حميدتي يطمئن المدنيين: ذهب زمن الانقلابات ونريد العودة إلى الثكنات

نائب رئيس مجلس السيادة السوداني يؤكد على ميثاق شرف مدني – عسكري لقطع الطريق على "قوى الثورة المضادة".
الاثنين 2020/02/17
لا نسمح بالاستيلاء على السلطة

الخرطوم – حرص نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي” في آخر إطلالة تلفزيونية له على تبديد الهواجس المتزايدة لدى القوى المدنية من إمكانية سحب المؤسسة العسكرية البساط من تحت اقدامها  والانقلاب على الوثيقة الدستورية التي تنص على مشاركة  بين المدنيين والعسكريين في إدارة المرحلة الانتقالية.

وأوضح حميدتي الذي يتولى أيضا قيادة قوات الدعم السريع أن المؤسسة العسكرية لا ترنو إلى السلطة ولا يمكن أن تسمح بأي انقلاب، قائلا :”لا نسمح بالاستيلاء على السلطة، ولا نريدها.على الجميع أن يطمئن، لن يحدث انقلاب  طالما نحن موجودون”.

وأضاف :”كل الأجهزة النظامية متعاهدة على أنه لن يكون هناك انقلاب، نحن من يبحث عن المدنية التي يتحدث عنها الناس. لسنا ضد المدنية، لكننا نريدها مدنية  و لا نريد أن نبدل تمكينا بتمكين، بل  أن يتساوى الناس، وأن نقبل ببعضنا بعضا”، في لوم مبطن موجه الى قوى الحرية والتغيير.

وانتقد حميدتي غياب شراكة فعلية بين شقي مجلس السيادة (المدنيين والعسكريين). وقال: “يُفترض أن تكون هناك شراكة حقيقية، وطالما ليست هناك شراكة فليتم إخراجنا من المجلس، وسنذهب إلى ثكناتنا  بصمت”.

ولطالما اتسمت العلاقة بين المدنيين والعسكريين بتوتر منذ إطاحة حكم الرئيس عمر البشير في أبريل الماضي، اذ أن كل طرف يتوجس من انقلاب الآخر عليه. ولم يشفع توقيع اتفاق لتقاسم السلطة الانتقالية في أغسطس في  تبديد هذه المخاوف التي ازدادت أخيرا  الأمر الذي بات يثير مخاوف جدية على المسار الانتقالي في السودان.

المؤسسة العسكرية تدرك أن أي انقلاب ستكون له مفاعيل سلبية ستضع السودان مجددا في مواجهة مع المجتمع الدولي

وتعززت المخاوف مع بروز الشق العسكري في السلطة بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان على مسرح الأحداث، في مقابل تراجع دور رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي يقود عمليا قاطرة المدنيين في السلطة.

ونبه  نائب رئيس مجلس السيادة إلى أن “هناك من يعتقد أننا منافسون لهم، وهو اعتقاد غير صحيح. لدينا عهد نحترمه، وهو الوثيقة الدستورية
ولن نستمر في الحكم يوما واحدا إضافيا”.

وقال  حميدتي محذرا "الآن نرى هذه البلاد تنهار أمام أعيننا، كل البلدان التي انهارت بدأت بالطريقة ذاتها”.

ويرى محللون سودانيون أن سطوع نجم البرهان خاصة بعد اللقاء الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية والدعوة التي تلقاها لزيارة الولايات المتحدة ، جعل  قوى “الحرية والتغيير” التي قادت الحراك الشعبي ضد النظام السابق تستشعر أنها باتت على هامش الأحداث.

ولعبت القوى المحسوبة على المنظومة السابقة دورا كبيرا في تغذية هذه الهواجس، على أمل تكريس حالة الانقسام والتشظي  في عمود السلطة بما يسمح لتلك القوى بالعودة والانقضاض على الحكم مجددا.

وقال نائب رئيس مجلس السيادة في رسالة موجهة خصوصا إلى “قوى الثورة المضادة”: ”نطمئن الشعب ونقول لأصحاب المليونيات التي تدعو لتفويض القوات المسلحة: خاب فألكم،  لن نستجيب، و سنعمل لمعالجة الأزمة الاقتصادية، ونعالج أي أخطاء معا ، ونعمل لتوصيل الناس إلى انتخابات حرة ونزيهة”.

ودعت جهات غير معروفة أخيرا  عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تظاهرة “مليونية”، لتفويض القوات المسلحة استلام السلطة؛ بدعوى فشل الحكومة الانتقالية في انتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية. ويرى كثيرون أن مثل هذه الدعاوى هدفه   زيادة إرباك السلطة الانتقالية وتعميق الهوة بين جناحيها.

ضرورة التعاطي مع الجانب العسكري من منطق مشاركة وليس منافسة
ضرورة التعاطي مع الجانب العسكري من منطق مشاركة وليس منافسة

وفي بادرة لسد الثغرات أمام “المتربصين” طرح حميدتي على القوى المدنية والمؤسسة العسكرية  ميثاق شرف لحماية الديمقراطية. وقال عضو مجلس السيادة، في المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه القناة “سودانية 24”، ليل السبت :”أدعو إلى الاستعجال في وضع ميثاق الشرف ونتعاهد لنمضي إلى الإمام،  فالوضع بكل صراحة غير مريح”.

وأضاف حميدتي “الميثاق ينص على ألا يكون هناك انقلاب، ونتفق على مصلحة البلد، ونذهب في اتجاه مصلحتنا، بمشاركتنا جميعًا”.

وكان آخر ميثاق شرف توافقت عليه القوى السياسية في السودان يعود إلى العام 1989، ورفضت الحركة الإسلامية الانخراط فيه قبل أن تدعم بعد أشهر قليلة   انقلابا على الحكومة التي كان يرأسها  زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي.

وأكد حميدتي أن الميثاق الذي يدعو إليه هدفه حماية الديمقراطية والفترة الانتقالية. ويقول متابعون إن مخاوف المدنيين من احتكار المؤسسة العسكرية للسلطة، قد تكون مشروعة خصوصا أن تاريخ السودان الحديث يزدحم بالانقلابات، وآخرها الانقلاب الذي  قاده التحالف الهجين بين العسكريين والحركة الإسلامية وأوصل البشير إلى سدة الحكم.

ويلفت المتابعون إلى أن ذلك لا يعني أن هناك نية فعلية للمؤسسة العسكرية للانقضاض على السلطة وضرب الاتفاق الذي أبرم  في أغسطس ، لاعتبارات  لعل   بينها أن هذه المؤسسة تدرك جيدا أن أي انقلاب ستكون له مفاعيل  سلبية جدا وسيضع السودان مجددا في مواجهة مع المجتمع الدولي.

ويشير هؤلاء إلى أن  ليس هناك أي قائد عسكري في السودان يستطيع تحمل تبعات هكذا مغامرة، بالتالي  على الطرف المدني تحديدا قوى الحرية والتغيير الخروج من دائرة التوجس التي بدأت تخنقها وتؤثر ليس فقط عليها بل على السودان ، وعليها التعاطي مع الجانب العسكري من منطق مشاركة وليس منافسة. وبدأ السودان في 21 أغسطس 2019، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة  الجيش وتحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”.

2