حين كانت نوبل من نصيب نجيب محفوظ

نوبل، تبدو كباب العرش الذي فتح مرة وها نحن ننتظر عاما تلو الآخر، منذ 36 عاما، عله يفتح مرة ثانية في وجه أديب عربي.
الأربعاء 2024/10/16
للمرة الأولى من نصيب كوريا الجنوبية

بعد أيام من اللغط والنقاش حول جائزة نوبل والسر الذي يجعلها دوما تشيح ناظريها عن الأدب الآسيوي وخاصة الأدب العربي، أُعلنت الجائزة وكانت للمرة الأولى من نصيب كوريا الجنوبية، حيث حصلت عليها الروائية هان كانغ.

في وسط كل تلك التقارير الصحافية والنقدية، تذكرت الأديب المصري نجيب محفوظ وحديثه عن لحظة حصوله على نوبل للآداب. قد يتساءل البعض كيف ذلك وأنت لم تعاصريه أو تتعرفي عليه؟ الفضل كله لكتب السيرة الذاتية.

محفوظ الذي “تحدث إلينا جميعا” كما وصفته الأكاديمية السويدية، هو سيد الحارة المصرية القديمة، سيد القاهرة، لن أقول في نظرنا جميعا بل هو في نظري على الأقل وأنا التي أحببت الحارات القديمة من رواياته، وازددت شغفا بها حين قرأت سيرته أكثر من مرة. حي الجمالية والحسين وخان الخليلي وأغلب أحياء القاهرة القديمة، نقلها محفوظ للعالم خارج مصر بالكثير من الواقعية مركزا على صراع الخير والشر بين أهاليها.

“عندما بدأت أكتب الرواية كنت شبيها بأخصائي اجتماعي يقوم بمسح شامل لبيئة معينة أهتم فيها بالفرد قدر اهتمامي بالجماعة.. ثم أصبحت رواياتي عبارة عن موقف أو مجموعة مواقف.. الأدب في نظري انفعال محلي ولا يمكن إلا أن يكون محليا”، يقول أديب نوبل.

هذا الالتزام بالمحلية وبأن يكون صوت مصر والحارة المصرية، لهو في نظري ما منح محفوظ نوبل عن جدارة.

ومن يلاحظ أيضا كيف عللت الأكاديمية السويدية منحها هان كانغ جائزة نوبل لهذا العام سيجد أن كل كلماتها تحيلنا إلى مدى “محلية” هذه الكاتبة، وكيف نقلت إلينا عبر مؤلفاتها الكثير من خصوصية الحياة والثقافة في مجتمعها الكوري الجنوبي.

ورغم براعته، لم يكن محفوظ يتوقع أنه سيحصل على نوبل، بل كان قبل ذلك يتوقع أن تكون من نصيب أديب عربي، ولطالما رأى أن طه حسين هو الأجدر بالحصول عليها.

يقول محفوظ في كتاب “أنا نجيب محفوظ”، خطه إبراهيم عبدالعزيز: “لم يذهب عقلي نحوها أبدا، ولقد جلست قبلها بأسبوع واحد فقط (الإعلان عن نوبل للآداب كان في 13 أكتوبر 1988) أناقش مع أصدقاء من الذي سيأخذها من الكتاب العرب إذا رشحوا عربيا لها”.

حتى عندما نقلت إليه زوجته خبر فوزه، لم يصدق، ظن أنها تمازحه، حتى دخل عليه السفير السويدي وزوجته، وهو في بيجاما، يقدمون إليه تذكارا بسيطا ويهنئونه بنوبل.

الجائزة القيمة التي تمنح سنويا منذ العام 1901، أي نحو قرن وربع القرن، ذهبت لمرة واحدة لمثقف عربي، حتى أنه لم يصدق الأمر وقال “وجدت نفسي لفترة طويلة أعتقد أن هناك اسما يشبه اسمي، وعندما أفقت من الدهشة كانت سعادتي بالغة، لأن الجائزة تعني بالنسبة لي ولوطني ولوطني الأكبر: الوطن العربي.. أنه قد فتح لنا جميعا باب لم يكن أحد يعترف به لنا حتى الآن”.

وحين انتهت الجلبة حول الجائزة قال: “سعيد لأنني كسرت القاعدة.. التي تقضي بأن الحصول على أي شيء الآن.. إنما يقتضي مسلكا خاصا يقوم على قاعدة انتهازية وعلاقات عامة واتصالات دائمة هنا وهناك…قدمت درسا لكل الجادين والمجتهدين: إن الانصراف إلى العمل والعكوف عليه يمكن أن يؤدي إلى جائزة نوبل”.

للأسف يا أستاذ نجيب أن الباب يبدو أنه فتح وأغلق لمرة واحدة، يذكرني بأسطورة باب العرش التي ترويها جداتنا في تونس وتقول إن باب العرش الإلهي يفتح فجأة في وقت غير معلوم، عادة ما يكون في شهر رمضان، أو في فجر الليالي الصيفية الهادئة، ولمن يدركه أن لا يخاف منه، بل يستقبله بكل إشاراته ويطلب من السماء ما يريد، فيحصل عليه، والبعض يؤمن بذلك كإيمانه بحتمية الموت، ويصر على أن فلان فتح باب العرش في وجهه وحقق له حلمه.

ونوبل، تبدو كباب العرش الذي فتح مرة وها نحن ننتظر عاما تلو الآخر، منذ 36 عاما، عله يفتح مرة ثانية في وجه أديب عربي.

18