حملة اعتقالات في إيران لمنع تجدد احتجاجات الوقود في ذكراها الثانية

يعيش الإيرانيون أوضاعا معيشية صعبة وأزمات متعددة ما يجعلهم جاهزين للنزول إلى الشارع والاحتجاج، وهو ما تدركه السلطات وتستعد له بحملة اعتقالات للناشطين وتهديد عائلات ضحايا احتجاجات نوفمبر 2019 لعدم إحياء ذكرى مقتل أبنائها خشية تحولها إلى مظاهرات ناقمة.
طهران - كثفت قوات الأمن الإيرانية من حملة الاعتقالات ضد الناشطين والمعارضين في الأيام الماضية، مع اقتراب الذكرى الثانية لاحتجاجات الوقود، والتي تخشى السلطات من تجددها خصوصا مع الوضع المعيشي المتأزم للمواطنين.
وتكررت عمليات الاعتقال حيث أعلنت دائرة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني في محافظة أصفهان وسط البلاد مساء الأحد عن اعتقال عناصر مجموعة مناهضة للثورة في المحافظة “كانوا يخططون لزعزعة الأمن العام في المحافظة”.
وقال روح الله حكيمي فر مسؤول قسم العلاقات العامة في فيلق صاحب الزمان بمحافظة أصفهان إن “أعضاء هذه المجموعة المناهضة للثورة كانوا يخططون لإثارة الأجواء في مواقع التواصل الاجتماعي والأجواء الحقيقية ضد أمن الشعب، لكنهم خضعوا للرقابة والرصد من منظمة استخبارات الحرس الثوري بفيلق صاحب الزمان وتم اعتقالهم قبل قيامهم بأي خطوة معادية”.
وتابع “تم كشف وضبط عدد من الأسلحة والذخائر التي كانت بحوزة هذه المجموعة”.

أحمد وحيدي: أعداء إيران يخططون لاحتجاجات في نوفمبر كما حدث في 2019
وقبلها بيومين أعلنت قوات فيلق الإمام الحسن المجتبى بمحافظة البرز الواقعة غرب العاصمة طهران، أنها طاردت قادة حركة “الانتفاضة البيضاء” التي دعت الخميس إلى تنظيم احتجاجات بالتزامن مع ذكرى انتفاضة نوفمبر 2019.
وذكرت وكالة أنباء “فارس نيوز” التابعة للحرس الثوري أن “قوات فيلق الإمام الحسن المجتبى بمحافظة البرز وعاصمتها مدينة كرج تمكنت من اعتقال قادة حركة الانتفاضة البيضاء خلال عمليات نفذتها في المحافظة”.
وأضافت أن “الحركة كانت تخطط لزعزعة أمن واستقرار المحافظة وباقي مناطق البلاد، وذلك من خلال تنفيذ عمليات تخريبية”.
و”حركة الانتفاضة البيضاء” ظهرت مؤخرا في إيران ويقودها شخص يدعى الدكتور سايان الذي دعا الأسبوع الماضي الإيرانيين إلى تنظيم احتجاجات يكون مركزها وسط طهران.
وأبقت قوات الحرس الثوري هوية المعتقلين وعددهم من قادة الحركة “سرية” ولم تكشف أي معلومات في هذا الصدد، مشيرا إلى أنها “تقوم بتعقب جميع عناصر هذه الحركة”.
وفي سبتمبر الماضي أعلنت وزارة المخابرات الإيرانية اعتقال أحد قادة الحركة، فيما قالت وكالة أنباء “خبر أون لاين” إن المعتقل يدعى محمد حسين بور أحد قادة حركة الانتفاضة البيضاء.
وكان عدد من المسؤولين في حكومة إبراهيم رئيسي حذروا في وقت سابق من تكرار الاحتجاجات في نوفمبر الجاري كما حدث في الشهر ذاته عام 2019 بعدما رفعت السلطات أسعار البنزين إلى ثلاثة أضعاف.
وعبر وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي نهاية شهر أكتوبر الماضي عن مخاوف رسمية من إمكانية خروج مظاهرات في الذكرى الثانية لاحتجاجات الوقود التي أودت بحياة العشرات وتوقيف المئات، وذلك إثر اضطرابات شهدتها محطات البنزين في جميع أنحاء إيران جراء عطل برمجي أثر على نظام الدفع بالبطاقات المدعومة وسط انتشار لقوات الأمن في بعض هذه المحطات.
وقال وحيدي إن أعداء إيران يخططون لاحتجاجات في نوفمبر كما حدث في 2019 وأن توقف محطات الوقود في إيران هي بداية لخلق المظاهرات.
