حماية المجتمع عنوان رئيسي لقضايا انتقلت من التلفزيون إلى يوتيوب في مصر

تكررت اتهامات السب والقذف والتشهير الموجهة لمشاهير يوتيوب في مصر الأشهر الماضية، وتزايد الحديث عن توقيف عدد من أصحاب القنوات من قبل قوات الأمن، ما يشير إلى استدارة مصرية قوية نحو التعامل بحسم مع المنصات الرقمية التي تعاني من انفلات تصعب السيطرة عليه.
القاهرة - يؤكد تصاعد وتيرة البلاغات المقدمة ضد بعض أصحاب قنوات يوتيوب في مصر على إرسال إشارات من جهات رسمية لعديد من “اليوتيوبرز” الذين يقدمون محتويات مختلفة بأن هناك أطرا قانونية يجب العمل بموجبها، وأن ترك الساحة على مصراعيها لتقديم خطابات تحظى بنسب متابعة مرتفعة مع تراجع اهتمام المواطنين بالتلفزيون لن يكون مقبولاً بحكم تأثيرها المتزايد في أوساط فئات شعبية عديدة.
وتقدم مؤسس “حملة تطهير المجتمع” المحامي أشرف فرحات قبل أيام ببلاغ إلى الجهات القضائية المختصة ضد قناة تحمل اسم “هشام متولي” على منصة يوتيوب بتهمة السب والقذف والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وذكر في دعوته أن المشكو في حقه يعرض من خلال تلك القناة مقاطع صوت وصورة يظهر فيها بشخصه ويتناول النساء المحصنات وينال من شرفهن وعرضهن عبر مقاطع فيديو يضع لها عناوين مغايرة لما يقدمه من محتوى في محاولة منه لجذب المشاهد قاصدا التربح من المشاهدات على حساب سمعة وشرف الغير وجمع المال دون سند من واقع أو قانون.
ولم تكن هذه الحالة الوحيدة التي أقام فيها المحامي فرحات دعوة قضائية ضد مقدمي المحتوى على المنصات الرقمية، وتولّى من خلال مؤسسته الأهلية التي أنشأها منذ سنوات برفع قضايا ضد عدد من مشاهير اليوتيوب بينهم الراقصة سما المصري التي تقضي الآن عقوبة السجن بتهمة التحريض على الفسق والفجور.
وقال المحامي أشرف فرحات في تصريح لـ”العرب” إن قانون العقوبات المصري وقوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات على الإنترنت مخوّلة بالتعامل مع الانتهاكات التي يرتكبها أصحاب القنوات، وتتركز على السب والقذف والتشهير وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، وأن البلاغات قد يحركها الأشخاص المتضررون من تلك المحتويات أو من خلال مكاتب المحاماة إذا كانت تشكل خطراً على المجتمع.
وينص القانون الذي يحمل رقم “175” لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات في مصر على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (نحو 1500 دولار) ولا تتجاوز 100 ألف جنيه (3200 دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أيّ من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة”.
وأوضح فرحات أن الفيديوهات التي تحتوي على إيحاءات تسيء إلى المرأة المصرية تنتشر بكثافة، وثمة محتويات أخرى لا تراعى فيها الأبعاد الدينية أو الأخلاقية، وأن الوقائع السابقة أثبتت وجود ما يمكن وصفه بـ”مافيا توظف مشاهير يوتيوب” لتحقيق أرباح هائلة من الفيديوهات، وقد تنجرف بعض الفتيات لتسهيل الدعارة وغيرها من الأنشطة غير الأخلاقية ويلفظها المجتمع.
واعتبر أن تحريك الدعاوى القضائية لن يكون كافيًا وأن الجهات الرسمية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للإعلام، المنوطة بمتابعة منصات التواصل الاجتماعي ولديها السلطة المخوّلة لإغلاقها وحظر بقاء الفيديوهات التي يتم تداولها على نطاق واسع عليها القيام بأدوارها وقد يصدر حكم بالقبض على أصحاب تلك القنوات لكن محتوياتهم يتم تداولها على نطاق واسع بين المواطنين.
