيرينا بوكوفا، وجرى الحديث عن أن إدلاءه بتصريحات معادية لـ”السامية” وإسرائيل كان سببًا في هزيمته، على الرغم من أنه لقي دعما عربيا.

ويؤكد وزير الآثار الأسبق ممدوح الدماطي أن التوافق العربي على مرشح واحد أمر جيد، ففي الكثير من الأحيان كانت رؤى الدول العربية تختلف بشأن المرشحين وإن لم يكن لدى بعضها مرشح، وخطوة الجامعة العربية إيجابية شريطة وجود تكاتف حقيقي من جميع الدول العربية التي لها حق التصويت، والتأكيد على امتلاك تكتل قوي يضم دولا عدة، والحصول على دعم الدول الصديقة في العالم.

ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن “القاهرة تتحرك من أجل خلق توافق أفريقي لدعم العناني، لكن ذلك يواجه صعوبات بسبب الارتباطات السياسية لبعض الدول بتكتلات غربية، وفي جميع الحالات يمكن أن يُحسن التوافق العربيُّ فرصَ خوض المرشح المصري منافسة قوية، لكن الأمر بحاجة إلى تنسيق سياسي وثقافي”.

صعوبة الفوز

عبدالرحيم ريحان: هدم التراث التاريخي للقاهرة عقبة حقيقية أمام المرشح
عبدالرحيم ريحان: هدم التراث التاريخي للقاهرة عقبة حقيقية أمام المرشح

يعتبر الدماطي أن ما يُصعب مهمة العناني ما أقدمت عليه الحكومة المصرية من هدم لمواقع تراثية، فالأمين العام لليونسكو من المفترض أن يكون مسؤولا عن الحفاظ على التراث، وإن لم تكن هناك رؤية موحدة بين المرشح والجهات الحكومية تضمن عدم المساس بالمناطق التاريخية، فإن فرصة العناني في المنافسة سوف تكون صعبة، وفي هذه الحالة قد لا يحظى بدعم حقيقي من جهات نافذة في اليونسكو.

وتزايد الرفض الشعبي لإجراءات هدم المقابر التاريخية في وسط القاهرة خلال الأيام الماضية، ودشن عدد من المثقفين والأدباء والفنانين والكتاب والمؤرخين حملة توقيعات لرفض ما يحدث في بعض المناطق الأثرية بالقاهرة ومقابرها التي تحمل تراثها وتاريخها وجانبا من حضارتها، هدما أو إهمالا.

وتعد أعمال الهدم نقطة سوداء في ملف ترشح وزير السياحة والآثار المصري السابق لليونسكو، والاستمرار في هذا النهج الرسمي يضعف فرص المرشح وقد يجعله خارج دائرة مرشحي المراحل الأخيرة، وبذلك تكون القاهرة قد خسرت في ثلاث مناسبات مختلفة الحصول على هذا المقعد.

وكانت مصر من أوائل الدول العشرين في العالم التي صادقت على تشكيل منظمة اليونسكو، واحتفظت بعضوية المجلس التنفيذي لليونسكو فترات طويلة منذ عام 1946، ما منحها خبرة لا تتوافر للعديد من الأعضاء، لكنها تجد صعوبة في فوز مرشحها.

هدم التراث

اهتمام دولي واسع بما يحدث في منطقة القاهرة التاريخية
اهتمام دولي واسع بما يحدث في منطقة القاهرة التاريخية

يقول خبير الآثار المصري عبدالرحيم ريحان إن “ملف هدم التراث التاريخي في القاهرة عقبة حقيقية أمام خالد العناني، لأن ثمة توقعات حول إمكانية إدراج القاهرة على قائمة التراث المهدد بالخطر قبل أسبوع من انعقاد لجنة التراث العالمي في الرياض، وسوف يناقش هذا الاجتماع ما يحدث في المناطق التي تعرضت للهدم بعد وصول لجان دولية إلى القاهرة مؤخرا، شاركت في تقييم الأوضاع على الأرض”.

ويشير في تصريح لـ”العرب” إلى أن “القاهرة قد تفقد أحد معايير ترشيح خالد العناني حال إدراجها في قائمة التراث، فهناك اهتمام دولي واسع بما يحدث في منطقة القاهرة التاريخية، باعتبارها من أقدم أماكن التراث الحي، وأعمال الهدم تخل بمعايير تسجيلها كتراث عالمي وتفقدها صفة التواصل الحضاري كجزء لا يتجزأ من الأحداث التاريخية المرتبطة بها”.

وجرى ترشيح القاهرة التاريخية ضمن تراث عالمي استثنائي باليونسكو، ورسمت خارطة حدودها طبقًا للقانون 119 لسنة 2008 وتدخل ضمن نسيجها العمراني المقابر التي يتعرض جزء كبير منها للهدم حاليا.

وذكر ريحان أن الحل يكمن في وقف أعمال الهدم الجارية وإيجاد حلول هندسية للجسر المقترح بعيدًا عن مناطق التراث لأهميتها من الناحية المعمارية والتراثية والفنية، وهذا التصرف سوف يضيف زخمًا دوليًا داعما لملف ترشح خالد العناني.

وعلى المرشح المصري أن يكون له موقف واضح من قضية التعدي على التراث، وذلك بتقديم رؤية علمية لتبيان ما إذا كانت خطوات الحكومة اعتداء فعليا على المباني الأثرية وتدخلا في التراث العالمي أم أن المناطق المعنية لم يتم تسجيلها من الأساس، وحال كان معترضا على قرارات الإزالة فإن موقفه لا بد أن يكون معلنًا باعتباره سيقود منظمة دولية هدفها الحفاظ على التراث.

ويمكن أن يتعرض العناني للعديد من الأسئلة حول هذه القضية من قبل اليونسكو والجهات المعنية بترشيحاتها، وعليه أن يجيب عنها بوضوح، لأنه من المفترض حال نجاحه أن يكون مسؤولا متضامنا للحفاظ على التراث العالمي وليس مساهما أو مهملا.

13