واندلعت في نوفمبر 2019 احتجاجات في نحو 700 موقع داخل إيران، بعدما رفعت السلطات أسعار الوقود من دون سابق إنذار، واستمرت الاحتجاجات عشرة أيام ألقت فيها السلطات القبض على 7113 شخصا.
وأقر مسؤولون إيرانيون بأن السلطات مسؤولة عن قتل 80 في المئة من ضحايا احتجاجات نوفمبر 2019.
وقالت وزارة الداخلية آنذاك إن عدد قتلى احتجاجات نوفمبر التي اندلعت في أنحاء إيران بسبب رفع أسعار الوقود، أقل من 225 شخصا، لكن تقديرات غير حكومية أشارت إلى أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.
وتشير تقديرات غير حكومية إلى أن أعداد الضحايا تتراوح بين 300 و3000 قتلوا على أيدي قوات الأمن.
قوات الأمن الإيرانية تكثف من حملة الاعتقالات ضد الناشطين والمعارضين، مع اقتراب الذكرى الثانية لاحتجاجات الوقود
ووفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز في ديسمبر 2019، فإن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أمر في اجتماع مع مسؤولين حكوميين في السابع عشر من نوفمبر 2019، بعد يومين من بدء الاحتجاجات، بإنهاء الاضطرابات، قائلا إن “الجمهورية الإسلامية في خطر”.
ويقول محللون إن السلطات الإيرانية لديها تقارير استخباراتية حول حالة الغليان في الشارع الإيراني واستعداد المواطنين المتأزمين معيشيا إلى الخروج للشارع عند إطلاق أي شرارة لتنظيم عملية احتجاجية مماثلة لما جرى في 2019 على خلفية أزمات متعددة أبرزها الطاقة والجفاف التي بالفعل شهدت خروج مظاهرات بسببها.
وقال الناشط الحقوقي بوران ناظمي في تصريحات لقناة “إيران انترناشيونال”، إن عملاء وزارة الاستخبارات هددوا العائلات بأنها “ستتحمل المسؤولية” إذا حدث أي شيء في احتفالات الذكرى السنوية التي أقامتها.وتسعى السلطات لكتم الأصوات التي تحاول إحياء هذه الذكرى، فقد ذكر نشطاء حقوقيون أن قوات الأمن الإيرانية تضغط على عائلات ضحايا احتجاجات نوفمبر 2019 لحملها على التخلي عن إحياء ذكرى أحبائها.
وأضاف ناظمي أن القوات الأمنية هددت أيضا النشطاء، الذين سبق أن حُكم عليهم بسبب أنشطتهم السياسية، بأن الأحكام مع وقف التنفيذ سيتم تنفيذها إذا شاركوا في أي تجمعات أو احتفالات لتكريم ضحايا الاحتجاجات.
وإذا كان الكثير من الإيرانيين مستعدين للخروج إلى المظاهرات رغم ما تشهده من مخاطر على حياتهم بسبب قمع السلطات، فإن البعض الآخر الأقل جرأة بات تحت وطأة الأزمات النفسية التي أدت إلى تزايد حالات الانتحار في البلاد.
وقد نشرت صحيفة “اعتماد” الإيرانية الإصلاحية تقريرا عن تفاقم حالات الانتحار في إيران، مستندة إلى دراسات وتقارير حكومية حصلت عليها، مذكرة بأن نسبة المُقدمين على الانتحار تزداد بمعدل 4 في المئة سنويا.
إقرأ أيضا
وأوردت الصحيفة أن العام الماضي شهد 3589 حالة انتحار، وهو أعلى رقم على الإطلاق في تاريخ إيران، فضلا عن الحالات التي يتم حجبها من قِبل الأهالي لأسباب اجتماعية، خصوصا في أوساط النساء.
وتنشر وسائل التواصل الاجتماعي في إيران بشكل متكرر قصصا وأحداثا عن حالات انتحار، حتى أنها صارت الأكثر رواجا وجذبا للانتباه.
وحسب دراسات منظمة الصحة العالمية، فإن المُعدل السنوي للانتحار في إيران هو 5.3 حالة انتحار لكل 100 ألف مواطن في العام، ونسبة الرجال هي تقريبا ضعف نسبة النساء المُنتحرات، كما أن الانتحار في أوساط المتزوجين أعلى مقارنة بأوساط العزاب.
وقالت المنظمة إن الأسباب الموضوعية لذلك الارتفاع في حالات الانتحار هي اقتصادية واجتماعية وسياسية تعيشها إيران، حيث يفشل المزيد من الآباء في تأمين الحد الأدنى من المعيشة والحاجات الأولية الأبسط لعائلاتهم، مما يدفعهم إلى الدخول في حالات من الضغوط الحياتية والنفسية، ثم الإقدام على الانتحار.