ويعيد تسابق عدد من المحامين لتقديم بلاغات ضد أصحاب قنوات اليوتيوب التذكير بمشاهير المحامين الذين تولوا عملية تقديم البلاغات ضد مذيعي التلفزيون في فترات سابقة بتهم شبيهة، حمل بعضها اتهامات فضفاضة مثل حماية المجتمع أو الترويج للإلحاد وغيرها من القضايا التي أخذت في السابق جدلاً إعلاميًا ومجتمعيًا واسعًا.
وتأخذ قضايا ملاحقة مذيعي يوتيوب أبعاداً سياسية وحقوقية في بعض الأحيان، وتواجه الحكومة اتهامات بالتضييق على الحريات في الحالات التي تتعلق بإبداء الرأي والقيام بمشاهد تمثيلية تحمل انتقاداً للحكومة، غير أن تجاوز القانون من جانب الكثير من “اليوتيوبرز” يجعل هناك تأييدا مجتمعيا لأيّ إجراءات حكومية تتخذها في هذا السياق.
وألقت أجهزة الأمن المصرية مؤخرا القبض على خمسة من مقدّمي المحتوى الساخر عبر الإنترنت، لتمثيلهم مشهداً بعنوان “الزيارة” تظهر خلاله فتاة تزور رفيقها في السجن، وواجهوا اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية (الإخوان المصنفة إرهابية في مصر) وتمويلها وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر أخبار كاذبة، وقررت النيابة حبسهم على ذمة التحقيقات.
كما أوقفت قوات الأمن اليوتيوبر أحمد الدسوقي، والذي قدم مشهداً تمثيلاً لـ”كمين”، وكان بحوزته طبنجة صوت، وجهاز اتصال لاسلكي، ويقوم بايقاف إحدى السيارات وبداخلها أحد الأشخاص وبصحبته فتاة، وواجه اتهاماً بانتحال صفة موظف عمومي.
وألقت قوات الأمن القبض على هشام المصري مؤسس قناة على يوتيوب تحمل اسمه، على خلفية فيدوهات روج فيها إلى الإلحاد ووجه انتقادات لعدد من الحكومات العربية.
وبرهن اتجاه عدد من اليوتيوبرز إلى وقف محتوياتهم على يوتيوب بينهم هشام متولي الذي يحظى بمتابعات كبيرة على أن إجراءات الحكومة وتوالي البلاغات المقدمة ضد المشاهير قد يدفع لتصويب مسار الخطابات الإعلامية المقدمة خلالها.
واضطر رمضان شعبان وهو صاحب قناة تحمل اسم “بيت العائلة الفرفوشة” التي يتابعها 700 ألف شخص، ويقدم فيديوهات تتسم بالمرح إلى جانب زوجته وأبنائه لإعلان تبرّئه من قيام منصات رقمية تابعة لتنظيم الإخوان للترويج لأحد الفيديوهات التي تحدث فيها عن ارتفاع الأسعار، وقيامه بحذف الفيديو إلا أنه حرص على تأكيد عدم صلته بأيّ جهات سياسية.
وقال عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان إن التعامل مع الخروقات الإعلامية لقنوات اليوتيوب لا يمكن تصنيفه على أنه إجراء يحدّ من حرية الرأي، لكن في المقابل فإن الإعلام الرقمي في حاجة إلى تشريعات جديدة تواكب التطورات الهائلة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن العديد من الدول حول العالم أقرت قوانين لحماية الخصوصية وتأمين بيانات الأشخاص وعدم استغلالها من جانب الشركات التي تدير منصات التواصل الاجتماعي ومواجهة الشائعات التي تنتشر بكثافة دون حسيب أو رقيب عليها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن معاقبة المحرضين بمختلف أنواعهم عبر المنصات الرقمية أمر مطلوب في هذا التوقيت لإحداث حالة من الانضباط في سوق الإعلام الرقمي، وأن قدرات الحكومات على ضبط الخطاب المقدم تبقى صعبة للغاية لكن يمكن التغلب عليها بصياغة قوانين عابرة للأوطان، وهو أمر في الأغلب دائما ما يخضع لأهواء الحكومات.